محمد الحمامصي من القاهرة: حرية التعبير لا تزال تمثل مشكلة حضارية وإنسانية للمرأة العربية المبدعة، باعتبارها القضية الأساسية وسط زخم من القضايا الاجتماعية والدينية والسياسية التي تحاصرها وتكبلها وتطعنها وتقصيها عن أن تشغل إبداعاتها مكانتها الصحيحة علي خارطة الثقافية والإبداع العربيين.. وعلي الرغم من أن الألفية الثالثة كانت ولا تزال تحمل لها آمالاً عريضة للتخلص من قيودها ومعوقاتها والانطلاق إلي آفاق كتابة إبداعية بلا حدود، إلا أنه في هذه الفترة الحرجة والانتقالية من حياة العالم العربي زدت الأوضاع التعسفية ضد المبدعة سوءاً وكفلت للأصوات الرجعية الإمكانية لاستمرار حملاتها للطعن والتنديد والمصادرة ومحاولات المحاكمة والإقصاء القصري لها.. الأمر الذي جعل تساؤل ظنناه انتهي يعاود طرح نفسه وبقوة علي الكاتبات العربيات: هل لا تزال هناك معوقات أمام المرأة المبدعة في هذه اللحظة الحضارية من عمر العالم العربي؟.. وقد طرحنا السؤال وكانت هذه الإجابات التي ربما لا تحمل حلولاً لقضايا المرأة، ولكنها ترسم المشهد العام الذي تبدع في ظل المرأة العربية.. ويا له من مشهد مأساوي.. نتعرف عليه في السطور القادمة
الكاتبة الروائية سحر توفيق
معوقات الإبداع بالنسبة للمرأة تبدأ بمعاملة المجتمع للمرأة، فما زالت المرأة في مجتمعاتنا العربية تحتل مكانة من الدرجة الثانية، فالفتاة قبل أن تتزوج هي ملك لأبيها أو أخيها، وبعد الزواج هي رهن أمر زوجها، حتى وصلت الأمور كما تعلم إلى أنه يمكن لأي منهم قتلها بسبب مجرد الشك في سلوكها، وفي هذه الحالة لا يعاقب بأكثر من سنوات معدودة من قبل المحكمة. فأي مكان لها في مثل هذه التقاليد البشعة؟.. هذا يترتب عليه أن المرأة لا تشعر بالحرية في نظرتها إلى الأشياء، وهي تنظر إلى الظلم الواقع عليها أحيانا وكأنه أمر مسلم به، فينتهي بها الأمر إلى الاستسلام لهذه التقاليد، بل والقيام على توكيدها وحراستها..فكيف بنا إذا كانت مبدعة؟ والإبداع في الغالب نوع من التمرد، وبالنسبة للمرأة هو تمرد أكيد على القيود الاجتماعية القاتلة، فإذا لم تكن الأسرة متفهمة للإبداع، لكانت سيفا مسلطا على رقبة المبدعة، وبالتالي فإن أول قيود الإبداع بالنسبة للمرأة قد تكون أسرتها نفسها. نظرة هذه الأسرة إلى الإبداع، كذلك مدى الحرية والوقت الذي تمنحه للمبدعة لكي تستطيع ان تنفرد بنفسها والتركيز في عمل إبداعي. وهذا أمر آخر، فالمرأة في مجتمعنا تحمل معظم أعباء الأسرة، بالإضافة إلى العمل مثل الرجل، فهي تقوم بأعباء المنزل والأطفال كاملة، وما زال من النادر أن تجد رجلا متعاونا في شئون المنزل، لأن المجتمع ما زال ينظر إلى شئون المنزل باعتبارها أعمالا أدنى يجب أن تسند إلى الشخص الأدنى منزلة، أي المرأة.
وهنا يأتي المعوق الثالث والذي لا ينفصل عن المعوقين السابقين، وينشأ مثلهما من نظرة المجتمع إلى المرأة، ماذا تكتب المرأة؟ لابد أنها تكتب عن مشاعرها الخاصة والتي تعبر عن إحساسها الأنثوي (بمعنى الجنسي)، لأن المرأة أحيانا تكون في نظر المجتمع مجرد آلة لإمتاع الرجل وإنجاب العيال ثم هي المنوط بها العناية بهؤلاء جميعا، وهذه هي المفارقة العجيبة.
