بقلم د. محمد حسين حبيب

حين دخلت على صديقي في الشات واذا به يعبر لي عن فرحته العميقة لانه في ذات اللحظة كان يحاور وعبر الشات ايضا اصدقاءا له واعزاء موزعين عبر قارات ودول هذا الكون المترامي الاطراف.. فلقد اخبرني وهو لما يزل في فرحة غامرة انه يحاور الآن اصدقاء من: موسكو و المغرب و سدني و القاهرة و برلين و من العراق ايضا لحظة دخولي انا عليه.
احسست بسعادته تلك عبر الاثير العنكبوتي للشبكة، لم يكن على عادته مطلقا.. كان فرحا جدا لدرجة ان سعادته بأصدقائه الرقميين تسللت الي عبر ازرار الكيبورت واشكال حروفه التي امتلأت بالاخطاء الطباعية والتي تصلني مرتبكة عبر لائحة الماسنجر وعلى غير طبيعتها المعتادة.. يبدو ان سعادة صديقي كانت مميزة في تلك اللحظات.. وفجأة.. ولاادري كيف؟..
تبادر الى ذهني تساؤل.. وددت به المشاكسة اولا.. لكن التساؤل تحول الى الحوارية التالية ما بين (الاول) الذي هو انا و (الثاني) صديقي نفسه.. واليكم نص الحوارية:

الاول: تخيل ياصديقي انك في لحظة ما خارجة عن ارادتك تخسر فيها كل هذه الصداقاتالرقمية؟
الثاتي: ماذا تعني؟ وضح ارجوك؟
الاول: ممكن اسالك؟
الثاني: تفضل ممكن جدا.
الاول: ما الذي سيحدث لو توقفت الانترنت فجأة وماتت؟
الثاني: افتراض مهم وقائم ويستحق النقاش بالفعل..
الاول: اعتقد انها ضغطة زر ليس الا.. المسألة لا تتعدى اكثر من ذلك عند من يمتلك هذا الزرالكوني.. نقرة ماوس وينتهي كل شيء..
الثاني: بحسب معلوماتي المتواضعة أن مثل هذا الزر غير موجود لأن الشبكة لا ترتبط بمركزبعينه.. بل بمراكز متعددة، وبالتالي يمكن أن يتوقف جزء من الشبكة عن العمل.
الاول: معلوماتي عكس ذلك.. ومع هذا اقول.. ماذا لو اتفق اصحاب هذه المراكز على النهاية؟ . فرضية محتملة طبعا.. ما الذي سيحدث؟؟
الثاني: انه افتراض خطير بالفعل..(لحظات صمت..)أعتقد أن تاثير افتراضك هذا ياصديقي لن يقل خطورة عن تأثير قنبلة نووية ضخمة..
الاول: معقول جدا.. (يضحك)
الثاني: (بحماس) نهاية الانترنت او موتها من شأنه ان يشكل وبجدارة خطوة عملاقة الىالخلف.. هذه الخطوة من شأنها ايضا تدمير العالم.. تدمير كل علاقاتنا الرقمية ونظام حياتنا.. لأن الحياة لم تعد الآن كما كانت قبل ظهورالانترنت.. (صمت طويل..) أعتقد أن موضوعاً كهذا يليق به أن يطرح من خلال اتحاد كتاب الانترنت العرب..

