بغداد: في جرعة من الامل الحذر يبدأ خالد يوسف فيلمه quot;دكان شحاتهquot; بخروج شحاتة عمرو سعد من السجن. بعد توديع زملائه له وبعد خروجه وتنفسه لهواء الحرية يمر بمناطق فقيرة حتى يصل الى سكة الحديد التي يقطع فيها شبان الطريق على قطار التموين ليوقفوه ويسرقوا ماكان يحمله بسبب الجوع في مشهد مؤثر. هنا تتوقف الكامير quot;ستوب كادرquot; على شحاتة وهو يراقب الناس وهم منهمكون بالسرقة. لتظهر على الشاشة الصفحات الاولى من الجرائد وهي تكتب بالبنط العريض عناوينها الرئيسية مع صور متحركة تذكرنا بطريقته في فيلمه السابق quot;حين ميسرةquot; لكن المخرج هنا لايركز على موضوع واحد والذي كان معلومات عن سكان المناطق العشوائية في حين ميسرة فهو يستعرض هذه المرة احداثاً جرت وستجري في العالم فهو يبدأ بعام 2013 ثم بشكل تنازلي يستعرض احداثًا جرت في العالم مثل فوز اوباما وتغييره لتاريخ امريكا وسقوط بغداد وموت يوسف شاهين وغرق العبارة المصرية واحداث كثيرة لكنه يتوقف عند العام 1981 لاهميته ولان ثيمة الفيلم تنصب عليه وهو عام اغتيال السادات وتولي حسني مبارك للحكم ثم تختفي صور الجرائد لتظهر تفاصيل ولادة شحاتة تزامنا مع الحدث ولاعطاء هذه الشخصية رمزية quot;ستتضح معالمها بشكل اكبر مع مجريات احداث الفيلمquot;. تلده امه وتموت ليحمله ابوه الى بلده بعد ان كان يعيش في الصعيد كل هذه الاحداث كانت في مرحلة المقدمة والتايتل للفيلم ليبدأ الفيلم بوصول ابيه حجاج quot;محمود حميدةquot; ومعه طفله الرضيع شحاتة. ثم تتوالى الاحداث ليتضح لنا جليا كره ابني حجاج لهذا الزائر الصغير ليكبر ويكبر حقدهم عليه ثم بعد موت ابيه يطردوه ويبعون الدكان ويرموه في السجن quot;في حدث لم يسبك بشكل جيدquot; ولم يغفل الكاتب quot;يوسف معاطيquot; استخدام الرمزية والتلميح اليها ببيع البيت و الدكان الذي فيه الى دولة اجنبية يظهر في احد المشاهد علم اسرائيل على بابها اذن فقد بيع دكان شحاتة الى اسرائيل من قبل ابن الدكتور مؤنس quot;عبد العزيز مخيونquot; quot;الذي سجن لميوله اليسارية من قبل حكومة السادات ليطلق سراحه مبارك بعد تسلمه السلطةquot; اما ابن الدكتور فهو ابن عاق يعيش في الخارج كان قد هجر ابيه يدخل مصر ليبيع منزل ابيه الضخم والدكان الذي هو جزء من المنزل ويقبض اخوة شحاتة ثمن الدكان ليتقاسموه بينهم ويحرموا شحاتة من حصته. وبعد خروج شحاتة من السجن يبقى يبحث عن اخوته لانه يحتاج الى عائلة واهل لكنهم وبسبب ما فعلوه به خافوا من انتقامه ليقتله احد اخوته في نهاية الفيلم وليسبب هذا العمل فوضى عارمة في المنطقة بسبب هيجان اصدقائه ومحبيه لتظهر على الشاشة احداث لتضاهرات واعمال شغب حتى لمتطرفين لتعم الفوضي وهي نهاية متشائمة وتنبؤ لما سيحصل ان استمر الوضع على نفس الوتيرة. والفيلم حوى على اكثر من رسالة سياسية دست بين ثنايا القصة لكن المحور العام لها كان التركيز على موضوع طالما ركز عليه المخرج في افلامه وهو الفقر والمخاطر التي تتمخض عنه والانتخابات وتداول السلطة السلمي الذي يذكره المذيع في احدى النشرات quot;وفي اثناء خروج شحاتة من السجنquot; وبعد اعوام كثيرة من تولي الرئيس مبارك دفة الحكم! وركز الفيلم بشكل لافت للنظر الانتخابات الرئآسية التي حصلت وكيف تم شراء الاصوات واستغلال جوع الناس لشراء اصواتهم، هذا الجوع الذي تتحمل وزره الحكومة اولا واخيرا.
