محمد عبد العزيز من القاهرة:قليلة هي الافلام المصرية التي قد تتفاعل معها أثناء عرضها، تريد منها المزيد، تريد ألا ينتهي الفيلم، تريد أن تقحم نفسك فيها كي تشارك أبطال وشخصيات الفيلم هذا الواقع المؤلم الذي تعلم بوجوده وتعيش فيه وتعاني معاناة نفس تلك الشخصيات، وفيلم واحد صفر الذي يعرض حاليا في دور العرض المصرية من هذه الأفلام القليلة التي يتصادف أن نلتقي بها في حياتنا، لتضاف إلى عدد قليل جدا من الأفلام التي رأيناها وأعجبنا وتأثرنا بها، لأنها احترمتنا واحترمت عقلية كل جمهورها، ومست بهذه الشخصيات الكثير منا.
فيلم واحد صفر عبارة عن يوم واحد في حياة الشعب المصري، يوم قد يكون مميزا لدى البعض والكثير ممن عايشوه، وهو يوم نهائي بطولة كأس أفريقيا في غانا عام 2008، وهو اليوم الذي فاز فيه المنتخب المصري ببطولة كأس الأمم الأفريقية للمرة الثانية على التوالي، كان بالفعل يوما لا ينسى لكل من عايشوه، الجميع كان يستعد منذ الصباح لهذه المباراة، والأمل في الفوز كان كبيرا بأقدام أبو تريكة وزيدان وحسني عبد ربه وأحمد فتحي وغيرهم من نجوم المنتخب، والذي سموا بعد ذلك صانعوا البهجة والسعادة للشعب المصري، وهي بالفعل النقطة التي كانت تركز عليها كاتبة الفيلم مريم نعوم، فبالرغم من كل المشاكل والأحداث التي مرت بها الشخصيات في هذا الفيلم، إلا أنهم في النهاية ومثل المدمنين تعاطوا حقنة السعادة بعد فوز المنتخب المصري، لينسوا معاناتهم في هذا اليوم الطويل، ويعيشوا البهجة والسعادة مع فوز المنتخب المصري.

