للكتابة والقراءة قيمة وشأن في الدين الإسلامي، ولذا ينطلق الخط العربي من الرغبة في منح كلمات الله شكلها الأجمل قدر المستطاع. لقد تطور فن الخط والزخرفة والعمارة ليكون فن الخط أحد أهم أشكال الفنون في ثقافةٍ لم تتخذ من فن الرسم والتشكيل أسلوباً للتعبير إلا متأخراً وبتحفظ أيضاً. كان لمكانة الخط الخاصة في الإسلام الأثر الكبير في جعل كل حرف على حدة مقياساً لدلالات مكثفة، ليس في المعنى الظاهر فقط ولكن أيضاً للمعنى الباطن لها. للحروف بركة إذ يمثل كل حرف في اللغة تسبيحاً لله، كما يرى الخطاطون في عملهم هذا تقرباً خاصاً من كل ما هو إلهي.
من مقتنيات المعرض، لوحة للخطاط العراقي محمد سعيد الصكار الملصق الخاص بالمعرض في أروقة quot; الجوهرة السوداء quot;
في تلك السطور يفتتح دليل المعرض صفحاته، دليل أنيق جاء بثلاث لغات عالمية هي العربية والإنجليزية والدنماركية ليشكل مصدراً مهماً للتعريف بالفنانين وأعمالهم المشاركة في المعرض الذي أقيم مؤخراً بالعاصمة الدنماركية كوبنهاجن على إحدى قاعات quot; الجوهرة السوداء quot; المكتبة الملكية الدنماركية، احتفاء بفن الخط العربي تحت شعار quot; صور الكلمة quot; بالتعاون مع دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، دولة الإمارات العربية المتحدة.
أربعة وعشرون فناناً يعدون من أهم فناني الخط العربي والزخرفة الإسلامية ينتمون إلى ثماني دول، شاركوا باثنين وستين عملاً عدت من أهم الأعمال الفنية التي تمثل بالفعل صوراً للكلمة كما جاء في شعار المعرض،
كان على رأسهم شيخ الخطاطين الفنان والشاعر محمد سعيد الصكار الذي شارك كضيف شرف، حيث عرضت أعماله إلى جانب المقتنيات والنفائس الخاصة بالعرض كما اعتمدت إحدى مخطوطاته لتكون الملصق الخاص بالمعرض، ومعروف عن الفنان الصكار أنه من الخطاطين الرواد الذي دخلت خطوطه عالم الكومبيوتر والتي يستخدمها أغلب مصممي الخط العربي منذ سنوات. وقد ضم المعرض إضافة إلى أعمال الفنانين، مجموعة ضخمة من الأعمال الفنية التاريخية الخاصة بالشرق الأوسط والتي يعود تاريخ أغلبها إلى فترة الحكم العثماني، كان من ضمنها لوحة جاءت حروفها بخط الثلث منقوشة على المرمر، وطبق من الفخار منقوش بكلمات كتبت بالخط الكوفي يعود للقرن العاشر الميلادي.
ثمان دول مشاركة هي العراق الذي كانت له حصة الأسد حيث شارك بتسعة فنانين شاركوا بما يزيد عن سبعة وثلاثين عمل، ثم دولة الإمارات العربية التي شاركت بثمانية أعمال لأربعة فنانين كان من ضمنهم ثلاث فنانات جاءت أعمالهن بمسحة فنية امتازت بالدقة والإصرار على إيجاد هارموني مؤثر بين اللون والحرف يحتضنها فضاء من الزخرفة الإسلامية رائعة التكوين، وقد أظهرت اللوحات الثلاث للفنانة آمنة يوسف زخرفة جميلة ودقيقة، اعتمدت جميعها جمالية الخط الديواني وزخرفة أنيقة تعكس الفن الإسلامي بجمالية خاصة. أما الفنان الإماراتي الوحيد المشارك، محمد عيسى خلفان فقد شارك بعملين احتويا أبيات من الشعر للشاعر سلطان بن علي العويس، نفذهما الفنان بخط الثلث، جاءت إحداها على شكل خارطة دولة الإمارات العربية.
