هل إستفاد العرب من هذه التقنية
أي علاقة بين غوغل والمثقف العربي؟

زويريق فؤاد من هولندا: سجلت السنوات الأخيرة ظهور مجموعة من المشاريع تعدت ما كان متوقعًا، تهم مجال البحث في شبكة الإنترنت، ولقد حملهذا بعضهم على التشكيك في جدواها ونجاحها. وعلى الرغم من الصعوبات الجمة، رسخت لها في الأخير موطئ قدم على الشبكة، أحالها إلى علم جديد قائم بذاته، خصوصًا بعد ظهور محركات ضخمة، قائمة على معادلات وخوارزميات معقدة، تستلزم الدراسة الدقيقة والبحث العلمي لمعرفة كيفية عملها.

الظهور المفاجئ لهذه المحركات والتي أصبحت عبارة عن مؤسسات كبرى أربكت السوق التجارية العالمية، لم يظهر اعتباطيًا، بل فرضه تضخم المعلومات على الشبكة، وألزمه التطور التقني الذي يعرفه المجال المعلوماتي. مما جعل التمكن من أساسيات البحث، ضرورة لا بد منها للحصول وبشكل دقيق على المعلومة المراد معرفتها. ففهم أدوات البحث الأولية وكيفية التنقيب باستعمال الكلمات المفتاحية أو الدليلية (Keywords) تسهل عملية البحث وتوفر مجالاً واسعًا للتأثير الإيجابي على الباحث، على الرغم ممّا تعانيه جل محركات البحث العالمية تقريبًا، من صعوبة في تحقيق ما يتوخاه المستخدم منها، لعدم توفر الأدوات الخاصة أو ضعفها لجلب كل الكلمات المتشابهة.

هل استفاد العرب من هذه التقنية؟

ما زلنا نحن العرب نعاني من كساد الثقافة المعلوماتية بشكل عام، وما زال بعضهم ينظر إليها على أنها مارد غربي لا بد من تجنبه، وهذا المنطق نجده للأسف عند شريحة كبيرة من المثقفين، الشيء الذي ينعكس سلبًا على البيئة المعاصرة للمعرفة، والتي تجاوزت الأدوات التقليدية من حفظ وما شابه، لتعتمد بالأساس على البحث كمنهج تربوي يؤسس لقاعدة معرفية قوية. ويمكن أن نستنتج في ضوء ذلك، أن الفجوة المعلوماتية ما زالت متسعة بين العرب والغرب، مما يجعل الاستفادة من كل التقنيات المتاحة ضربًا من الخيال.

إذ بعض منا للأسف الشديد، لم يتعرف بعد على محركات البحث وخدماتها، بل يجهل وظيفتها ونفعها، وهذا يضيق دائرة المعرفة والاستفادة من الشبكة العنكبوتية، ويخنق الباحثين الأكاديميين، ويحصرهم في مناهج البحث الكلاسيكية، على الرغم من أن هناك حلولاً بسيطة في المتناول، تساعدهم على ربح الوقت وتخطي حاجز الزمان والمكان للوصول إلى المعلومات المتوخاة. ولمحاربة هذه quot;الأميةquot; لا بد من مسايرة الركب والخروج من القمقم التقليدي، لنتعرف أكثر على التقنيات والآليات الجديدة في مجال البحث، وبالتالي نؤهل سلوكياتنا البحثية في إطار مجتمع معرفي جديد، يعتمد على المحتوى المعلوماتي والرقمي كمصدر من مصادر المعلومات. ومن هذه الآليات محركات البحث العالمية، التي تساعد على فهرسة وتبويب الثروة المعلوماتية الضخمة على الشبكة.

محرك البحث العالمي غوغل نموذجًا

لا شك أن ظهور محرك البحث العالمي غوغل، أحدث نقلة نوعية في مجال البحث على الإنترنت، وخير دليل على ذلك سيطرته على أكثر من 60% من سوق البحث، وتقديم خدماته بأكثر من مئة لغة.

بدأ غوغل على شكل مشروع لرسالة الدكتوراه، في جامعة ستانفورد من طرف الطالبين (سيرجي برين) و(لاري بيدج)، قبل أن ينتقل إلى أكبر مؤسسة عالمية لمعالجة طلبات البحث على الإنترنت. يعتمد المحرك على تقنيات رياضية معقدة للخروج بنتيجة دقيقة ومركزة. كما أنه يتميز ببساطة موقعه وسهولة التعامل معه، آخذًا بالإعتبار كل أنواع المستخدمين.

ومما لاريب فيه أن أهمية هذا المحرك تكمن في قدرته على الابتكار، ومواكبة التطورات التقنية والتكنولوجية، ولعل هذا هو الذي وحد الصفوف حوله، تلك الصفوف التي تستفيد من خدماته بصفته منبعًا مهمًا للمعلومات. إلا أن تزايد المستعملين لهذا المحرك في عالمنا العربي، أنبأ بظهور ظواهر سلبية، وإيجابية - حسب نية المستعمل- وهذا يؤثر في سلوكياتنا باعتبارنا مستعملين لهذه التقنية العالمية. هذه التي قد تساعدنا على ارتياد حقول المعرفة المختلفة، أو تدفع بنا للغوص في ممارسات شاذة، تبعدنا عن الهدف الحقيقي والأسمى لمثل هذه المشاريع العلمية.

