محمد الحمامصي من القاهرة: أكد د.يوسف زيدان مدير مركزي المخطوطات ومتحف المخطوطات في مكتبة الاسكندرية أن مكتبة دير سانت كاترين تضم من نفائس المخطوطات ما يجعل منها واحدةً من أهم المجموعات الخطية في العالم، بل يقال إنها تأتي من حيث الأهمية، في المرتبة الثانية بعد مكتبة (الفاتيكان) المبهرة، ذات النفائس التي لا تقدَّر بثمن.. ويضيف: ونظراً للطبيعة الروحية لهذا الدير كان من الطبيعي أن تضم مكتبته، نصوصاً دينية مسيحية، اخترنا منها سبع مخطوطات نادرة، لتكون ضمن الإصدار الخامس من سلسلة (المكتبة الرقمية للمخطوطات) وهي السلسلة التي تهدف إلى إتاحة المخطوطات الأكثر نُدرة في العالم، على أوسع نطاق وبأفضل صورة. وليكون هذا الإصدار مؤشِّراً دالاً إلى أهمية مكتبة الدير، التي تضم ثلاثة آلاف مخطوطة، بعدة لغات، يعود كثير منها إلى القرون الأولى للمسيحية والإسلام.
وقبل التوقف مع هذه المخطوطات السبع التي تم اختيارها لتصدر ضمن سلسلة المكتبة الرقمية للمخطوطات ضمن اتفاق خاص بين مكتبة الإسكندرية ودير سانت كاترين، نتعرف إلى رؤية د.يوسف زيدان وهو واحد من أهم محققي التراث وكذا أهم أساتذة الفلسفة الإسلامية حول مكانة هذا الدير وتاريخه، يقول: يبدو هذا الدير من بعيد، كأنه هبط من السماء ليستقر بين القمم الجبلية التي بقلب سيناء. وهو يبدو من قريب، كأنه الموضع اللائق بالتقاء السماء بالأرض، أو هو المحلُّ الأمثل لاستعلان الله وظهوره للإنسان! وقد أكدت الدياناتُ الثلاث هذا الأمر، وتشابهت الآيات التوراتية والقرآنية الدالة على تجلِّي الله للنبى موسى هناك. ففى أسفار التوراة، نُودى موسى هناك: إخلع حذاءك.. وفى القرآن الكريم: quot;هل أتاك حديث موسى، إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوىquot; سورة النازعات 15، 16. وقوله تعالى quot;وهل أتاك حديث موسى، إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إنى آنست ناراً، لعلِّى آتيكم منها بقبسٍ أو أجد على النار هدى، فلما أتاها نودى يا موسى إنى أنا ربك، فاخلع نعليك إنك بالوادِ المقدس طوىquot; سورة طه 9: 12.
وبحسب النصوص الدينية المقدسة، فقد ظهر الله من الشجرة التى تُسمَّى في التوراة العُلَّيقة. فقد ورد فى القرآنفلما قضى موسى الأجل وسار بأهله، آنَس من جانب الطور ناراً.. فلما أتاها نودى من شاطئ الوادِ الأيمن في البقعة المباركة، من الشجرة، أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين.. سورة القصص 29، 30. وهو ما يطابق الوارد في التوراة من قوله: وظهر له ملاكُ الرب بلهيبِ نارٍ من وسط عُلَّيقة. فنظر وإذ العلَّيقة تتوقد بالنار، والعلَّيقة لم تكن تحترق. فقال موسى أميلُ الآن لأنظر هذا المنظر العظيم. لماذا لا تحترق العلَّيقة؟ فلما رأى الرب أنه مال لينظر، ناداه الله من وسط العليقة، وقال: موسى، موسى. فقال: هأنذا. فقال: لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك. لأن الموضع الذي أنت واقف عليه، أرض مقدسة.. (سفر الخروج،الإصحاح الثالث 2: 5).