وكان لدولتي مصر وسورية مشاركة بثلاثة فنانين لكل منهما، جاءت مشاركة مصر بسبع لوحات كانت لأعمال الفنان محسن الفضل الذي شارك بثلاثة أعمال وقع خاص لدى المشاهدين من حيث طريقة التنفيذ التي أظهرت مهارة فنية خاصة في مزج الألوان وتقنياتها. وكذا جاءت أعمال الفنان السوري شكري السويدان الذي شارك بثلاث لوحات كانت من ضمن الأعمال الثمانية التي شاركت بها بلاده، وأظهرت إحدى لوحات الفنان سويدان قدرة فنية ملفتة للنظر حيث شكل من الحروف والكلمات لوحة تمثلت بهيئة حصان عربي مكتوب أو مرسوم بأبيات شعرية، جاءت بنسب دقيقة أظهرت رشاقة التكوين.
حظي المعرض باهتمام الجمهور طيلة فترة افتتاحه، وكان للشاشة المصاحبة للمعرض وهي تعرض بشكل دوري الفيلم التسجيلي quot; شاعر القصبة quot; للمخرج العراقي محمد التوفيق الذي يتحدث عن تجربة الفنان والشاعر، الخطاط محمد سعيد الصكار التي تمتد إلى أكثر من خمسين عاماً، وكذلك بعض الخطوات التعليمية لدراسة تقنيات الخط العربي، أثرها الجميل والمدهش في نفوس الزوار معتمدين على الترجمة الصوتية باللغتين الإنجليزية والدنماركية. وكان لطلبة مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة كوبنهاجن وجمهور الفن الدنماركي العريض حضوراً دؤوباً واضحاً على زيارة المعرض ونهل المتعة عن طريق تأمل روائع الخط العربي.
جاءت مشاركة المملكة المغربية بأعمال فنان واحد كما هي مشاركة جمهورية السودان من خلال الفنان تاج السر حسن، وجمهورية البنغال بعملين للفنان عبد الرحمن مولوي. وأظهرت أعمال الفنان المغربي حكيم الغزالي الذي شارك بعملين ينتميان إلى أسلوب quot; الديكورتيف quot; في الفن التشكيلي، احتوت الأولى على عبارة البسملة والثانية على عبارة quot; هو أهل التقوى quot; رسمت الأولى بخط الثلث والثانية بالخط الكوفي. أما اليابان فقد شاركت بأربعة أعمال، اثنان للفنان نوريكو ومثلهما للفنانة رابعة أمجد.
المشاركة العراقية كانت تضم سبع وثلاثين عملاً فنياً تنوع بين توليفة الحرف مع جمالية فن الزخرفة الإسلامية كما في أعمال الفنانين محمد نوري وعلي ندا الدوري وعدنان الشريفي والفنان مصعب شامل، وبين أسلوب quot; الديكورتيف quot; كما في أعمال الفنان منذر الدليمي والفنان وسام شوكت متي الذي شارك بثلاثة أعمال تظهر جماليات الخط الكوفي الرشيق. أما مشاركة الفنان العراقي د. صلاح شيرزاد الذي شارك بسبعة أعمال، كانت له أربع لوحات خطت بالحروف واللغة الفارسية، صوَّرت أبيات من قصائد شعرية تطوقها الزخارف الفارسية الدقيقة المنمنمة التي تعود بالمشاهد إلى منمنمات الشاهنامة التي نفذت زمن الشاه طهماسب.
مما لا شك فيه فإن فن الخط العربي والزخرفة الإسلامية يشكلان الوجهان الحقيقيان لنشر جماليات وعمق الفن الإسلامي الذي ما انفك يمثل منبع الاستلهام والتأمل ومثار خصب للدهشة في عالم الثقافة والفنون قديماً وحديثاً، ومما لا شك فيه أيضاً أن مثل تلك المعارض يكون من شأنها إضافة فنانين جدد من خارج بلدان الشرق الأوسط إلى هذا المجال المدهش والجميل من مجالات الفن. فلقد منحت الأعمال المشاركة مشاهديها كماً من البهجة والتأمل، حيث تضمنت على أشكال مأخوذة من الطبيعة وجمالها كتكوينات النباتات والزهور والفواكه والحيوانات، وأعمال أخرى أظهرت تكوينات تشكيلية تمنح الزائر فرصة للتأمل والإبحار من خلال تقنيات اللون وإخراج شكل الحرف عن صورته ومفهومه التقليديين وصلت في بعضها إلى مراحل تجريدية متقنة الحرفة والمعنى.
quot; الجوهرة السوداء quot; المكتبة الملكية في كوبنهاجن
التعليقات