فتجد القراء العاديين يتناولون كتب المبدعات باحثين عن سرد لهذه الأحاسيس خاصة، فإذا لم يجدوها لم يجدوا ما يشبع نظرتهم المسبقة إلى أدب المرأة. أما المثقفين فبعضهم وصدقني لا يخرج كثيرا عن ذلك، والدليل على هذا تصنيف أدب المرأة في زاوية خاصة من النقد الأدبي، تحت عنوان quot;أدب المرأةquot; أو إبداع المرأة أو ما شئت، فإذا صنف الأدب الرجالي إلى الواقعية وما بعد الواقعية وقبل ذلك الكلاسيكية والمثالية والمدرسة الحديثة.. إلخ سوف تجد أن الأسماء المندرجة تحت كل هذه التصنيفات هي لمؤلفين رجال، ثم تأتي النساء quot;معاquot; في باب quot;الحرملكquot;، لأنهن نساء وليس لأنهن كاتبات.
ومن الأمثلة الصارخة على ذلك أن بعض الصحفيين يتصلون بي ليسألوا سؤالا محددا: quot;ما رأيك في الكتابة بالجسد؟quot;.. فإذا قلت لهم أن هذا التعبير يعني في الأصل العناية بالتعبير في الكتابة عن كل عضو من أعضاء الجسد في علاقته بالحياة والعالم المادي والمعنوي من حوله، وأن هذا التعبير مستمد أصلا من الفن السينمائي أو التمثيلي أساسا، والذي يعبر فيه الممثل بكل أعضاء جسده عن الشخصية والمواقف التي تواجهها، وهو ما يعتبر قمة البراعة في التمثيل، إذا كانت هذه الكلمة تتصدر إجابتي، يصيبهم إحباط شديد، لأنهم في الواقع وهم يسألون هذا السؤال لا يريدون سوى إجابة محددة، إجابة quot;أنثويةquot; كما يظنون، لا إجابة مثقفة، وهذه أيضا مفارقة.
أظن أنني أطلت كثيرا، ولكني أريد ان أقول أن معوقات الإبداع بالنسبة للمبدع عامة، رجلا كان أم امرأة، هي أحيانا أشد مما سبق، وبالنسبة للمرأة تضاف إلى ما تلقاه من عوائق أو معوقات في سبيل الإبداع.
وربما يكون من أهم المعوقات التي نلقاها كمبدعين ومبدعات بشكل عام اضطرار المبدع إلى العمل في وظيفة يؤجر عليها ليتمكن من القيام بأمور حياته العادية، ونحن نعلم أنه في بلاد العالم quot;المتقدمةquot;، بكل أسف، يعيش المبدع في بحبوحة كاملة بمجرد أن quot;ينجحquot; كتاب واحد من كتبه، ويمكنه بذلك أن يتفرغ للكتابة تفرغا تاما، وهو ما ينقص المبدع في بلادنا. فالوظيفة من المعوقات الخطيرة لما تستغرقه من الوقت، والجهد المضاف والذي يستهلك الكاتب والمبدع، ويحد من حريته. لكن المبدع في بلادنا لا يمكنه أن يتفرغ للإبداع، لأن الكتب لا تباع في الواقع لأسباب ترجع إلى الفقر أولا، فالكتب في حالة الفقر الشديد الذي تعانيه بلادنا تعتبر ترفا، وثانيا إلى الجهل والأمية، وهي والحمد لله منتشرة في العالم العربي كله. وسوف أذكر لك مثالا واحدا، يشكو الكتاب البرازيليون من قلة قرائهم لأن اللغة البرتغالية غير منتشرة على نطاق عالمي مثل اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الأسبانية، وبالتالي فإن الكتب التي يطبعونها لا تزيد عن ثلاثين ألف نسخة للطبعة الواحدة، أي والله العظيم، ثلاثون ألفا، بينما في مصر والبلدان العربية أفضل المؤسسات تطبع لأكثر الكتب توقعا في المبيع، عُشر هذا العدد، أي ثلاثة آلاف، بينما لا يزيد العدد في معظم الكتب عن الف، عالمنا العربي الذي يمتلئ بمائة وعشرين مليون وربما أكثر.