ويضيف د.زيدان: وعلى هذا النحو البالغ من تقديس هذا المكان، كان من الطبيعي أن تميل قلوبُ المؤمنين إليه، وتلين الأفئدة عنده.. ولأن الموضع المذكور موحش، قَفْرٌ، يصعب الوصول إليه والحياة عنده، فقد صار مناسباً للمتوحِّدين الرهبان، الذين آلوا إليه هرباً من ضجيج الحياة وصخبها العارم. ويقال إن النبى (إيليا) بحسب ما جاء فى سفر الملوك، كان أول مَنْ أقام في تلك النواحي البعيدة. فكان مجيئه المبكر هذا، تذكيراً لليهود وللمسيحيين من بعدهم، بالأهمية الروحية لهذا المكان الذي ما لبث الرهبانُ أن وفدوا للإقامة فيه، منذ وقت مبكر من تاريخ المسيحية، ربما يعود إلى منتصف القرن الثالث الميلادي. وفي أواخر القرن الثاني الميلادي، وبالتحديد سنة 194 ميلادية، وُلدت في الإسكندرية الفتاة الجميلة (ذورثيا) التي آمنت بالمسيحية، واتخذت الاسم الكنسي كاترين (كاثرينا) واحترق قلبها بنور محبة المسيح، فرفضت الزواج ممن تقدَّموا طالبين يدها، بمن فيهم الإمبراطور! فدُعيت لذلك: عروس المسيح. وقد لقيت حتفها بفصل رأسها عن جسمها أيام الإمبراطور ماكسميانوس، فاعتُبرت من شهداء عصر الاضطهاد ومن القديسات المصريات ذوات الشأن، مثلُها في ذلك كمثل القديسة (دميانة) وغيرها ممن أُطلق عليهم عرائس المسيح.
وفي القرن الرابع الهجري، كَفَّ الاضطهاد الروماني لأهل الديانة، بعدما أعلن قسطنطين الكبير إمبراطور روما، المسيحية ديانةً رسميةً معترفاً بها، بل وتقرَّب إلى أهل الديانة ببناء كنيسة القيامة في أورشليم (القدس) تلبيةً لمطلب والدته هيلانة.. ورأى المتوحِّدون والرهبان القاطنون في الموضع المقدس في سيناء، أن يخاطبوا (هيلانة) في شأن العناية بالمكان، فاستجابت لهم وأقامت كنيسةً في موضع الشجرة المقدسة (العلَّيقة) وبرجاً حصيناً ليسكنه الرهبان وكان ذلك سنة 330 ميلادية. ثم بنى يوستينيانوس الإمبراطور (المتوفى سنة 565 ميلادية) عدةَ مبانٍ وصوامع للرهبان، فصار المكان بمثابة مجمعٍ متكامل وموضعٍ مسيحي مقدَّس، ما لبث بعض رهبانِه ومتوحِّديه أن رأوا رؤيةً منامية تدلُّهم على مكان رُفات القديسة هيلانة.. فنقلوها إلى الموضع المقدس في سيناء، ولذلك عُرف ما كان يسمَّى (دير التجلِّّّّّي) باسم: دير سانت كاترين. وقد حظى الدير برعاية البيزنطيين واحترام المسلمين من بعدهم، ولقي عناية كبيرة من الصليبيين أيام حملاتهم العسكرية على المنطقة، حتى أن جماعة من الفرسان الصليبيين كانوا يسمون: الصليبيين السينائيين.. وكانوا يتعهدون الدير بعنايتهم.
ومن بعد ذلك بعدة قرون، وبعد إهمالٍ طويل للدير في زمن المماليك، عُني العثمانيون بالمكانة الروحية لدير سانت كاترين، فامتد نشاطه إلى خارج سيناء، وارتبط من يومها باليونان ارتباطاً خاصاً، ما لبث أن تطوَّر حتى صار دير سانت كاترين ديراً أرثوذكسياً يونانياً، وإن كان يتمتع باستقلالية ذاتية ويدير شؤونه رئيس أساقفة ومجمع آباء مستقل.

الأناجيل الأربعة
لعل هذه النسخة النادرة، هي (أقدم) مخطوطة عربية للأناجيل الأربعة المعتمدة فى الكنائس المسكونية كافة: متى (متاؤس)، مرقس، لوقا، يوحنا، (يُحنَّا).. ومع نص الأناجيل، تضم المخطوطة إشارات، كُتبت بالمداد الأحمر للمناسبات التي تُقرأ فيها الآيات، بحسب ما هو معمول به في الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية.
