انتهينا... هكذا كما يحلو للغة أن تصف هزائمنا الأولى أمام الحب، انتهينا كما يجب أن تنتهي علامة الاستفهام أمام قامة الصمت، انتهينا... كما يجب أن ينتهي الحوار بين قلبين لا يجيدان التصالح، كنت عصي القلب، وكنت مجنونة بالغياب، هل تراك تقول عني ما يقوله أي رجل خذلته امرأة طائشة في صدقه؟ أم أقول أنا انّك أكبر من طموحي، وان عناويني كثيرة المحطات؟، هل يجب أن أبرر لك جنوني بحكمة التلصص على قلبك، ثم تركه وحيدا في مفترق العشق؟ أنا تلك المرأة التي تمتلك خسائرها بامتهان، وتصف شهوتها بالموسيقى، وقصائد الموج... انتهينا...هل كان يجب أن نحتفل بقرار ذبحي لك في عتمة حزنك، وقفار لوعتي؟، أيها المسروق من زمن ملائكي لا يأتي أبدا.
جلسنا في شرفة منزلك المطلة على شارع من فوضى وغبار، كانت بيننا طاولة من حوار صامت، يجيد التعذيب على مهل، قلت لي:
لماذا الآن؟
اجبت:
حتى لا تزدحم بداخلنا الأسئلة
قلت:
والحب؟
اجبت:
هو الحضور ونحن الغياب
لم يكن الحب ليجمعنا لولا الأسئلة، وها هو يغادرنا للسبب نفسه، هو الوقت والبعض من قلقنا، هوالحالة القاطعة التي تأخذ شكل الغموض، ونحن في قمة نفاقنا، تتداعى أفكارنا ورغباتنا في الحب كما لو كنا نبحث عن تبرير له. اذن لم نختلف، ولم يكن الحب الا تلك الطاولة التي تفرقنا عن بعد مسافة قاتلة في صمت حاد.
أهجرك اليوم، كما هجرت يوما وطني، وابتللت بغربتي فيك، وتعلمت على يديك فن القتال عن حب.
طاولة من فراق، عليها وردة بلاستيكية بلون باهت، هذا كلّ ما يليق بسنوات دامية بيننا، سأفارقك بعد بضع كلمات أختزل فيها شوقي لك في الغياب. وصلت المطار، كنت محمّلة بالكثير من عبقك، وبالقليل من صبري ، جلست هناك، على آخر كرسي في رواق حزني، فتحت كتاب قلبي وبدأت أقرأ، في حين راح صوت المضيفة يعلن عن موعد اقلاع الطائرة، اتجهت بخطوات ثقيلة الى نافذة التذاكر، ختم الموظف جوازي الأخضر، وختم معه وثيقة خروجي من ساحة قلبك، كنت مشدودة الى تلك الطاولة التي فصلت بيننا في كبرياء،المستديرة في حجم غصتي، هل كان الحب بحاجة الى طاولة حوار؟ أم هل كان الحوار بحاجة الى حب دائري في شكل تلك الطاولة؟
ابتسمت في وجهي تلك المضيفة الأمريكية الشقراء وهي تمدني بمنديل ورقي معطر، كما لو أنها رأت دمع قلبي وهو يجرح نبضه، ويسكر لوعته، كانت تذكرتي تحمل الرقم أربعة، جلست، أو انتهيت، أو هويت، أو انتحرت، سأصل بعد ساعات الى باريس الحب، لكنني بلا حب، تلك الباريس الغارقة في الألوهية والبوح.
مالت الشمس أو تكاد، لم يجلس بقربي أحد، شعرت بالبرد، وبكثير من الوحشة، طلبت من تلك المضيفة التي تجيد قراءتي كأس بيرة، وقطعة شوكولاطة سوداء، الطائرة تهتز، ودواخلي كلّها تهتز، ووجهك ...
نمت، كنت بحاجة الى صفحة نسيان في نومي، وعندما استفقت وجدت نفسي بين أحضانك في سريرنا، داخل غرفتنا، في بيتنا، وصوت أولادنا يرتفع...يا ماما...يا بابا .
كاتبة جزائرية مقيمة بأمريكا