شخصيات الفيلم جميعها كتبت بعناية شديدة للغاية، حتى التفاصيل الصغيرة التي قد تغيب عمن لا يعيش هذه الحياة، تم الاهتمام بها، ووجدناها ظاهرة أمامنا، يبدأ الفيلم باستعراض للشخصيات وعلاقاتها المتشابكة والبعيدة، بداية من الممرضة ريهام \ نيللي كريم التي تدور طوال اليوم من أجل كسب قوتها، مميزة بالخمار والملابس البسيطة التي ترتديها، ملابس ستجدها بالفعل كثيرا وأنت تمشي في المناطق الشعبية وغيرها من المناطق في القاهرة، وهي اللابس التي تلجأ إليها الفتاة المصرية البسيطة من أجل إخفاء الملابس البسيطة والرخيصة التي ترتديها أسفل هذا الخمار، أما أختها ناني \ زينة فقد لجأت للطريق الذي تلجأ إليه بعض البنات البسيطات اللاتي سامن من الفقر، فيبعن أنفسهم من أجل الشهرة والمال، وتعمل في مجال الفيديو كليبات، معتمدة على جمالها وجسمها، يستغله مخرج الكليبات الشهير \ حسين الإمام من أجل الحصول على أكبر قدر من المال من وراءها، ويرمي لها الفتات، ويحصل منها على ما يريد ويشتهي، وهي في نفس الوقت تحب عادل \ أحمد الفيشاوي الذي يعاني هو الآخر من ازدواجية الرجل الشرقي المعتادة، الإحساس بالرجولة على الرغم من عدم عمله على إثبات ذلك، فيعمل كوافير ويترك لأمه \ انتصار الإنفاق على البيت، وهي بدورها تشعر بافتقاد الرجال نظرا لانشغالها طوال عمرها بتربية ابنها، وهناك أيضا نيفين \ إلهام شاهين القبطية الثرية التي تعاني من تعنت الكنيسة في منحها تصريحا بالزواج بعد طلبها الطلاق من زوجها السابق وحصولها عليه بحكم المحكمة، تعيش مع شريف \ خالد ابو النجا الذي يدمن الخمر والمخدرات، ويتدهور مستواه في عمله بسبب شعوره بضعف شخصيته أمام نيفين، ويصدم في نهاية الفيلم الطفل علي الذي يعيش حياة العشوائيات ويعمل منادي ميكروباصات ويبيع الأعلام ويسرق الحشيش من جده الديلر عم علي \ لطفي لبيب، وهناك أيضا حسن \ quot;الشهير بجامايكاquot; الذي يعمل بائع لسندويتشات الفول في أحد المطاعم ويقع في غرام ريهام الممرضة.
مجموعة كبيرة من الشخصيات تصادف الكثير والكثير في هذا اليوم، ولكن من الواضح أن هناك مشاهد حذفت من شخصية نيفين القبطية بسبب مشكلة الكنيسة، ولذلك جاءت هي الأضعف بين هذه الشخصيات جميعها، فجاءت مبتورة واختفت كثيرا في أحداث الفيلم، أما بقية الشخصيات فقد جاءت مستوفاة، وعلى الرغم من أن الأحداث التي مرت بها الشخصيات في هذا اليوم كانت كثيرة وغير منطقية، إلا أن التكثيف للمشكلات والأحداث في هذا اليوم جاء مفيدا جدا، فأنت طوال الفيلم تنتظر ما ستسفر عنه الأحداث، على الرغم من أن تعلم تماما أن هذه المشاكل لن تحل في خلال يوم بليلة، إلا أنك تضحك معهم وتبكي وتنتظر، هناك العديد من المشاهد الناعمة التي تعلم أن مصدرها تلك الفتاة التي كتبت الفيلم في أول تجربة لها، نيللي كريم تصعد إلى أحد مرضاها لتجد عزاء وتكتشف وفاة الرجل، فتجلس في العزاء الذي لا يعرفه فيه أحد وتبكي بحرقة، لا تبكي على هذا الرجل، بل تبكي على حالها، تستغل هذا العزاء لتبكي، علها لا تجد في يومها الطويل المشغول فترة لتبكي فيها وتخرج حزنها من حالتها الاجتماعية والنفسية، تتأثر حين يعطيها فتى السندويتشات موعدا يوم المباراة كي يراها فيه، على الرغم من أن الكرة هي مصدر سعادته الوحيد، ولكنه وجدها فرصة حتى يتحدث معها، تحزن عندما تستسلم انتصرا للرجل في الأوتوبيس حتى تشعر أنها مازالت مرغوبة، وتشبع حاجاتها الجنسية، تغضب حين تعود المطربة زينة مرة أخرى إلى المخرج وتترك حبيبها أحمد الفيشاوي على الرغم من إهانة المخرج لها وطردها من الكافيه الذي كانوا يشاهدون فيه المباراة وتعديه عليها، مجموعة من المشاهد والعلاقات التي تتأثر بها بالفعل، حتى المشاهد الأخيرة التي بعد إحراز المنتخب لبطولة أفريقيا والفرحة التي يعيش فيها الجميع والسعادة المؤقتة والتلويح بالأعلام والغناء للمنتخب.
ساعد على ظهور الفيلم بهذه الحالة الجيدة مخرجته كاملة أبو ذكري ومديرة التصوير نانسي عبد الفتاح، فقد اختارت المخرجة أسلوب تصوير المشاهد من 1 شوت، أي بدون تقطيع، وهو ما ساعد على ظهور الكثير من المشاهد بشكل طبيعي، وخاصة مشهد الخناقة بين أحمد الفيشاوي وأمه، والخناقة الأخيرة بين الفيشاوي وحسن الإمام، وساعدها على خروج المشاهد بشكل موفق الحالة التمثيلية الرائعة من الجميع وخاصة نيللي كريم وانتصار، اللتين أدتا بالفعل أدوار عمرهما في هذا الفيلم.
يبقى التركيز على شيء أخير، وهي الصورة التيي ظهرت بها الفيلم، فعلى الرغم من أداء الجميع لواجباتهم على أكمل وجه، إلا أن الطبع والتحميض أظهرا صورة الفيلم بشكل غير جيد، وهو سبب إنتاجي معروف الأسباب، فالفيلم من إنتاج جهاز السينما، والذي يوجد به معمل للطبع والتحميض، ولكن من يعملون فيه موظفون أفقدوا الصورة بريقا تستحقه، فالكثير من الأفلام غير اليجدة التي صادفناها مؤخرا صورتها أفضل كثيرا من صورة هذا الفيلم.


قصة الفيلم: يعرض الفيلم لعدة شخصيات متباينة خلال يوم واحد هو نهائي بطولة كأس الأمم الأفريقية التي فاز بها المنتخب المصري العام الماضي.


معلومات عن الفيلم
تأليف: مريم نعوم
إخراج: كاملة أبو ذكري
بطولة: إلهام شاهين، خالد أبو النجا، نيللي كريم، زينة، أحمد الفيشاوي، انتصار، حسن الإمام، لطفي لبيب
مدير التصوير: نانسي عبد الفتاح
ستايلست: دينا نديم
إنتاج: جهاز السينما
سنة الإنتاج: 2009