الاول: قبل ايام اعلن عن توقف خدمة الانترنت في دولة الكويت، نتيجة خلل في منظومتها الداعمة في المملكة العربية السعودية.. الخبر تناولته الفضائيات ببرودة اعصاب.
الثاني: وانا عصابي الان متوترة بسببك ياصديقي.. ههههههههه..
الاول: ههههههههه.. لا عليك ياصديقي.. لكن تعرف انا جربت مرة وقبل مدة اثناء فترة الامتحانات النهائية لاولادي ومن اجل ان لا ينشغلوا بالانترنت او يؤخر دراستهم..جربت وألغيت اشتراكي البيتي بخدمة الانترنت لشهر واحد فقط..
الثاتي: معقولة؟؟
الاول: لكن الذي حصل انني اتردد يوميا الى مقهى الانترنت القريب في حينا خلسة من اولادي.واكتشفت بعد مدة انهم ايضا يترددون خلسة مثلي.. وعندما كاشفتهم الامر اخبروني انهم يشعرون بنقص ما في تسلسل يومهم واعمالهم.. الشعور نفسه الذي انتابني وبشكل يومي حيث لا استقرار الا بالجلوس ولو للحظات سريعة امام شاشة الانترنت استطلع خلالها ايميلي الخاص بي، مرورا بأهم المواقع المفضلة ومعرفة اخر الاحداث الكونية وما الى
ذلك...
الثاني: هذه مشكلة فعلا.. لا اتخيل نفسي او عملي دون الانترنت.. لكن ماذا عن اصحابالمصالح والاعمال ممن يتكسبون من الاعلانات والبيع والشراء على الشبكة؟ فضلاعن خدمات البحث..من المؤكد ان لهم دورا هاما في اللعبة..؟؟
الاول: الانترنت اصبحت ملح زادنا اليومي الذي يقوينا ويغذينا.. اقول ملح زادنا.. لان الزاد قد يتوفر.. لكن هل يمكن تذوق الزاد دون الملح.. تذكرت حكاية المملكة التي اختفى فيهاملح الطعام واحتار الناس. عندها اعلن الملك جائزة ثمينة لمن يجلب له صما من الملح.
الثاتي: وانت ذكرتني يا صديقي بفلم سينمائي تجاري لكن فكرته جميلة.. حدوث فيضان ضخميبتلع الارض واليابسة ويصبح الطمي / الكمي اغلى من الذهب والمياه العذبة اثمن شيءفي الوجود... (صمت طويل)ياااااااااااااااه.. فكرتك او فرضيتك مخيفة ياصديقي.. موت الانترنت.. انها كارثة..حزني سيكون كبيرا جدا.. وحزني اكبر على اصحاب ومؤسسي المواقع الالكترونية..لانهم سيضطرون الى مراسلة الالاف او الملايين عبر البريد الورقي البري والجويوالبحري كسالفي عصورهم.. وسيضطرون ايضا الى لملمة ما لديهم من قواعد وبياناتباحثين لهم عمن ينشرها لهم في مجلد او مجلدات ضخمة عجز عنها اجدادنا برغم ما تركوا لنا من مجلدات ndash; يقال انها ndash; ضخمة من حيث السمك وعدد الاوراق التي تحويها
الاول: هذا قلقنا الدائم ndash; كما يبدو ndash; وتوجسنا من ان نفقد ممتلكاتنا الثمينة..مواقعنا الالكترونية الشخصية جزء من هذه الممتلكات الثمينة.. كذلك بريدنا الالكتروني.. قرات مرة خبرا مفاده: ان ورثة طالبوا صاحب موقع الياهو بباسورد ايميل والدهمالمتوفي للتعرف على اتصالاته ورسائله التجارية.. فرفض الياهو ذلك من مبدأ ان هذهحقوق مؤمّنة خاصة باصحابها حتى بعد مماتهم..هذا يعني ان جميع باسورداتنا يمتلكها السيد الياهو وبامكانه التحكم والسيطرة والالغاء
الثاني: هذه نقطة هامة، ولن تتضح آثارها الا مستقبلا..
الاول: اعتقد قريبا..
الثاني: وهذا سينسحب على كل ما هو مجاني من مواقع شخصية ومدونات و بريد الكترونيفأنا أحيانا أشعر بأن جوجل مثلا و هي تبتلع المواقع المركزية الكبرى مثل يوتيوب وماي سبيس..لقد بدأت ميكروسوفت بالفعل في هذا الحصار، حيث لايمكن لمستخدم نظام ويندوز مقرصن أن يحدثه أو يفيد من خدماتها وبرمجياتها الجديدة.. انها السيطرة في بدايتها والقادم فيه الكثير من المفاجآت..
الاول: هذه كارثة مخففة.. التحكم شيء و الموت شيء اخر تماما..وهناك طبعا الكثير الكثيرمن التوقعات الكارثية التي ستقع اذا ما تحققت هذه الفرضية ولو لزمن قصير حتى..فكيف اذا كان مثل هذا الموت النهائي والى الابد..؟؟
الثاني: لم هذه السوداوية ياصديقي والتي هي على العكس مما نقرأ ونتابع عن تطور شبكةالمعلوماتية و الانفجار المعرفي و عصر التداول العلمي و العصر الرقمي و الثقافةالرقمية ومستقبلها المهيمن علينا من الآن و غير ذلك الكثير من هذه الاضواء البراقة التي جاءت لخدمة الانسان والانسانية..
الاول: انا معك في كل هذا وغيره.. لكني وددت مشاكستك اولا.. وتفويت الفرصة عليك في اكتمال فرحتك العارمة تلك التي بدأت مع هذه الحوارية.. الفرضية.. فرضية الموت.. ارى ان السعادة يا صديقي تحتمل الكثير من الفرضيات.. لكن للموت دائما فرضيةواحدة..قد تختلف اثار الموت من هنا او هناك على الناس و بحسب فرضيات الزمان والمكانلكني اعتقد بل أؤمن ان أثر موت الانترنت سيكون واحدا على الجميع وبرغم اختلاف امكنتهم وازمنتهم في هذا الكون برمته.
الثاني: يااااااه.. الموضوع كبير و شيق.. وفيه يمكن التفلسف حتى.. لان الكثير من النظرياتالفلسفية بدات بالفرض.. ومن الافتراضات المختلفة نشات الفلسفات المتنوعة والمختلفةمع غيرها طبعا.. عموما.. يسعدني ان اتابع فرضيتك المخيفة هذه.. تحسبا لنتائجها..
الاول: انا اتفق معك.. وسعيد جدا بتحسباتك المستقبلية.. ولا اخفيك صديقي ان الفكرة اتعبتني الآن.. مجرد التفكير بالموضوع اتعبني الان كثيرا.. فكيف حين وقوعه؟؟
الثاني: هههههههههاااااااااي.. (ضحكة طويلة)
الاول: (صمت و تعجب و استغراب..)؟؟؟
الثاني: لكن فرضيتك ممتازة ياصديقي، وتستحق ان تكون موضوعا لمقال.. ما رأيك؟
الاول: لا باس.. سافكر بالامر..
الثاني: ضروري.
الاول: قلت سافكر.. اتركك لعملك.. او لفرحك عذرا..
الثاني: اشكرك.. والى اللقاء.
الاول: تحياتي لجميع اصدقائك الرقميين اولئك..
الثاني: بانتظار فرضيتك للحياة لا للموت..
الاول: ساحاول التفكير في ذلك ايضا.. لكن بعد ان ننتهي من: الموت. سلام.
الثاني: حياة / سلام.
www.mhhabeeb.com

هامش:
اهدي هذه الحوارية الى:
-صديقي الرقمي سباعي السيد.. الذي كان فعلا معي في حوارية حقيقية نتجت عنها هذه المقالة..
- جميع اصدقائي الرقميين في اتحاد كتاب الانترنت العرب.. وفي عموم الفضاء الشبكي الافتراضي.