وبالتالي فالكتب لا تأتي بالكثير من الربح، (سوف نستثني من هذا كتبا معينة) إلا للمؤسسات التي تقوم على النشر، وهذا لأنها تلجأ إلى سياسات بشعة لكي تستطيع أن تربح ربحا جيدا، وأولى هذه السياسات هي إلغاء أجر المبدع، بل والأنكى من ذلك، أن تأخذ المؤسسة نفسها أو الناشر أجرا من المبدع الذي يريد أن ينشر كتابه، وهو أمر منتشر في هذه الآونة في مصر. وهذا الوضع المتدني للثقافة في بلادنا أعتبره من أكبر معوقات الإبداع، وبالإضافة إلى القمع السلطوي والمجتمعي، يعتبر نوعا من القمع لا يسهل الوقوف أمامه وتحديه، وإن كان ذلك ضروريا.

الناقدة الأردنية د. يمنى العيد
هذه المعوقات لها تاريخ وتغيير التاريخ ليس بالأمر الهين، إنها معوقات ترتبط بأمور عدة منها ما هو عقائدي، ومنها ما هو سياسي، ومنها ما هو اجتماعي ومادي واقتصادي، وهي في نسبة معينة منها تحول دون الرجل والكتابة، وليست معوقات في وجه من وجوهها تقتصر علي المرأة، والوجه الذي أعنيه هو الوجه الاقتصادي الاجتماعي، نعرف أن الكثير من الشباب يرتدون عن الكتابة لأن لقمة العيش تحول دون الكتابة والتزود بمعداتها من تفرغ وقراءة وتعليم، أيضاً الوجه السياسي هو معوق مشترك وإن كان أثره علي المرأة مضاعفاً بمعنى أنها تعاني قهراً سياسياً عاماً وتعاني من قهر الرجل في محيطها العائلي والأسري بشكل خاص.. بهذا المعنى تمثل هذه المعوقات قيداً وحائلاً يقف دون تعبير المرأة عن رؤاها وأحلامها، وللتخلص منها يتطلب الأمر وقتاً وعملاً جاداً في سبيل نشر التعليم ورفع مستوى الثقافة وتهيئة فرص التزود بالمعرفة وإمكانية القراءة والحوار والمناقشة.

الكاتبة الروائية الفلسطينية سحر خليفة
المعوقات مازالت متواجدة علي جميع الأصعدة والمستويات، فما الذي تغير في المجتمع العربي؟هل تغيرت العلاقة بين المرأة وعائلتها علي المستوى الشخصي؟ هل تغيرت علاقة المرأة بالقوانين الشرعية والمدنية؟ هل تغيرت نظرة المجتمع بشكل عام للمرأة علي أنها مخلوق قاصر ضعيف بحاجة إلي التوجيه والوصاية؟ لم يتغير إلا الفتات وفي بعض البؤر شديدة الثقافة لا تمثل الشارع العربي بشكل عام، ومازال علي المرأة المبدعة أن تناضل لتقتحم وتكسر كافة القيود أولاً علي المستوى الشخصي ضمن نطاق العائلة، ثم لتجد لنفسها موقعاً يؤهلها للنجاح في المجتمع، ثم لكي تقنع أصحاب القرار بأنها قادرة علي المشاركة في صنع القرار وحركة التعبير الاجتماعي والسياسي، علي المرأة أن تكون هرقل هذا العصر وتتمتع بحصانة اقتصادية قبل كل شيء حتى تحقق هذا، لكن نحن نعرف حسب إحصائيات ودراسات هيئة الأمم أن المرأة في العالم العربي بالتحديد تعاني مازالت تعاني من الفقر سواء علي المستوي