ندوة بالمركز الأمريكي بالإسكندرية:
ضباط أمريكيون في جيش الخديوي إسماعيل
محمد الحمامصي: لتحدث الأستاذ عبد الوهاب شاكر، القائم علي مشروع ذاكرة مصر التاريخية بمكتبة الإسكندرية، في ندوة عقد أول من أمس بالمركز الأمريكي عنquot; الضباط الأمريكيون في جيش الخديوي إسماعيلquot;، وأدارها الدكتور خالد عزب، مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية، والسيد جاستين سبيرل، مدير المركز الأمريكي بالإسكندرية.
قام الأستاذ عبد الوهاب خلال الندوة بالكشف عن أسرار تاريخية ربما لم يزال عنها غبار الزمن وظلت مجهولة لفترة طويلة، حيث أوضح أن عدد من خدم من الضباط الأمريكيين في مصر قد بلغ 55 ضابطا خلال الفترة (1869-1882) ومع ذلك فلم يخدم في الجيش المصري في وقت واحد أكثر من ثلاثين ضابط ا أمريكيا.
في عام 1868 دخل إسماعيل باشا في سباق مع الزمن لبناء قوة مصر العسكرية لكي يستطيع تحقيق الاستقلال عن الدولة العثمانية وإنشاء إمبراطورية مصرية في القارة الإفريقية وبالرغم من النفوذ الفرنسي الذي كان غالبا منذ عهد محمد على إلا أنه قرر استخدام ضباط أمريكيين متأثرا بالشجاعة والخبرة التي اكتسبوها خلال الحرب الأهلية الأمريكية هذا بالإضافة إلى عدم وجود أطماع إقليمية للولايات المتحدة في مصر. وكان الغرض من استخدامهم إعادة تنظيم الجيش المصري التجهيز للقيام بحرب ضد الدواة العثمانية للحصول على استقلال مصر.
ويروي عبد الوهاب أن أحداث هذه التجربة بدأت في عام 1868 عندما تقابل الخديوي إسماعيل في الآستانة مع ضابط أمريكي سابق يدعى quot;موطquot; استطاع إقناعه باستخدام ضباط أمريكيين لتحديث جيشه وبالفعل وافق إسماعيل وطلب منه أن يتوجه إلى الولايات المتحدة لإحضار هؤلاء الضباط وكان يعاونه فى تلك المهمة الجنرال الأمريكي الشهير شيرمان.
ولكن بعد فترة قصيرة ترك موط خدمة الجيش المصري عقب إعفائه من منصبه كقائد ميداني وجعله معاونا لقائد آخر ليحل محله الجنرال quot;ستونquot;، الذى تخرج من أكاديمية وست بوينت العسكرية.
وقام quot; ستون quot; بإنشاء التحصينات الدفاعية لمدينة واشنطن عام 1860 أثناء الحرب الأهلية، وعمل مهندسًا للتعدين بعد انتهاء الحرب، ورشحه الجنرال شيرمان للعمل في الجيش المصري عام 1869، وأصبح رئيسًا لأركان الجيش المصري عام 1870، وعينه الخديوي إسماعيل وكيلاً للجمعية الجغرافية الخديوية، تولي إدارة مصلحة المساحة، وظل محتفظًا بمنصبه كرئيس لأركان الجيش المصري حتى الثورة العرابية، وخدم الجيش المصري طوال 13 عام.
وحول المصاعب التي واجهت الضباط الأمريكيين، قال : هو موقف بريطانيا وفرنسا، فقد احتجت فرنسا وبريطانيا منذ البداية على وجود خبراء عسكريين أمريكيين في مصر فقد قلق الفرنسيون لفقدهم نفوذهم السابق في ذلك الميدان منذ أيام محمد على باشا الذي استعان بالخبرة الفرنسية لتنظيم الجيش المصري، أما بريطانيا فقد رأت في استخدام هؤلاء الخبراء محاولة محتملة لتهديد سلامة ووحدة أراضى الدولة العثمانية. وبدلا من أن تتجه الجهود إلى واشنطن للتخلص من البعثة العسكرية الأمريكية اتجهت جهودهما ناحية الخديوي إسماعيل والسلطان العثماني. فقد قام السفير البريطاني بإسطنبول بتنظيم حركة احتجاج بين الدول الأوربية لدفع الباب العالي إلى إجبار الخديوي على تسريح الأمريكيين.