والمخطوطة مؤرخة بسنة 284 هجرية، وجاء تاريخ النسخ واسم الناسخ، على النحو التالي: وكتب الخاطئ المسكين الضعيف الأثيم اصطافنا يُعرف بالرملى.. وكتب المسكين في أشهر العجم، في أول شهر آذار، ويكون من حساب سنى العالم، على ما تحسبه كنيسة بيت المقدس (القيامة المجيدة) من سنة ستة آلاف وثلاثمئة وتسع وثمانين سنة! ومن سِِنى العرب، في شهر المحرم من سنة مئتين وأربع وثمانين ..
والمخطوطة تبدأ بالنص المعروف من إنجيل متى: سفر كينونة يسوع المسيح بن داود بن ابراهيم. إبراهيم وَلَدَ إسحق، وإسحق وَلَدَ يعقوب، ويعقوب وَلَدَ يهوذا.. يعقوب وَلَدَ يوسف، رَجُل مريم التي منها وُلد يسوع، الذي يقال له المسيح..
وتنتهي المخطوطة بإجابة سؤالٍ رُفع إلى المفكر والمؤرِّخ المسيحى الشهير تيودور الـمُكنَّى بأبي قرة (وُلد بالرُّها في حدود 740 ميلادية= 122 هجرية) وهو واحدٌ من آباء الكنيسة الشرقية المشهورين، بدأ حياة الرهبنة مبكراً وترقى في الإكليروس حتى صار أسقفاً لمدينة حران، وله عدة مؤلفات معروفة، منها باللغة العربية: رسالة في وجود الخالق، رسالة في الأيقونات، رسالة في التثليث والتوحيد... والسؤال الذي يجيب عنه أبو قُرَّة هو عن المسيح: بهواه صُلب، أم بغير هواه؟ وقد قال أبو قُرَّة للرجل الذي سأله: إن قلتُ لك بهواه، قُلتَ: فلا ذنب لليهود، ولا عقوبة عليهم! وإن قلتُ لك بغير هواه، رددت علىَّ بأنه ضعيفٌ حيث غلب.. ولكن افهم معنى الجواب، رأيت لو أنك غريت (كذا) أرض الروم.. إلخ. والمخطوطة مدوَّنة على الرَّقِّ (الجلد) بقلم كوفي، وعدد رقوقها 119 رقاً، وهي موضوعةٌ في غلاف خشبي منقوش، مكسو بغطاء جلدي مُزيَّن برسوم دقيقة..وعلى الرَّقِّ الأخير، وقفٌ نصه: باسم الآب والابن وروح القدس، إله واحد، يكون هذا الإنجيل المقدس للدير المبارك عمَّره الله، لا يباع ولا يشترى. وكتب بخطه الحقير ميخائيل المذنب، غفر الله خطاياه وخطايا مَنْ قرأ وقال: آمين!

تفسير الأناجيل
هذه المخطوطة النادرة التي ترقى إلى القرن الرابع الهجرى (موضع تاريخ النسخ متآكل، والباقى منه: 25؟6 لآدم!) تضمُّ تفسيراً للآيات التي تُقرأ في الكنيسة على مدار العام، أيام الآحاد والسبوت والأعياد، من الأناجيل الأربعة ورسائل بولس الرسول، بحسب الترتيب المعمول به في الكنائس السريانية.والمخطوطة متآكلة الحواف من أولها وآخرها، ومكمَّلة بأوراق عليها نقول باليونانية، وبآخرها وقفٌ نصّه: هذا ما أوقف العبدُ الخاطئ الحقير الكثير السيئات القليل الحسنات، غير المستحق أن يدعى إنسان (كذا) المحتاج إلى عفو ربه: سالم بن إلياس بن فضايل بن ثواب بن سالم.. أوقفه لكنيسة الأملاك (الملائكة) المعروفة باسم القديس الكبير والشاهد العظيم، مار نقولا..