الاقتصادي أو علي المستوى العلمي، صحيح أن ملايين الفتيات دخلن إلي المدارس والجامعات، وهذا ساهم إلي حد ضئيل في فتح آفاق جديدة للمرأة للوصول إلي موقع أقوى وأفعل، إنما الثقافة الثورية الحقيقية التي تحفز المرأة للإبداع وأقصد بالإبداع تشغيل العقل والفكر والحوار وتنمية القدرات الخلاقة لديها، كل هذا التعليم للملايين لم ينجب إلا طفرات محدودة والسبب هو التربية التعليمية التلقينية التي مازالت ترضخ لها المرأة والرجل معاً ولا تساعد علي فتح آفاق للتجديد والخلق والإبداع.. علي المرأة المبدعة أن تكون مقاتلة تصل وتوصّل فهل نتوقع من الفتاة التي ربيت علي الافتقار للثقة بالنفس وحوصرت بالقيود العائلية والشرعية والتشريعية أن تقوم بهذا الدور، علي صناع القرار في أعلي المستويات تدعيم قدراتها بتغيير النظام التربوي، وخصوصاً في المدارس، بمعنى تغيير المناهج وإدخال الثقافة الثورية علي حدود الجنس حتى يتمكن هذا المجتمع الفقير بكافة أصعدته من أن يغتني باستخدام كافة قدراته النائمة والمهمشة.

الكاتبة الكويتية ليلي العثمان
الظرف الذي تعيشه المرأة العربية لا يتغير بالسرعة التي تتغير بها الأوضاع العامة سواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن ربما يختلف الضغط علي المرأة أو معوقاتها من زمن لآخر، لكن أيضا بأشكال مختلفة، يعني مازال هناك الرجل (أب ــ أخ ــ زوج) معوق، حيث لا تزال الكثير من المبدعات تعانين من قهر وتسلط الزوج يستوى في ذلك المؤمن بقضيتها وغير المؤمن بها، الأسرة أيضاً لا تزال معوقاً تربية الأولاد وإدارة شئون المنزل.
ويظل المعوق الأهم هو قضية تحريم الفنون والتسلط باسم الدين من بعض الجماعات المتطرفة، ونعاني منها في مجتمعاتنا الخليجية بالذات، الحرام والحلال وهيمنة السلطة الدينية تعوق إبداع المرأة، النحت حرام، الرسم حرام، إلخ، لقد كان يسمح للمرأة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام بأشياء لا تستطيع المرأة الآن الإتيان بها، إن محاكمتي تمت باسم الدين، صحيح أنها لم تخفني لكنها أخافت غيري من الفتيات المبدعات الشابات حتى اضطرت بعضهن إلي حذف بعض الجمل والعبارات مخافة رفع قضايا عليهن.
ومن المعوقات أيضاً الدور الذي تمارسه وزارات الإعلام في الرقابة التي تعاني منها المرأة والرجل علي السواء، ومصادرة ومنع الكتب لا يخفى علي أحد.. لكن تظل هذه المعوقات وغيرها غير مؤثرة علي المبدعات الصلبات المؤمنات بإبداعاتهن والمتمردات، وأنا لا أخشى علي الأجيال التي حققت لها موقعاً مهماً علي ساحة الإبداع العربي، لكن أخشى علي هذه الأجيال والمواهب الجديدة ذات العود الطري ويمكن لأي ريح أن تهزها أو تطيح بها.