مخرج يخلط الزيت بالنار
لو تابعنا الفيلم بتجرد وحذفنا المقدمة ومشاهد قصيرة لاحداث حقيقية دست لتحرك الصراع الدرامي بأتجاه الرمزية مثل حادثة غرق العبارة وحريق بنيسويف واضراب القضاة والانتخابات واللافتات العريضة للرئيس مبارك والصور المنتشرة وكثرتها بالمقارنة مع لافتات منافسيه وانعدام وجود صور لهم لو تم حذف هذه المشاهد لكان الفيلم عبارة عن قصة عادية مقتبسة عن فيلم quot;المهاجرquot; ليوسف شاهين والذي عمل فيه quot;خالد يوسفquot; كمساعد للمخرج آنذاك وفيلم quot;المهاجرquot; مقتبس عن قصة النبي يوسف، لكن بهذه اللمسات السحرية التي ربما كانت بريشة quot;خالد يوسفquot; تغير ايقاع الفيلم وصارت الثيمة سياسية بمشاهد قد لايتعدى وقتها 10 دقائق ربما او اكثر قليلا ان حسبنا وقت المقدمة وهذه اللمسات هي التي تجعل المخرج مقتدرًا في عمله أم لا.
هيفاء وهبي وداليدا
لكن كعادته حاول quot;خالد يوسفquot; اعطاء مساحة مناسبة لاغراء فئة من المشاهدين لمتابعة الفيلم وبما ان قصة الفيلم لا تحتمل ادخال مشاهد اغراء صريحة عمد الى الاستعانة بأسم يوحي بالاغراء وهو المطربة اللبنانية هيفاء وهبي التي كانت عبئًا ثقيلا على كاهل الفيلم فلا اداؤها ولا لهجتها ولا ملابسها تماشت مع الزمان والمكان والاحداث في الفيلم فقد كان الفيلم في واد وهي في واد ويشعر من يراقبها ان جل همها كان اظهار ما يمكن اظهاره من جسمها وليذهب التصعيد الدرامي ومأساة البطل والحبكة الى الجحيم! وذكرني استخدام المخرج لهيفاء وهبي بأسناد دور بطولة فيلم quot;اليوم السادسquot; للمطربة الفرنسية المصرية الاصل داليدا من قبل المخرج يوسف شاهين quot;مع الاعتذار منهما للمقارنةquot; لكن شاهين استخدم داليدا لاهداف اوسع واكثر نضجًا فالرجل كان يطمح الى العالمية وداليدا حققت له ذلك رغم ركاكة لهجتها لكن ادائها كان جميلا ولم يكن همها الابتذال .. فدخل فيلم quot;اليوم السادسquot; الى فرنسا بقوة بسبب داليدا وساعد على انتشار الفيلم موت داليدا بظروف غامضة وكان فيلم quot;اليوم السادسquot; آخر عمل قامت به. فداليدا خدمت الفيلم بينما اساءت هيفاء وهبي له. أيضا هناك لمسات جميلة وجريئة من المخرج وكاتب السيناريو جسدها كرم غباوة quot;عمروعبد الجليلquot; في تناقضاته التي تعكس تناقضات المجتمع فمن ناحية يطلب من اخته بيسة quot;هيفاء وهبيquot; بالرقص لخطيبها ينتفض عند خروجها معه... وعندما ترفض تسليم جسمها لزوجها يمسك بها بنفسه ليفض زوجها بكارتها باصبعه لثلويث منديله بدم البكارة ليثبت عفة اخته! كذلك في ضربه لمدرس الفيزياء الذي يتحرش بطالباته في المدرسة وامام الجميع، فيما كانت انتقالة شحاتة من فئته العمرية الصغيرة الى البلوغ والشباب جميلة بتكسيره لقوالب الثلج وكأنه يعطيه مهمة تكسير الجليد والعادات البالية والثورة عليها. تميز quot;عمرو عبد الجليلquot; في ادائه وكذلك الممثل quot;عمرو سعدquot; ينافسهما في عفوية الاداء quot;محمود حميدةquot; فيما كان اسناد دور الدكتور مؤنس للممثل quot;عبد العزيز مخيونquot; مناسبا جدا وبالتاكيد مقصود لما لهذا الممثل من سمعة سياسية كبيرة وليس حادث طعنه بسبب تلك المواقف السياسية ببعيد فيما تميزت quot;غادة عبد الرازقquot; في ادائها لدورها الذي ابتعد عن الاغراء الذي اعتدناه منها في افلامها مع خالد يوسف. من الواضح ان المخرج وكاتب السيناريو أرادا ايصال رسالة صريحة الى الرئيس لترك كرسي الحكم لاناس اخرين قد يستطيعوا انقاذ ما يمكن انقاذه، فهل وصلت الرسالة؟ وهل ستلقي اذان صاغية وهل تصلح الافلام ما افسد الدهر؟
التعليقات