أما عن موقف ضابط الجيش المصرى ؛ فيستطرد عبد الوهاب قائلا : منذ قدومهما إلى مصر أنذر الخديوى إسماعيل ضباطه الجدد بأنهم قد يواجهون بغيرة شديدة من ضباط الجيش المصرى (كانت غالبيتهم من الشراكسة ) وذلك لكونهم أجانب جنسا ودينا، ولأنهم إذا استطاعوا إجراء الإصلاحات التى طلبها منهم الخديوى سيحصلون على الحظوة عنده وتتفوق كلمتهم على كلمة الضباط الشراكسة وقد ظهرت هذه الكراهية بوضوح أثناء الإعداد للحملة المصرية على الحبشة عام 1876 فقد رفض الضباط الشراكسة إسناد قيادة جيش مسلم إلى ضابط أجنبي مختلف عنهم دينا وجنسا مما جعل الخديوى إسماعيل يضطر إلى إسناد قيادة الحملة إلى راتب باشا على أن يكون ضابط أمريكي يدعى لورنج قائد لأركانه وكان لورنج فى البداية يرفض العمل تحت رئاسة راتب باشا وبالتالي انعكس عدم التفاهم بين قائد الحملة ورئيس أركانه على نتيجة الحملة التى انتهت بهزيمة الجيش المصرى أمام الأحباش عام 1876.
وتطرق عبد الوهاب شاكر إلي الخلافات بين الضابط الجنوبيين والشماليين، والذي أوضح أنه نتج عن وضع الضباط الشماليين والجنوبيين تحت قيادة موحدة مع عدائهم الشديد لبعضهم البعض عدة احتكاكات لم يكن فى الإمكان تجنبها
فقد حاول بعض الضباط الجنوبيين التآمر ضد الجنرال موط الشمالي، كما حدث خلاف آخر بين قنصل أمريكا العام فى مصر جورج بتلر والعديد من الضابط الجنوبيين السابقين الذين كانوا يعملون فى هيئة أركان الجنرال ستون أسفر عن مشاجرة مثيرة فى أحد مطاعم الإسكندرية يوم 12 يونيه عام 1882 أجبر بعده بتلر على مغادرة مصر فى إجازة إجبارية قررتها له الإدارة الأمريكية.
إلي ذلك، استعرض الباحث خلال الندوة موقف الدولة العثمانية، فبمجرد أن وصلت إلى الآستانة الأنباء الخاصة بتوافد الخبراء الأمريكيين على مصر حتى شعر السلطان العثمانى برغبة الخديوى إسماعيل فى الاستقلال عن الدولة العثمانية وخاصة عندما علم بقيام إسماعيل بتحصين السواحل المصرية ونشر المدافع تحت إشراف الضباط الأمريكيون فأرسل على الفور يأمر إسماعيل بنقل تلك المدافع إلى الآستانة وطالب إسماعيل بطرد هولاء الضباط الأجانب من الجيش المصري فحاول إسماعيل تهدئة السلطان بإرسال بعض المدافع إليه ولكنه رفض طرد الخبراء الأمريكيين متعللا بأنه إنما أحضرهم لأغراض دفاعية.
كما فند موقف الولايات المتحدة، إلي موقف معلن؛ حيث كانت الولايات المتحدة لا ترغب فى جرح مشاعر سلطان تركيا لذا حرصت أن تؤكد فى رسائلها إلى القنصل الأمريكي أن هؤلاء الضباط لا يجوز اعتبارهم ضباطا أمريكيين بل مواطنين أمريكيين وافقوا على الخدمة فى الجيش المصرى. أما عن الموقف غير المعلن ؛ فقال أنها كانت شديدة الترحيب بهذه الفكرة بدليل أنها سمحت للضباط العاملين بالجيش الأمريكي بالحصول على إجازات تمكنهم من الخدمة فى جيش مصر.
وارجع عبد الوهاب هذا الترحيب لعدة أسباب، وهي اكتساب الضباط الأمريكيون لخبرات قتالية متنوعة وجديدة، وفتح أسواق جديدة للسلاح الأمريكي، ازدياد النفوذ السياسي والثقافي الأمريكي فى مصر.