الكاتبة السورية مهاة الصالح
من البديهي أن أي عمل إبداعي يقترن بالحرية، حرية الإنسان في التعبير، ولا سقف لحرية المبدع إلا المبدع نفسه، ولكي تمارس المرأة المبدعة هذه الحرية عليها أن تخترق كل الموروثات والثوابت التي تتوافق مع العصر ومعطياته ومستجداته، وفي هذه النقطة (الحرية في التعبير) تكمن المشكلة وتجاوزها؟ بطبيعة الحال ليس هناك وصفة جاهزة لهذه المعضلة، ولكن باستعراضنا لأبعاد المشكلة علي الصعيد الرسمي والاجتماعي والذاتي قد نصل إلي رؤية تساعدنا علي الخروج من المأزق الذي يحاصر المرأة المبدعة في عملها الفني.. نحن نعلم هامش الحرية الضيق عند المرأة في مجتمعاتنا العربية وسهولة تصويب مدافع الأخلاق عليها بهدف تقييدها ومحاصرتها، علي الصعيد الرسمي: نجد أن الخوف المسيطر علي من كرسوا أنفسهم أوصياء علي الأخلاق العامة والقيم والعادات والتقاليد، وخوفهم أن تخدش المفاهيم وتحت راية هذا الشعار تتفتق العبقريات بمحاصرة المبدعة ابتداء من التشكيك بقيمها وأخلاقها وانتهاء بالمحاكم والقضاء.. وعلي الصعيد الاجتماعي: المشكلة أقوى وأقسى وأعم.. الإساءة إلي الإنسان والتربية والأخلاق والثوابت والبيئة وما تمثله من قيم ومعطيات هي التهمة الجاهزة لأي عمل فني يتطرق إلي أي بعد من أبعاد هذه البيئة، حتى لو صورت المبدعة البيئة في غاية الجمال والصدق فهذا مرفوض، لأن البيئة وما تمثله دائماً أنقى وأصدق من هراء الإبداع والمبدعين.. وعلي الصعيد الذاتي: هنا المشكلة هي مشكلة المرأة المبدعة بتركيبتها الثقافية والنفسية والاجتماعية وما تحمله في بعدها النفسي من إرث البيت والمجتمع وانعكاس هذا في إبداعها، وذكر هذه المعوقات لا يعفي أن هناك عربيات مبدعات استطعن التغلب علي هذه وتجاوزها ولكن يبقى كابوس الوصاية يلاحق المرأة وإبداعها.. ولكي تتحرر المرأة من هذا الكابوس عليها أن تقنع الجميع أنها ليست بحاجة إلي هؤلاء الأوصياء والناصحين، وعلي هؤلاء أن يقنعوا أننا لسنا بحاجة إلي نصائحهم ووصايتهم.

د. زينب معادي أستاذ علم الاجتماع جامعة الملك الحسن الثاني
رغم كل المعوقات فإن المرأة تبدع سواء في المجالات الظاهرة أو المستترة - فإبداعها لا يتوقف لأنه نافذتها علي العالم - سواء التي تلقي ترويج إعلامي أو تلك التي تمس الجوانب اليومية وتمضي دون صخب.. صحيح أن هناك معوقات مستمرة في بلدان العالم النامي، حيث يتطلب الإبداع التمتع بحقوق متعددة مثل حق التعليم والحق في المعرفة والحصول علي المعلومة، والتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لتوفير الوقت والمناخ لإنجاز الإبداع، فأدوات الإبداع أحياناً تكون غالية الثمن، والمرأة في مجتمعاتنا رغم كل الحقوق التي اكتسبتها علي مدار السنوات الماضية لا تزال تصدها عن التقدم قيود دفينة.
إنني أعتقد أن المبدعة هي المرأة التي استطاعت أن تحقق انعتاقاً من القيود التي تريد أن تجعل منها كائناً صامتاً، حتى أعتبر أن النساء اللاتي يشتغلن في مجال حقوق الإنسان يبدعن المجتمع، لأنه كما يمكن بناء دار يمكن بناء مجتمع، وقد لعبت المغربيات دوراً مهماً غيّر كثيراً في المجتمع المغربي، كانت هناك موضوعات لا نجرؤ علي طرحها، أصبح الآن طرحها جزءاً من الحياة اليومية مثل موضوع ممارسة العنف ضد النساء الذي كان تابوهاً، أقيمت الآن مراكز لتحتضن النساء ضحايا العنف، وقد كان لي شرف إقامة أول مركز، في البداية كانت العضوات العاملات معي متخوفات، لكن الآن تتبني الوزارة المكلفة بشئون المرأة هذا الموضوع وموضوعات أخرى مثل التحرش الجنسي وزنا المحارم، والأمهات العازبات، وكل ذلك بفضل إبداع النساء المهتمات بحقوق الإنسان.

