لبنان ضيف quot;الآداب الجميلةquot; في فرنسا:
ملاحظات مريرة على هامش هذه التظاهرة

أنطوان جوكي من باريس: بضعة أيام وتنطلق تظاهرة quot;الآداب الجميلةquot; في فرنسا التي ينظّمها quot;المركز الوطني للكتابquot; سنوياً، منذ عام 1987، بهدف تشجيع الأدب الأجنبي ودعم ترجمته ونشره وتوزيعه. ومبدأ هذه التظاهرة يقوم على دعوة، في شهر تشرين الثاني من كل عام، مجموعة من الكتّاب ينتمون إلى بلدٍ أو منطقة لغوية واحدة، وتنظيم سلسلة لقاءاتٍ معهم في مختلف أنحاء فرنسا، بالاشتراك مع مكتبات وجامعات وجمعيات ثقافية فرنسية. ولهذا العام، اختار المركز تسليط الضوء على الأدب اللبناني (العربي والفرانكفوني) من خلال استضافته اثني عشر كاتب وكاتبة من هذا البلد، هم: الياس خوري، عبّاس بيضون، جمانة حداد، حسن داوود، رشيد الضعيف، علوية صبج، إيمان حميدان يونس، شريف مجدلاني، محمد أبي سمرا، ياسمينة طرابلسي، تاميراس فخوري وزينة أبي راشد، وعبر إصداره انطولوجيا أدبية (دار Verticale الفرنسية ودار quot;النهارquot;) تتضمن نصوصاً حديثة لهؤلاء الكتاب وفيلماً (DVD) هو كناية عن سلسلة حواراتٍ أجريت معهم في لبنان.
وقبل التطرّق إلى مضمون هذا الإصدار، لا بد من التوقف عند خيار الكتّاب المدعوين الذي يتجلى فيه حضورٌ روائي قوي مقابل خللٍ فاضحٍ في تمثيل الشعر اللبناني في هذه التظاهرة. فعلى الرغم من أهمية الشاعرين عبّاس بيضون وجمانة حداد، وتحلّي كتابة تاميراس فاخوري بحدٍّ أدنى من الشعرية، تبقى حصة الشعراء اللبنايين من هذه التظاهرة مجحفة مقارنةً بعدد الروائيين المدعوين (ثمانية) من جهة، وبأهمية الشعر اللبناني ودوره والمساحة التي يحتلها داخل لبنان وفي محيطه العربي أو الفرانكفوني، من جهة أخرى. ولا يقف خلف هذا الخيار جهلٌ بالساحة الأدبية اللبنانية، على الإطلاق، بل مسألة أن النص الروائي له قرّاء أكثر من النص الشعري. لكن قد نتفهّم هذا المنطق من دار نشر (أو مجلة أدبية) عليها أن تؤمّن حداً أدنى من المبيع للمضي قدماً، أما أن يسير في هذا المنطق مشروعٌ هدفه الأول دعم الأدب الذي يحتاج إلى مساعدة (أي الشعر بالدرجة الأولى في هذه الحالة)، وبالتالي تصحيح هذا الخلل، فهذا ما لا يمكن القبول به.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأدب اللبناني الفرانكفوني، شعراً ونثراً، حيث تم اختيار وجوهٍ شابة لم تنضج كتابتها بعد مقارنةً بالأصوات الشعرية أو الروائية الكبيرة التي ما تزال منتجة. فتاميراس فخوري، مع احترامنا لقصائدها quot;الشفافةquot;، غير قادرة على تمثيل الشعر اللبناني الفرانكفوني الذي أعطانا وجوهاً بحجم جورج شحادة وفؤاد أي زيد وفؤاد غابرييل نفّاع وناديا تويني وصلاح ستيتيه وفينوس خوري غاتا، وتجربتها لا تشكّل تطوّراً أو حتى امتداداً لتجربة هؤلاء، مقارنةً مثلاً بشعر أنطوان بولاد أو ميشال قصير أو تينا معلوف مثلاً. وينطبق هذا الأمر أيضاً على ياسمينة طرابلسي التي ما زالت على المستوى الروائي في بداية الطريق ولم تتمكّن في روايتها الثانية المملّة من تكرار الانجاز الذي حققته في روايتها الأولى. ولعل هذا الخيار يبرره انقشاع معظم الأصوات اللبنانية الفرانكفونية الكبيرة في فرنسا وعدم حاجتها إلى تشجيع مقارنةً بالأصوات الشابة. وفي هذه الحال، لماذا لم يُطبَّق هذا المنطق على الروائيين اللبنانيين الذين يكتبون باللغة العربية وتتوفّر معظم أعمالهم على الساحة الفرنسية مقارنةً بالشعراء اللبنانيين الذين يكتبون باللغة العربية والغائبين بجزئهم الأعظم عن هذه الساحة؟
وينعكس هذا الخلل في تمثيل الأدب اللبناني بشكلٍ أكبر على الانطولوجيا الصادرة في هذه المناسبة نظراً إلى مشاركة عبّاس بيضون فيها بمقتطف من نصٍّ روائي، الأمر الذي يقلّص فيها حصة الشعر اللبناني الهزيلة أصلاً. كما أدى اعتماد الترتيب الأبجدي للكتّاب إلى تصدُّر نص زينة أبي راشد المصوَّر، الضعيف في طرافته وجمالية صوره، النصوص الأخرى في الانطولوجيا! لكن الخيبة الكبرى تبقى مقدمة محمد قاسمي لهذا الكتاب لكونها مجرّد مقالة صحافية سطحية صيغت انطلاقاً من معلومات مستهلكة وجدّ معروفة في فرنسا، ومن استشهادات غزيرة للكتّاب المدعوين تتناول بجزئها الأكبر الوضع السياسي والحرب اللبنانية في لبنان، بدلاً من اعتماده مقاربة نقدية بمستوى المشروع وأهدافه الكبيرة، مقاربة تذهب أبعد من السطر أو السطرين اللذين خصصهما المقدِّم لكل من هؤلاء الكتّاب وتمنح قارئ الانطولوجيا إسهاماً نقدياً حقيقياً حول نصوصهم الجميلة والمتينة بمعظمها.
طبعاً، جميع الكتّاب المشاركين لا يُمثّلون إلا أنفسهم ونصوصهم، وهم بالتالي غير مسؤولين إطلاقاً عن المسائل التي أشرنا إليها. نلوم فقط منظّمي هذه التظاهرة، وتحديداً مستشارها لهذا العام، محمد قاسمي، لأن المسألة ليست مجرّد انطولوجيا يمكن تكملتها أو تصويبها في المستقبل، بل فرصة لا تتكرر للبنان لإظهار مشهده الأدبي على حقيقته وفي خصوصياته من على هذا المنبر المهم الذي تشكّله quot;الآداب الجميلةquot; في فرنسا.