زهير كاظم عبود: بتاريخ 24 أغسطس نشر الكاتب الأستاذ سمير السعيدي مقالا في إيلاف / ثقافة مقالا بعنوان ((الديوانيّة والشاعر كزار وزهير كاظم عبّود!)).
وأكد الكاتب بأنني شتمت المدينة التي كان يصفها لأبنه الذي لم يشاهدها حيث يقول: ((لكنّ ابني الذي وُلد خارج العراق، وهو الان تجاوز الثامنة عشر من العمر، ولم ير مدينة أبيه حتى اليوم، هو من قرأ المقالة، ثم من بعدها ناداني قائلاً: (تعال اقرأ عن مدينتك الديوانية التي ثبرتنا بها).
وبالوقت الذي أعتذر من أبن الكاتب الذي رسخت معالمها الوصفية من خلال والده، اتمنى إن يقبل اعتذاري وأن الوصف الذي أورده والده صحيح فيما يخص حياته، وكل ما يقوله له لاعلاقة له بوصفي وحياتي، فأنا عشت في أحياء الفقراء ولم نجد متنزهات نتجول فيها ولاحدائق في بيوتنا، ومدارسنا تخلو من شجرة ورد واحدة، ومحلاتنا قاحلة، وطرقنا غير معبدة، وكنا نقضي العطلة الصيفية الجميلة ونحن ننقل الاسمنت الذي يشقق أيادينا الصغيرة والطابوق الذي يهد حيلنا، ولم يكن لنا من متنفس سوى نهر الديوانية.
حقا إن حياتنا المختلفة هي السبب في هذا الأختلاف، فأنا ابن المدينة الفقيرة، وعشت بين محلاتها التي تعج بالمعدمين، ولم يكن لنا مسابح ولا منتديات نلجأ اليها، ولم تكن في شوارع مدينتنا حتى اشجارالنخيل حيث كنا نتنسم روائح الدفلى التي تتحدى لهيب الصيف، وكنا ننتقل من عمل الى عمل مع دراستنا في مدارس امتلأت بابناء الفقراء، فتقسم دوامها الى نصفين، وعذري أنني لم اشاهد تلك المنتجعات والأماكن السياحية التي كانت في المدينة، بسبب وضعنا المادي العائلي ، ولهذا حين كبرت كنت مصمما إن أشرح لأولادي تلك الحياة على حقيقتها، وامر معهم على تلك الأماكن المغروسة في عمري، لم أدخل الوهم والخيال في وصفي لمدينتي، وأؤكد للكاتب السيد سمير السعيدي إن الديوانية مغروسة في تلافيف الروح بملوحتها وأيامها وقحطها، ولم ازل ومعي جمع خير من ابناء المدينة نستكمل مشروعنا الجميل، المليء بالوفاء للمدينة في استكمال كتابي (من ذاكرة مدينة)، تلك هي مدينتي التي كنت اسكنها في محلة الجديدة الفقيرة والرائعة، يجاورني (العبدو) و (خنياب) وشط الديوانية الذي كنا نتماوج فيه كالسمك ملوثين بطينه ونلوذ بقصبه.
حقا أن الاعتذار واجب للجميل أبن الكاتب سمير حيث انني لاأصف له الحياة التي عاشها السيد والده ، فنحن من عوالم مختلفة تماما، ولهذا فان الأوصاف التي قدمها السيد سمير لولده مطابقة لواقعه وليس لواقعي، ولهذا اختلفنا في تلك المواصفات لأولادنا، حيث تعودت إن انقل كل الحقيقة لأولادي وتحدثت لهم عن كل الأعمال التي عملت بها في حياتي، ومع هذا أحب اولادي الديوانية وأهلها، لكن محبتي لها ولأهلها لن يغيره الوصف الحقيقي لمدينة تعمدت السلطات أهمالها وتهميشها، ولست معنيا بالتزويق ولاقدرة لي على تغيير الحقائق، فنحن جيل أكتوينا بفقدان أشياء عديدة من حياتنا، لكننا لم نفقد انسانيتنا، ولهذا تجد إن تلك الحميمية والوشائج العميقة لم تزل بيننا، نحن ابناء الضفة الأخرى، وأعذر السيد سمير السعيدي حين يتحدث عن ضفته التي لم ارها ولن استطيع تخيلها.
كنا نعيش في محلة الجديدة التي تعج بالحمير والعربات والجمال المحملة بالطعام، وكانت ساحة ملاعبنا (ساحة الكرفت)، فكيف يمكن لي أن اصف المرسيدس والجنائن التي تفوح منها العطور وغروب الشمس بين البساتين؟ من اين أستمد لغة الوصف الجميلة تلك التي يملكها السيد سمير السعيدي.
عتبي على السيد سمير حين يريد إن يدافع عن المدينة ويتهمني بشتمها دون سند، واقصد مدينتي وجزء من روحي وليست مدينته التي يصفها لأبنه، ولو كان السيد سمير يتابع الكتابة عن الديوانية لقرأ لي عن أهل الشط وعن الأوراق التي قدمناها عن شخصية الدكتور شناوة وعن البو جعفر وعن البو شنين وعن عبد الاله عبد الشهيد، ولو انتظر قليلا لقرأ عن مقهى صنكر وعن مقهى اللواء وعن وعن.
لم تكن مقالتي عن كزار مقالة نقدية أو دراسة تحليلية بقدر ما أردت إن اعبر عن مشاعري أن كان لي هذا الحق؟
دائما الحقيقة لاتلغي المضمون، فقد عاش كزار حنتوش في الجانب المعدم من المدينة، ولابأس من أن اقول أن المدينة تفتخر بناسها وبتاريخها، وبالرغم من كل الخراب الذي حل بالمدينة لم تزل تعطي، واذا كنت قد تسببت في اساءة من خلال تلك المقالة التي سبقتها مقالة نشرتها في العام 2000 بجريدة الزمان اللندنية عن كزار حنتوش واسكافي عفك، ارجو من ابن الكاتب إن يعتمد على وصف والده لأن الديوانية شكلين ونصفين دائما.