وتفسير الآيات، نقله ناسخ المخطوطة من مؤلفات القديس يوحنا فم الذهب (ذهبى الفم) الذي اشتهر بهذا اللقب بسبب بلاغته وتأثير مواعظه في الناس. وله العديد من المؤلفات، أهمها تفسيراته للأناجيل وأعمال الرسل، وقد وصف بأنه: أشهر معلِّمي المسكونة! وهو يُعد أحد آباء الكنيسة الكبار، ظل أسقفاً للقسطنطينية، حتى وفاته سنة 407 ميلادية.. والمخطوطة كُتبت بقلم نسخى جميل، مشكولة بالكامل، وهي مكمَّلة (من الورقة 248أ إلى نهايتها) بقلم مختلف. والمخطوطة كاملة، باستثناء المتآكل من صفحاتها الأولى والأخيرة بفعل الزمان، والورقة رقم 81 ب بيضاء، إلا من عبارة واحدة بالسريانية.

قراءات الآحاد
طوال العام، تُقرأ من الأناجيل فقرات في أيام الآحاد في الكنائس، وفي أيام الأعياد. وهذه (القراءات) تختلف من كنيسةٍ إلى أخرى، وتتفق هذه المخطوطة مع سابقتها، فى أن جامعها يورد قراءات (الآحاد) بحسب ما هو معمول به في الكنيسة السريانية من ترتيب. وقد أضاف إليها تفسيرات القديس يوحنا فم الذهب عقب كل فقرة. ما دامت الفقرة تحتاج إلى شرح. فمن ذلك ما يرد في بداية المخطوطة (بعد الأوارق الأولى المفقودة) على النحو التالى: فصل من بشارة (إنجيل) لوقا الإنجيلي القديس، يُقرأ برسم الفرِّيسى والعشَّار. قال الرب هذا المثل: إنسانان صعدا إلى الهيكل ليصلِّيا، أحدهما حبر والآخر عَشَّار، فلما وقف الحبر، صلى فى نفسه بهذه الكلمات: اللهم أشكرُ لك إذ لستُ مثل سائر الناس.. أو مثل هذا العشَّار.. قال المفسِّر: إن غرض السيد في هذا المثل، هو أن يعلِّمنا كيف ينبغي أن نصلِّي، حتى لاتكون طُلبتنا غير مقبولة عنده، ولا نكون من حيث نظن أننا ننفع نفوسنا، نجتلب علينا رِجز الله، فأورد هذا المثل، وعرَّفنا أن الفرِّيسى.. إلخ..
وعلى هذا النحو، تتوالى (التفسيرات) في هذه المخطوطة التي تقع في 204 أوراق من القطع المتوسط (الورقة صفحتان) وقد كتبت العناوين الداخلية بالمداد الأحمر، بقلم النسخ ذاته. مع تصويبات هامشية تدل على أن المخطوطة قوبلت على نسخة أخرى أقدم منها. يعود تاريخ النسخ إلى سنة 446 هجرية، الموافقة بحسب ما جاء في المخطوطة، لسنة 6562 لآدم (1054 ميلادية).
وعلى الورقة 204 ب تصادفنا وقفيةٌ، نصها: هذا الكتاب وقف على دير طور سيناء، فمن أخرجه منه، يكون محروما (كذا) وحظه مع يودس.. يقصد: مع يهوذا الإسخريوطي، خائن السيد المسيح.

سُـلَّم الفضائِل
يعدُّ هذا الكتاب واحداً من أشهر متون التراث المسيحي المتعلق بالرهبنة والديرية. مؤلِّفه هو القديس يوحنا السُلَّمى (رئيس دير سانت كاترين في القرن السابع الميلادي) وقد لُقِّب بالسُّـلَّمى نسبةً إلى عنوان كتابه هذا الشهير الذي يعرض فيه للمسيرة الروحية إلى الله بحسب المراتب التصاعدية التي عددها ثلاثين، تيمُّناً بالسنوات الثلاثين التي عاشها يسوع المسيح (عيسى) في الخدمة. وقد استوحى المؤلِّف فكرة (السُلَّم) العارج إلى السماء، من رؤيا يعقوب (إسرائيل) الواردة في سفر التكوين: ورأى حلماً وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء. وهو ذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. وهو ذا الرب واقف عليها.. (تكوين 28/12، 13).