وعدد عبد الوهاب شاكر خلال المحاضرة الإنجازات التى حققها الضباط الأمريكيون خلال خدمتهم بالجيش المصري، إلي
إنجازات عسكرية، تمثلت في إعادة تنظيم الجيش المصري، وإنشاء كلية أركان الحرب، وإنشاء شعبة لرسم الخرائط الطبوغرافية، وتعزيز دفاعات السواحل المصرية بالمدافع الساحلية وربطها بشبكة من خطوط السكك الحديدية، إدخال سلاح الألغام البحرية لأول مرة في البحرية المصرية، إنشاء مدرسة بحرية في رشيد لتدريب الضباط البحريين.
ثانيا إنجازات ثقافية، منها :إصدار جريدة أركان حرب الجيش المصري، نشر العديد من المقالات والأبحاث في مجلة الجمعية الجغرافية الخديوية، إنشاء مدرسة لتعليم أبناء الضباط المصريين، جعل إجادة القراءة والكتابة شرط لترقي الجنود.
وثالثا : اكتشافات جغرافية، وهي اكتشاف بحيرة كيوجا، واكتشاف نهر السيميليكي، اكتشاف المناطق الواقعة بين النيل الأبيض وكردفان.
وعرض عبد الوهاب شاكر بالصور نماذج لبعض الضباط الأمريكيين الذين خدموا فى الجيش المصرى، منهم :
1-الأميرالاي لونج :
bull;أرسله الخديوي إسماعيل 1875 لاكتشاف المنطقة الممتدة من بحيرة ألبرت حتي أوغندا.
bull;أكتشف بحيرة كيوجا وأطلق عليها أسم بحيرة إبراهيم نسبة إلى إبراهيم باشا والد الخديوى إسماعيل
bull;أنعم عليه الخديوى إسماعيل برتبة أميرالاي (عميد) تقديرًا لنجاحه في مهمة أوغندا.
bull;منحه الخديوي إسماعيل النيشان المجيدى.
bull;رافق الحملة التي أرسلها الخديوي إسماعيل للسيطرة علي بلاد الصومال.
2- الأميرالاى بوردي :
-ولد في نيويورك عام 1838.
-في سن التاسعة عشر قام باكتشاف نهر كولورادو.
-اكتشف المنطقة الشمالية الغربية لدارفور.
-اكتشف الجهات الواقعة جنوب دارفور وهي المنطقة الواقعة من بلدة دارة إلي حفرة النحاس.
-توفي بالقاهرة في 21 يونيه 1881.
-كتب علي شاهد القبر بالفرنسية
مكان وتاريخ الميلاد كما كتب علي الأماكن التي اكتشافها.
-الأميرالاى بروت بك :
-مهندس أمريكي
اكتشف المنطقة الممتدة من أم درمان وحتى الأبيض عام 1875.
-قام برسم خريطة لبلدة الأبيض.
-أسند إليه الجنرال ستون مهمة مسح الدلتا المصرية واتخذ من قمة أحد الأهرامات نقطة لكي يقوم بحساباته فقام بوضع عمود معدني لا يزال موجودا حتى الآن.
-لوكت :
التحق بخدمة الجيش المصرى فى عام 1875.
قام بتوجيه الضباط المصريين لإقامة التحصينات خلال حملة الحبشة يعتبر واحد من الضباط القلائل الذى أحضر عائلته بالكامل ( زوجته وخمسة من الأولاد )
وعند عودته إلى الولايات المتحدة احتفظ معه بجزء كبير من ذكرياته فى القاهرة فقد عثر فى أوراقه الشخصية على مقطوعة موسيقية تسمى ترنيمة الخديوى تعتبر أول سلام وطني لمصر .
واختتم الباحث المحاضرة موضحا أسباب التخلص من الضباط الأمريكيين، وذلك عقب حدوث الأزمة المالية وسيطرة بريطانيا وفرنسا على مالية الحكومة المصرية وتشكيل ما عرف بلجنة المراقبة الثنائية تم إصدار الأوامر بالتخلص من الضباط الأمريكيون وطردهم من خدمة الجيش المصرى بحجة تقليص النفقات فلم يتبقى سوى اثنين فقط من الخبراء الأمريكيين ضابط يدعى ماسون بك والجنرال ستون.
التعليقات