الفنانة التشكيلية والناقدة اليمنية د. آمنة النصيري أستاذ مساعد في فلسفة الفن وعلم الجمال بكلية الآداب جامعة صنعاء
بشكل عام هناك معوقات وإشكاليات مشتركة تؤثر علي إبداع المرأة كما تؤثر علي الرجل، لكن فيما يتعلق بالمبدعة فهناك الشروط الاجتماعية الكثيرة التي تقف عائقاً بين أن تبدع المرأة بالشكل المطلوب فحتى عندما توجد مبدعة ويوجد منتوج فإنه يتأثر إلي حد كبير بظروف هذه المبدعة، أنا علي ثقة لو توافرت ظروف اجتماعية أفضل فإن هذا المنتوج الإبداعي سيختلف كماً وكيفاً، ويكفي أن نعترف بأن فائض الوقت لدينا هو الوقت المتاح للإبداع، علي اعتبار أن المجتمع يفرض علي المرأة الكثير من المتطلبات ويعتبرها ضرورة أهم كثيراً من عملها الإبداعي، ومن جهة أخرى ربما تلعب هذه الظروف الصعبة دوراً في حث المرأة المبدعة علي التعبير، لكن مع ذلك أعتقد أنها تثقل عليها إلي حد كبير، ومن هذه الظروف:
1ــ المسئولية الأسرية حيث تتولى المرأة معظم أعباء إدارة المنزل.
2ــ في مجتمعات مثل المجتمعات الخليجية والذي أعتبر المجتمع اليمني جزءاً منها تزداد هذه الظروف سواء فيصعب مثلاً أن تتواجد المرأة المبدعة خارج المنزل وقتاً طويلاً، كما ينظر للممارسات الإبداعية علي اختلافها علي أنها شكل من أشكال الترف الاجتماعي الذي لا يجب ألا يهدر فيه الكثير من الوقت، وهذه الإشكالية أقل حدة في مجتمعات مثل مصر وسوريا.
3ــ المحاذير ذات الطابع الاجتماعي علي إبداع المرأة كثيرة، فهناك تابوهات فيما يتعلق بموضوعات المرأة مثل علاقة المرأة والرجل، المرأة والدين، صورة الجسد، أنا أعتقد أن هذه الإشكالية تؤثر في النص الإبداعي وتخلق حلولاً إبداعية مختلفة، تغلف النص إما بالرمزية أو الغموض، كون المبدعة توجد بداخله حيث ما نسميه بالمتلقي الضمني الذي تفترضه لمراقبة النص قبل أن يخرج إلي الجمهور خوفاً من الوقوع في مأزق مع إحدى هذه القضايا، ومن ثم مع المجتمع ومنظومته الثقافية التقليدية، وبالطبع إذا تحددت حرية العمل الإبداعي قلت إبداعية النص، وهذه مشكلة لن تتلاشى إلا بالتغيير في فكر المجتمع نفسه، فنحن في كثير من الأحيان قبل أن نفكر في التجربة الإبداعية نفسها وقبل أن نستغرق في سياقها نضع المجتمع أمام أعيننا كي نتفادى المواجهات التي قد تدمرنا، والمجتمعات الهربية قاسية جداً في أحكامها علي نص إبداعي تستشعر منه خطراً علي منظومتها، بينما من مبادئ العمل الإبداعي المهمة أن يخرج العمق إلي السطح وأن يفضح المسكوت عنه، وهذا المسكوت عنه في الوقت الحاضر يرتبط بالأوضاع الاجتماعية للمرأة العربية وبالكثير من القضايا الحساسة التي أشرنا إليها، فهل تتحول المرأة عن التفكير في تأصيل التجربة الإبداعية للتفكير في حماية نفسها في هذا المجتمع؟ وهل يظل النص علي قدر كبير من الإبداع إن أحيط باستمرارية كثير من هذه القيود؟.

