أيها الشيخ
لِمَ لَمْ تودّع عزيزك جيدا
ومضى دون وصيـة
هو الحبيب ما برح بين يديك
يمرح... وألعاب
هل أبقى في لحيتك بعض لمسة
هكذا دون وداع
يفارق الأحباب!
أيّها الشيخ
وليدك قد نأى
وكم سيطوّحه العذاب
فضمّ إليك قميصه ضمّة
لا تخش أن تكسّر له ضلعا
أمست خاوية من يوسف
هي الثّياب
وقل: ما يقوى على يوسف ذئب
ولكن بعض إخوته ذئاب!
زمن مضى / زمن أتى...
أوّل الشّهر اليوم
اِنتظرت دوري ساعتين
لأتسلّم الرّاتب
يا وقتنا الضّائع
يا جيلنا الخائب!
وغدا... عيد ميلاد زوجتي ليلى
وقيسُها في المتاعب
أختار هديّة لها
ولعبة لابني زياد
روتين العمل / ثرثرة المقهى
معذرة يا يوسف إن تشاغلت عنك
بالمال والبنين / زينة الدّنيا
لكنّ الذي في القلب / في القلب!
معذرة يا يوسف إذ تركتك في الجبّ
يبللّك الماء / أمامك الحجر
والتراب
وستون ذراعا في الغياهب متوالية
كم هي الأرض الآن فوقك عميقة
عالية / عالية
ترنو إلى السّماء
فإذا السّحاب سحاب
وإذا الأحد عشر كوكبا
والشّمس والقمر
كأنّها لك ما سجدت
فاللّيلة قد أفلت
وركعت أنت وبكيت!
يوسف... اُسْكُنْ قلب الأرض
وأنصت إلى النّبض
يدقّ في اللّيل
يدقّ للنّهار
هذا الدلو نازل
يوسف اِصعد...
تأخذك السيّارة
ويأخذني القطار!
وأنا...
أدخل العمارة وأدقّ باب شقّتي...
تفتح لي كالعادة قبلتان
- تأخّرت قليلا... اليوم أيضا!
- آسف...و معذرة!...
أخلع حذائي.. وساعتي
أعلّق رأسي على المشجب
أضع مكانه المخدّة
أتجوّل وحدي في خيالاتي السّرية
فتبزغ عيناي على سقف الحجرة...
أنت... يوسف / جمال وشباب
اِمرأة العزيز التي أنت في بيتها
هيت لك!!
ومُوصدة أمامك الأبواب
سرير ناعم / وأعناب
ونسوة المدينة كلّهن زليخة
يقطّعن أيديهنّ
وليكن ما يكون
فالأرض من الدّم مادت
والتّي قطعت قلبك غابت
وما جاء منها جواب / حرس دونها و حراب
يوسف الآن
وجهًا لوجه مع السّجان
يفتح عليه بابا / ينغلق عليه باب
والسّجن أرحب من المدينة
ما الفرق بين الزنزانة والعمارة!
وحيدٌ يوسف في الظّلام
يحتلّك الأسى
ولا تحملك البحار / ولا تسعك النّساء
تقول للأصدقاء:
يا أصدقاء.. هل نحن أصدقاء!
وترنو بعينيْ يوسف في الفضاء
رداءة وخراب!
يوسف نـبّـئـنا بما نرى:
سبع سنابل أغنياء / تلتهم سنابل فقراء
تقول:
سيكون النّاس سواء سياء
كسنابل الزّرع
في الحقل
وسيكون ديكور الدّنيا ليس كالعادة
وربيع بعد الشّتاء
وستأتي التي لا بد أن تأتي وستسقط الأرباب
فيا سائل دروب العاشقين
دماء العشاق جواب!
وسجنك يا يوسف سجن
لا حمامه أبي فراس قربك تنوح / ولا أمل يلوح
ضاقت بك البيداء
نسيت الخيل واللّيل
وحضر البكاء
فتوسّد يوسف يدَك
ونم!...
أعدّل ساعتي قبل أن أنام
فقطار السّابعة لا يرحم
تناول ليلى زيادا رضاعته الأخيرة
ثم تأوي إلى صدري
كالقطّة الأليفة
وننام...
مساء الخير / قلت ليوسف بالحزن
صباح الخير / قال يوسف... لرفاق السّجن!
ـ تونس ـ 1984 ـ
التعليقات