تبدأ المخطوطة بقول المؤلف: لنبتدين من إلهنا وملكنا الصالح الفائق صلاحه، والجوَّاد في كافة خواصه، لأن رأياً صائباً هو أن نبتدئ من الله جلَّ ذكره، وننتهي إلى خُدَّامه الذين استرضوه..
وبالمخطوطة لوحةٌ مرسومة على طريقة المنمنمات، تمثل السلم الصاعد إلى الله ابتداءً من موضع الدير حيث رُسمت العلَّيقة بداخلها العذراء ورفات سانت كاترين تحوطها الملائكة، والنبي موسى يخلع نعليه بالواد المقدس، والرهبان الصاعدون السلم إلى السماء، بينما الشياطين تسعى إلى إسقاطهم والنيل منهم.
كتبت المخطوطة، سنة 1020 هجرية (7120 لأدم، 1612 ميلادية) بقلم نسْخى رصين، بيد الناسخ: ابن الجوزي الحموي المسيحي. وعدد أوراقها 168 ورقة، وهي مؤطرةٌ، مزخرفةٌ، مذهبةُ الصفحات من أولها، وفيها صورة المؤلف (بالورقة 13أ) وسيرة حياته التي كتبها معاصره دانيال الراهب، وهي السيرة التي نعرف منها أن يوحنا السلمى السينائي (نسبةً إلى دير سيناء) بدأ رهبانيته في السادسة عشرة من عمره، وقضى في خلوته أربعين سنة، ثم تولَّى رئاسة دير سانت كاترين في بداية القرن السابع الميلادي.

ميامر اصطوماثالاصا
تضم هذه المخطوطة التي كتبها أغاثون بن مصبح الطوراني بقلم معتاد سنة 636 هجرية (6747 لآدم، 1239 ميلادية) رسائل وميامر ووصايا القديس اصطوماثالاصا (في المخطوطة: اصطومالاصا) الذي يندر أن نجد عنه أخباراً عند مؤرخي الكنيسة، حتى أن تاريخ وفاته غير معروف.
والمخطوطة تنقص من أولها بمقدار يسير، وتضم كتباً أخرى فى مجموعة واحدة، كلها بخط الناسخ المذكور.. أما المؤلف، فهو مشهورٌ بهذا اللقب (اصطوماثالاصا) الذي يعني حرفياً، في اليونانية: فم البحر.. أو بحسب ما جاء في المخطوطة: فم اليم! وتقع الميامر في إحدى وعشرين ورقة، تنتهي بقول الناسخ: تمت الميامر المقدسة، بعون الله وحُسن توفيقه.
من الميامر الواردة في المخطوطة، نصائح تبدأ بالآتي: يا ابني الحكيم وولد الحكمة، إذا خاطبت واحداً.. واعلم علماً يقيناً أن الله قد وهب لك عشر مواهب كبار، تفصيلها: حكمةٌ ومعرفة، رأىٌ وفكر، تمييزٌ.. فالزم كل واحد منهم، فأعط الحكمة (!) لتعمل في مخافة الله.

سيرة القديس اسطفانوس السائح
هذه المخطوطة التي تقع فى 140 ورقة (من المجموعة المشار إليها سابقاً) يورد الناسخ الترجمة العربية لسيرة حياة القديس اسطفانوس (في المخطوطة: استافنس) التي كتبها باليونانية تلميذ القديس المذكور، وترجمها إلى العربية ابن اصطفان الفاخورى.
تبدأ المخطوطة بالآتي:.. تدبير أبونا (كذا) القديس الطاهر المهذب، مارى استافنس السياح الفاضل، الذي كان من سيق أبونا (كذا) مارى سابا.. منين آخذ لى (!) قول كثير الألفاظ ولسان ذرب وعقل ذو فعل، حتى أُخبر بسيرة رجل إلهي ممتلئ من روح القدس وتدبير ملاكي (ملائكى) وعمر فاضل، أعني استافنس الشيخ العجيب المشهور المزيَّن من الله بالفضايل والعجايب.