القاصة والناقدة هدى العطاس قسم علم الاجتماع الإعلامي
بكلية الآداب جامعة عدن
ثمة معوقان أمام المرأة المبدعة الأول المعوق الذتي بمعني أن المبدعة تدخل مضمار الإبداع دون وعي بشروط وامتلاك أدواته وتحمل تبعاته، مما يوقعها في محك الخيارات، والثاني المعوق الاجتماعي الأسرة والمجتمع والناس والتابوهات السياسية والدينية والجنسية.. وفي هذه الحالة إما أن تختار ذاتها المتمثلة في ذاتها المبدعة، وإما أن تختار شكلاً آخر لذاتها يتناسب مع المجتمع، ولأن الإبداع حالة تصادمية في الغالب مع المجتمع فإن المرأة إذا اختارت ذاتها الإبداعية تبدأ مشوار الخسارات التي ترتبط بالخيار الثاني.
بالطبع لا تزال هناك معوقات حيث لا يزال المجتمع العربي مفاهيمه وقيمه باقية علي حالها من التخلف والنظرة الدونية للمرأة بينما تجاوز الإبداع وأحرز مراحل في التطور والانفتاح علي مضامين أكثر مغايرة لما يحدث في مفاهيم المجتمع، وهذا يقودنا إلي نتيجة وجود المعوقات بل أراها تتجدد بصور مختلفة حيناً في لباس ديني وحيناً في لباس سياسي أو اقتصادي.. إلخ.
وعلي المستوى الخاص فضمن موجة التكفير ومصادرة الحق في التفكير والاختلاف لدي نزوع في الكتابة إلي الوقوف علي سلبيات المجتمع ربما وقوفاً حاداً وفضح المسكوت عنه وإماطة اللثام، وهذا عرضني إن لم يكن بشكل صارخ لكن بشكل مضمر للانتقاد من فوق منابر المساجد، ويأتي ضمن استخدام الدين في غير محله، ولكن لم أعتبر الانتقادات معوقاً لأنه كما أشرت يجب تأسيس الذات المبدعة تأسيساً راسخاً ومؤمناً بالإبداع وقضاياه، ومن خلال ذلك يمكن للمرأة المبدعة أن تتجاوز المعوقات إن وجدت عبر البدء بالذات والانتهاء إلي الآخر، وأخيراً أؤكد أنه طالما المبدعة آمنت بنفسها وبعملية التجديد وضرورته ستصل يوماً إلي غايات ما اختارته في طريق الإبداع.

الناقدة العراقية د. فاطمة المحسن
المعوقات التي تقف حائلاً ضد المرأة العربية المبدعة ليست واحدة وتختلف من قطر عربي لأخر، وما يكن الاتفاق عليه في جميع البلدان العربية، وإن كنت لا أعتقد أنه كثير معوقات مثل فرص التعليم الكافية وارتفاع نسبة الأمية بين النساء، والأهم من هذا وذاك هو تاريخ الاضطهاد المستمر منذ زمن طويل والذي يجعل نموذج المرأة المقبلة علي عالم الكتابة تتوجس خيفة وتخشى وتتردد في أن تقدم علي فعل الكتابة، تخاف من الفشل لأنها لم تتعود وليس لها تاريخ طويل في عالم الكتابة لذا يصعب عليها الدخول إلي الساحة والاستمرار فيها.. لكن الأمور تبدو الآن ومع دخولنا الألفية الجديدة متفائلة بعض الشيء، فهناك الآن سوق لنشر وتوزيع كتابات وكتب المرأة والاحتفاء بها، وهناك موجة عالمية للاهتمام بها، حتى أن المملكة العربية السعودية البلد الأكثر صرامة ترحب بنتاج المرأة وتشجعه في كل منابرها من صحف ومجلات، لكن تظل هناك مشكلة في عالمنا العربي بعيداً عن المرأة المبدعة وهي أن كل شيء فيه احتفائي ولا يمثل حركة حقيقية من الداخل.