كلود غييون: quot;أن نقول الحقيقة هي الوسيلة المثلى كي لا يصدقنا أحد!quot;

عبد الله كرمون من باريس: صدر كتاب كلود غييون quot;اثنان وأربعون سببا معقولا لكي تتجنبني النساء!quot; منذ عشر سنوات لدى دار ديجيتال. فمن خلال عنوانه نصطدم بدون سابق تأهب بالأسباب الخفية التي قد تدفع بالنساء لتجنب رجل ما. أي رجل منفّر سيكون هذا الرجل إذن متى جعل النساء تنفض عنه وتمضي في الجهات الأربع بدونه. أم هل ليس الأمر يتعلق إذن سوى بتهكم مر؟ أيْ أن الرجل يحاول أن يكشف عن طابع شرس في علاقاته مع النساء بل فقط خواصه الماجنة وأحاسيسه الشريرة بل طبيعته الحقيقية أيضا جهة النساء في توضيحاته واعترافاته التي ليس يخفيهادون خشية شماتة به ولا جراء شلل في قدراته!
تخيل في البدء أن العملية الجنسية مفعمة بكثير من الكلام إذ لم يحدث له إذ ذاك في مراهقته أن يداعب أية امرأة بعد. غير أنه بعد ذلك أحس بأن له علاقة خاصة بالكلمات, كلمات النساء إليه, تلك التي تنضح بنوع من السحر وبنوع من اضطراب المفهوم الشعري واهتزاز خاص لوظائف اللغة بالنسبة إليه. يقول بأنه يبدو أن كثيرا من النساء لسن ينبسن بأية كلمة إلا عندما ينتهين من شأن quot;الباهquot; إذ يعتقدن لحظتها أنهن قد منحن ما هو مطلوب منهن فينتظرن بشكل طبيعي مقابلا من الحنان وهن يتحدثن كما يقول دون أن ينتبهن إلى ذلك ودون أن يلحظن إن كنا ننصت إليهن أم لا. لقد خلب كلام كثير من النساء لبه دون أن يحصل له ذلك قط بسبب رؤيته لوجوههن. ألم يتسم لاكلو, دو ساد وكريبيون كما أكد على ذلك سوى بلياقة مثلى وأناقة عالية؟
يتساءل كلود إذن عن طرائق الآخرين في ممارستهم للجنس وعلائقهم مع النساء, هو الذي اكتشف في آخر المطاف وبعد أن علمتْ بأنه يحبها, لحظتها فقط اجترحت quot;لُووquot; أمرا هائلا إذ غادرته!
مع ذلك يحس وهو يستشعر رغبته في الاختلاف والانزواء ويختار كل يوم موضوع كراهيته بكثير من الدربة والحنكة: quot;عندما أفرغ من حلق لحيتي, في بعض صباحات,وارتدي ثيابا جديدة أحس بأنني على وفاق مع ذاتي ومع العالمquot;.
quot;آنَاquot; التي أحب مثلا لم تحبه قط, لذلك جعل يفكر بشكل آسن عن أمور الأناقة والنظافة وكيف جعلته الطبيعة غير قادر على مزاعم الجمال مادام ليس يمتلك ملمح وسامة يؤهله لأن يمضي في مسارات الجمال بقدم مقتدرة.
في سن الخامسة والعشرين تبادر إليه أن عليه أن يأخذ على عاتقه مهمة تسجيل الرقم الذي تناهى إليه عدد اللواتي مررن من تحت جناحه. يذكر أنه جاء في أحد كتب لومبروزو أن ثمة امرأة تدعى غوني قد كسا جسدها حتى كاد يغطيه نوع من الجرد الطائل للحروف الأولى لأسماء كل عشاقها وتواريخ مرورهم حول جسدها. ليس يمضي كلود إلى درجة أن ينصح القراء بأن يبقوا أوفياء لقيد مّا ولذكرى من عاقروا معهم فاكهة الجنس فيما سلف. الأمر حسبما سجل ذلك لا يعدو في الغالب أن يكون مدعاة نسيان فادح وهستيريا ضحكٍ كبير! المرأة التي تظهر إذن على quot;سبورة الصيدquot; مثلما سماها كلود أو لامعنى أن ينكح الكاتب سيمونون ألفي امرأة, ما ليس يعني بالتحديد ما ذهبت إليه تصنيفات كلود إذ ليس يسجل أعداد الفروج التي ولج فيها مثل هذا الكاتب بل عدد النساء التي رعى معهن عشب ألفة وود. سيمونون هذا خلاف ذلك يرتاد البورديل (الماخور!) مرة كل يوم. لقد quot;شاءت الأخلاق البورجوازية أن تتواجد نساء ننكحها وأخرى نتزوجهاquot; كتعليل كاذب لسلوك يأس!