ونعرف من المخطوطة، أن القديس اسطفانوس كان فلسطينياً من كورة عسقلان وُلد لأبوين مسيحيين، وانفرد عن أقرانه من الصبيان، والتحق بدير (مار سابا) الذي يطل على وادي قدرون في صحراء اليهودية، وهو دير أرثوذكسي يوناني أسَّسه القديس سابا الكبادوكى سنة 439 ميلادية.. فنشأ هناك نشأة روحية باهرة، وصار له مكانة كبيرة بين معاصريه، ولقَّبوه بالسائح من كثرة رحلاته ومجاهداته.
ونعرف من المخطوطة، أن مؤلفها الأصلي الذي وضعها باللغة اليونانية، كان تلميذاً للقديس اسطفانوس السائح، وأنه كان يرافقه عندما التقى اسطفانوس بالأنبا باسيله أسقف طبرية، ما يعني أن المؤلف كان قريباً من صاحب السيرة، وهو ما يفسر إغداقه الصفات الحميدة عليه وإسرافه في حكاية وقائع حياته.

ميامر باسيليوس الكبير
(سيرة الرهبان وعبادتهم)
من أشهر رجال الكنيسة في القرن الرابع الميلادي، القديس باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية كبادوكيا. ولد سنة 329 ميلادية، وتوفى (تنـيَّح) في الخمسين من عمره، بعد تسع سنوات في رتبة الأسقفية (من 370 إلى 379) وقد لقب بالكبير، تقديراً لأعماله اللاهوتية التي جعلت منه واحداً من أهم قدِّيسي الكنيسة الأولى، مع يوحنا ذهبي الفم وغريغوريوس النازينـزى.. نشأ في أسرة مسيحية ذات مكانة مرموقة، وصار أخواه أسقفين: غريغوريوس أسقف نيصص، بطرس أسقف سبسطية.
وقد دافع باسيليوس في مؤلفاته وخطبه ومواعظه، عن الإيمان الأُرثوذكسى (الإيمان القويم) ضد الآريوسية، وبلغت مؤلفاته حوالى الخمسين وأربعمئة رسالة (ميمر) منها هذه الرسالة التي جاء عنوانها في المخطوطة كالتالي: المسيح رجائي وعوني ومخلصي، من تعليم القديس ماري باسيليوس أسقف قيسارية، في سيرة الرهبان وعبادتهم.
وتبدأ المخطوطة بقوله: يا إخوتي، أنا أرغبُ إليكم من أجل حب ربنا يسوع المسيح، الذي أسلم نفسه عنا، من أجل خطايانا.. إلخ. ثم يلي ذلك (ورقة 165 ب وما بعدها) تعليق آخر للمؤلف نفسه، يبدأ بقوله: ينبغي للمسيحي أن يكون اهتمامه في الذى ينبغي للدعوة السماوية، وأن تكون سيرته كما ينبغى لإنجيل المسيح.. والميمر الأخير، يبدأ من الورقة (168 أ) إلى آخر المخطوطة التي تنقص من آخرها، وهو: جواب صحيفة إلى مار غريغوريوس، يقول فيه: عرفت شبهك من صحيفتك كما يعرف الرجل شبه صديقه من ولده! فأما ما زعمت بأنك تقدر أن تشتاق نفسه بأن (إلى أن) يكون معنا، من قبل أن نصف لك سيرة هذا الأمر الذي نحن فيه من حال الرهبانية.. فأما أنا، فإنى أستحي (أن) أكتب إليك بسيرتي في هذه البرية، الليل والنهار لأني تركت المدينة.. إلخ.
والمخطوطة تقع في إحدى عشرة ورقة، كتبها الناسخ نفسه (أغاثون بن مصبح الطوراني) في سنة النسخ ذاتها (636 هجرية، 6747 لآدم، 1239 ميلادية).. والمجموعة كلها مجلدة في غلافٍ خشبي مكسو بجلد قديم متآكل.