علاقة غوغل بالمثقف العربي

من بين الفئات التي عكفت على استعمال هذا الفانوس المعلوماتي السحري، الفئة المثقفة المبدعة، التي وفر لها أرضية جديدة للدخول في متاهات النت والتعرف إلى الكم الهائل من الإبداعات العربية والعالمية في مجالات عدة. فتشخيص الحالة العامة التي يعيشها النشر الرقمي بكل ما فيه من إيجابيات، يجعلنا نقف على الإشكالية السلبية، التي نفرت الكثيرين من هذه الثورة الجديدة، وهذه حقيقة لا بد من ذكرها، فالإشكالية هنا والتي تؤرق الكثير من المبدعين، تكمن في سرقة الأعمال الأدبية أو اجتثاث اسم صاحب النص من عمله الإبداعي نهائيًا، مما ساعد على ظهور مافيات الإبداع، الشيء الذي فرض منهجًا تبناه كل المبدعين تقريبًا، وهو التحليل الدقيق لكل النتائج المحصل عليها من البحث، لمعرفة كل التفاصيل عن النص وصاحبه، وهذا من أجل الوصول إلى الحقيقة في إطارها الأصلي لا المزيف، مما يجعلنا نثمن الدور الرئيسي الذي يلعبه غوغل في مثل هذه الحالات.

غياب ثقافة التعامل مع الشبكة سبب من أسباب تردي المستوى الثقافي للكثيرين، حيث يتناولون كل ما يحصلون عليه من معلومات دون تمحيص وتدقيق، مما ينعكس سلبًا على القارئ. فمحركات البحث ليست وسيلة للحصول على المعلومات وفهرستها فحسب، بل هي في الوقت نفسه وسيلة فعالة لبناء تقييم صحيح للنتائج المستنبطة من عملية البحث، التي هي مضمون ومحتوى قبل كل شيء، تعتمد وسائل تقنية كفيلة بتقديم كل ما تبحث عنه، إذا ما تم التعامل معها بذكاء.

ويعتبر غوغل - باعتباره المحرك الأكثر شعبية واستعمالا- جسر التواصل بامتياز بين المثقف والمحتوى الإبداعي في الشبكة، مما أعطى مؤشرات إيجابية على حدوث تطور مهم في المسيرة الثقافية، يدعونا الى التفاؤل بوضع أكثر تطورًا في المستقبل القريب. كما ساهم المحرك في بناء علاقات افتراضية بين المثقفين، إذ يكفي أن تدخل اسم كاتب ما في المحرك، ليجلب لك كل المعلومات المتوفرة عنه، أوتقوم بكتابة عنوان كتاب ما لتتعرف إلى صاحبه، وهكذا دواليك، مما ساعد على توسيع نطاق المعرفة والتواصل الثقافي، ورسخ ثقافة البحث في سلوكنا اليومي.

كما يبذل الكثير من المثقفين والمؤسسات الثقافية جهودًا دؤوبة في سبيل تعزيز المحتوى الثقافي في الإنترنت، سواء عبر المواقع الإلكترونية أم الصفحات التعريفية... وأرشفته بطريقة منظمة يسهل الوصول إليه من طرف الباحث. وفي هذا السياق ظهرت كتب ومقالات خاصة بهذا المجال، ساهمت في توسيع رقعة المعرفة، وشرحت كيفية التعاطي والاستفادة من محركات البحث، الشيء الذي سوف يؤدي إلى نجاح التطبيق الميداني، كما سيترك آثارًا إيجابية، من بينها تحويل المنهج المعرفي الكلاسيكي، إلى منهج أكثر تطورًا وتكيفًا مع الوقت الراهن.

وعلى الرغم من الدور الذي تلعبه ثلة من المثقفين العرب في ترسيخ ثقافة البحث والتنقيب عن المعلومات بحكم وعيهم، ومعرفتهم بالتكنولوجية الحديثة. فإن هذا المجال ما زال يعاني من الارتجال والاستسهال في التعامل مع محركات البحث، بخلاف مستخدمي الدول المتقدمة الذين يعتمدون على دراسة معمقة في هذا الميدان من خلال كتب خاصة، ومن خلال اتباع دورات تكوينية تؤهلهم للغوص في أعماق وخبايا الإنترنت، وجلب ما يريدونه في أسرع وقت ممكن وبدقة متناهية، ناهيك عن الاستفادة من أدوات أخرى لا يعرفها إلا بعضهم تتضمنها المحركات، كجلب ملفات مخزنة بطريقة احترافية أو كالإطلاع على نصوص مخزنة على شكل ملفات وورد (DOC.) أو صيغة الوثيقة المحمولة (PDF.) - يصعب الوصول إليها إلا باستعمال كلمات مفتاحية خاصة ndash; إضافة إلى الكثير من الأشياء التي لا نتعرف إليها سوى بالإطلاع والدراسة.