أما عن تلقيه للأبعاد الهندسية فليس ذلك يدخل ضمن حسه لتنظيم المكان, يقول أنه يحس بنفس الفوضى العارمة مثل تلك التي يحياها المتاع على الأرضية, كلما أعاد قراءة أحد نصوصه التي عششت فيها نفس الفوضى إذ يحس بنفس إحساسه كلما عبر غرفته.
ليس يرى مع ذلك أن الهاتف تليق به كل الشتائم التي كيلت له ضمن كل الوسائل التقنية التي عرفها التقدم العلمي. فهو يرى أن الهاتف مهم في سيولة أية علاقة حب, إذ الصوت ورنّته يعوضان مرأى الحبيب متى كان بعيدا.
أمر آخر يتجلى في خاصية اللمس, أي جسه لمخاطبيه متى استرسل معهم في حديث, يقول أن ذلك ما يمكن أن يستذكره بحنين بالغ عن سنوات السبعينيات, إذ الناس يلمسون كثيرا بعضهم البعض من كلا الجنسين, ذلك أن من يمر خلفكوأنتم جلوس في مقهى ما لابد أن يضع برهة يديه على كتفيك. يقول كلود غييون أنه قد يتبادر إلينا أن الأمر ليس شيئا غير أن هذا الشيء الضئيل لم يعوض اليوم بشيء!
عبر خط الهاتف زفت له quot;إيناسquot; يوما ما يلي: quot;ستكون حياتي جوفاء بدونك!quot; تلك أحد عيوبه كما كتب إذ أنه معروف بحضور هام, لكن ليس يُشعر به سوى في غيابه, ما يتعوده الجميع بعد ذلك بدون أدنى جهد.
هذا الرجل الذي ينزعج إذن أكثر خلال فصل الحر إذ ليس يرتاح أبدا وهو يرتدي تبان السباحة لذلك فكر في أمر آخر: لو أُريد بي الرمي برصاص لهو أفضل أن يتم ذلك وأنا عار على أن أكون مرتديا ذلك التبان. الفوضوية إذن ليست أبعد على مرمى اليد, يذكر كلود قولة تريد أن يكون كل شاب متطوعا في جبهة الفوضوية وألا يتملص منها, على أن كل من يظل كذلك بعد الأربعين ليس يصدق عليه سوى وسم الغباء. كلود هو ظل بل استبدت به الفوضوية بعد الأربعين أكثر مما تمكنت من قلبه في شبابه الأول!
جميل إذن أن يتحدث كلود عن مسألة النسل, هي بحق أمر مهم إتيان ذكره في هذا الصدد. يختلف مع صويحباته حول ضرورة إضافة ولادات إلى هذا العالم. ليس يرى أن تنطلي عليه تلك النكتة الشريرة؛ استمرار النسب. قام وقطع الحبل الذي يجعله مخصبا لبيض ما. لم يندم قط وقد أدرك كون استعادة الأمر ليس لها من سبيل. quot;أي ابن, يقول, يستحق إذن أبا مثليquot;؟!
خلاف ذلك يذكر مقطوعة براسنس كلما زفت له صاحبة له بشرى ولادة: quot;وقد رضعت أمهاتهن كثيرا قبلهم, ليغفر لي الرب الكريم ذلك, لقد كنت ولهانا! فليغفره لي أو لا ما هُمَّ إذن...quot;
لكنه ليس يتخلى قط أن يتملى نساء باريس, في الشارع, عندما يقود سيارته, في الباص أو الميترو وقد يحدث له مثلما اعترف بذلك أن يتخلف عن مشاهدة فيلم كي يظل جالسا في واجهة مقهى يتأمل تلك النساء نفسها.
لم ينس الكاتب أن يوبخ قوات القمع البوليسي الفرنسي يوم ضربوه كوحوش, هي سمة كل بوليس العالم, إذ تظاهر من أجل ومع الذين يطالبون وقتها بتسوية وضعيتهم القانونية بفرنسا.
مقاطع كلود غييون تأملات جميلة بحق تكبر بكثير ما ينشر اليوم, لذلك عاودنا القول عنها اليوم على جمالها وذكائها, على أن غييون قد كتب عن رايش وعن الثورة الفرنسية كما كتب دراسة جيدة ورائعة عن فهم فرويد. قال في مختتم كتابه: quot;أن نحب هو خطر يحلو لي أن أشارك فيه الآخرين, هذا كل ما هنالكquot;!
[email protected]