كامل الشيرازي من الجزائر: حظي الفيلم السينمائي الجزائري الثوري quot;أسد الأوراسquot; بتفاعل جماهيري كبير، مساء الاثنين، وأسفر عرض هذه الملحمة التاريخية عن تفجير ضجة وسط الجماهير الغفيرة التي واكبت الحدث، حيث كانت الأجواء استثنائية وميزتها الهتافات والزغاريد، فيما سرق المخرج السينمائي الجزائري المخضرم quot;أحمد راشديquot; والنجم الصاعد quot;حسان كشاشquot; جميع الأضواء، فيما لم يتمالك كثيرون بقاعة سينما السعادة أنفسهم، إذ شوهدوا وهم غارقون في موجات من البكاء جرّاء تأثرهم بما حمله الفيلم.
وسرد quot;أسد الأوراسquot; على مدار أكثر من ثلاث ساعات، سيرة الشهيد الجزائري الرمز quot;مصطفى بن بولعيدquot; (1917 ndash; 1956) أحد كبار معالم الكفاح التحرري الجزائري؛ واعتنى راشدي في عمله السينمائي الضخم المستوحى من سيناريو الكاتب المعروف quot;الصادق بخوشquot; برصد شتى تفاصيل التاريخ الجزائري الحديث، وما واكب حياة بن بولعيد، منذ اشتغاله بتجارة النسيج، واندراجه ضمن الحركة الوطنية، مرورًا باحتكاكه بالراحل مصالي الحاج، وتخطيطه لتفجير ثورة الجزائر ضمن مجموعة الستة، وما أعقبها من اعتقال مصطفى بن بولعيد بتونس والحكم عليه بالمؤبد، قبل أن تحاكمه فرنسا ثانية بعد نقله إلى سجن الكودية بمدينة قسنطينة والحكم عليه بالإعدام، لكنه نجح في الفرار من السجن وواصل مسيرة المقاومة إلى غاية رحيله الدرامي غداة انفجار مذياع مفخخ أودى بحياته يوم 22 مارس/آذار 1956.
ولم يقتصر الإنتاج السينمائي الأضخم من نوعه في الجزائر منذ فيلم quot;الشيخ بوعمامةquot; مطلع ثمانينيات القرن الماضي، على تدوين مآثر بطل كبير من أبطال ثورة الجزائر المظفرة، وإنما امتدّ أيضًا لتاريخ مختلف أشواط الحركة التحررية في الجزائر، على الرغم من أنّ راشدي أكّد بوضوح أنّه ليست من وظيفة السينما كتابة التاريخ.
والأهمّ بمنظار النقاد، هو إقدام الفيلم على تسليط الضوء بشكل غير مسبوق على بدايات صراع القيم بين عرّابي الثورة الجزائرية، ويذهب إلى حد إسقاط الكثير من quot;التابوهاتquot;، من حيث تناول العمل أحداثًا ظلت غير معروفة سيما لدى الجيل الجديد، كما يعود السيناريست الصادق بخوش والمخرج أحمد راشدي إلى بدايات الحركة الوطنية في الجزائر أواسط ثلاثينيات القرن الماضي، وكيف تشبّع مصطفى بن بولعيد بينابيع الوطنية وعقده العزم كما معاصريه على إنهاء الاحتلال الفرنسي للجزائر بعد أن ظلت الأخيرة عرضة لاحتلال سعى إلى مسخ الشخصية الجزائرية الأصيلة على مدار قرن ونيف.
يُشار إلى أنّ تصوير فيلمquot; أسد الأوراسquot; استمر لما يزيد عن 18 شهرًا، في أماكن متعددة من الجزائر وفرنسا وصولاً إلى الحدود التونسية الليبية، وعانى العمل من مشاكل بالجملة وتأخيرات كثيرة ما استلزم تدخل الرئيس الجزائري quot;عبد العزيز بوتفليقةquot; شخصيًا لإتمامه.
وأعدّ الفيلم فريق عمل جزائري تكوّن من 60 ممثلاً وممثلة، تقدمهم الوجه الجديد quot;حسان كشاشquot; الذي تقمص شخصية بن بولعيد، كما اشترك في العمل كوكبة من الممثلين المخضرمين والشباب، في حين جرت الاستعانة بخبرات تونسية إيطالية فرنسية كما تم تحميض الفيلم في مخابر إيطالية أيضًا، بما سمح بإخراج الفيلم في أبهى حلة وبجودة عالية.