وزير الثقافة السوري د.رياض نعسان أغا لـ quot;إيلافquot;
الثقافة العربية بخير انتصرت على أميركا وهزمت مشروع الصهيوني
** نشتم صباح مساء، تنتقد الدولة صباح مساء، وشخصيا عندما يأتي يوم ولا أجد فيه عشرين مقالا ضدي، أقول ما الحكاية؟!
** لا أريد لأي مثقف أن يقف أمام قاض ولكن المثقف ليس معصوما، العصمة للنبي وحده
** المثقفون العرب لعبوا دورا هاما بعد أحداث 11 سبتمبر وتمكنوا من الدفاع عن هويتهم العربية
** لا أصدر قرارا خلاف رأيي إطلاقا، لأنني عندما أقع أمام هذا الامتحان سأنسحب
** الرئيس بشار الأسد شاب مثقف وذكي ويعطينا الثقة الكاملة، ورئيس وزرائنا رجل محنك ولديه خبرة عظيمة جدا في الإدارة
** في سوريا لا يوجد أي فصام بين موقف الشارع وموقف القيادة
محمد الحمامصي من القاهرة: قبل أن يكون مستشارا سياسيا لرئيس الدولة حافظ الأسد وقبل أن يكون أستاذا بالجامعة وعضوا بالبرلمان وسفيرا لبلاده في عمان ثم الإمارات ومديرا للتليفزيون السوري وأخيرا وزيرا للثقافة، كان رياض نعسان أغا وزير الثقافة السوري كاتبا مبدعا يشارك في الحياة الثقافية والفكرية العربية بحضور قوي ومتميز، ويتابع عن كثب قضايا وهموم الإبداع والفكر العربيين، فضلا عن متابعته لشئون وشجون الأمة العربية، وكتبه وكتاباته تكشف عن فراد رؤاه وعمقها واستنارة طرحها، من كتبه: بين السياسة والإعلام، سارح في الزمان، لأجل ذلك يحظي باحترام ومحبة المثقفين سواء في سوريا أو خارجها.
ود.رياض من مواليد 1947، درس فى جامعة دمشق وتخرج في كلية الآداب، وحصل على دكتوراه فى الفلسفة، عمل مدرسا للأدب العربى، ثم عمل مديرا لبرامج التلفزيون ومديرا للانتاج الدرامى ونائبا للمدير العام لهيئة الاذاعة والتلفزيون، وقدم العديد من البرامج الثقافية وكتب عددا من المسلسلات التلفزيونية السورية والمصرية، انتخب عضوا فى مجلس الشعب /1990، ثم عمل مديرا لمكتب الشؤون السياسية فى رئاسة الجمهورية.
** أيام وينتهي عام دمشق عاصمة للثقافية العربية.. كيف هو الحصاد؟ وهل أنت راض عنه؟
** أولا أود أن أقول إن الرضا حالة صعبة، عندما أقول أنا راض فكأنني حققت كل أحلم به، لكنني لست متشائما مما حدث، أو بالأحرى لا أنقص شأن ما حدث، لقد فعلنا أكثر من قدراتنا علي الفعل، وضعنا ميزانيات ضخمة، ونفذنا برامج هامة جدا، غاية في الأهمية، وأستطيع أن أجزم، لا أن أقول إنني أظن بأنه ما من دولة عربية تمكنت من أن تفعل مما فعلنا، نحن في هذا العام عام 2008 قمنا باستقدام أعظم الفرق الفنية العالمية، زارنا كبار الشخصيات الدولية العالمية، حققت معنا الأمة العربية أضخم مشاركة عربية ممكنة، استضفنا في وزارة الثقافة ثمانية وعشرين أسبوعا ثقافيا لغاية اليوم وربما قبل أن يصدر العدد الذي ستنشر فيه هذا الحوار سيكون العدد وصل إلي 31 دولة تشاركنا في أسابيع ثقافية، الأمة العربية جميعا لبت دعوتنا ودول صديقة أجنبية شاركتنا، شاركتنا الصين بقوة، والهند، وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وهذا يدعو إلي أن يستبشر المرء خيرا في أن دمشق تمكنت في عام 2008 من أن تحقق برامج ثقافية هامة جدا، كان لدينا ربما شيء يفوق ما كنا نتأمله، كان لدينا حظوة بأن تكون معنا فيروز وأن يكون معنا زياد الرحباني.
كانت لدينا مهرجانات ثقافية هامة جدا، مهرجان دمشق المسرحي، ومهرجان دمشق السينمائي الدولي، وهذه المهرجانات التي تقيمها وزارة الثقافة مثل مهرجان بصرة، ومهرجان تدمر، مهرجان الوادي، مهرجان اللاذقية، هذه المهرجانات هذا العام خصصت للاحتفال بدمشق عاصمة الثقافة العربية، عقدنا العديد من المؤتمرات الثقافية مثل مؤتمر التواصل الثقافي بين المشرق والمغرب العربي، وملتقي الإبداع العربي، مؤتمر قضايا اللغة العربية باعتبارها مطروحة علي جدول القمة العربية. لذلك أقول إنني مرتاح لما حققناه، ولكنني لست راضيا تماما، لأن الكثير مما كنت أحلم به لم أستطع تحقيقه، أعترف لك بما لم نحققه أو لم تحققه وزارتنا، ليس المسألة شخصية، المسألة تتعلق بآليات معقدة كان لدي رغبة بأن تكون لدينا صروحا ثقافية للبنية التحتية، هذا لم يتحقق في 2008 ولكننا وضعنا أسسه لأنه يحتاج إلي زمن أطول لكي يتحقق.
** ماذا عن المثقفين والكتاب والمبدعين، ماذا قدمت لهم عاصمة الثقافة؟
** لا، ينبغي أن تساءل ماذا قدموا لدمشق عاصمة للثقافة لا ماذا قدمت لهم؟ قدمنا لهم الإستضافة والفنادق الضخمة والمهرجانات والمسارح، قدمنا لهم كل ما يحتاجه المبدع والمثقف من أدوات من سيارة تستقبله في المطار.
** قصدت المثقفين السوريين؟
** كلهم كانوا معنا، المثقفون السوريون كانوا معنا ووجدوا فرصهم الإبداعية بمبالغ مالية لم تكن تصرف في غير هذا العام، يعني مثلا كانت هناك منحة للشباب الذين يصنعون سينما، يكفي أن يتقدم أحدهم للأمانة العامة ولإحتفالية دمشق ويقول لدي فكرة كذا، لكي يأخذ المبلغ ويمضي، ولا أحد يحاسبه ـ بالمناسبة ـ لأنها فرصة إبداعية، قدمنا معارض تشكيلية وفنية للشباب الذين لم يعرضوا من قبل وأعطينا منح مالية للفرق المسرحية التي بوسعها أن تقدم أفكارا، كان هناك إقبالا كبيرا لاسيما أن الاحتفالية لم تقم من قبل وزارة الثقافة، كانت وزارة الثقافة كانت تقدم برامج داعمة، السيد الرئيس بشار الأسد أصدر قراره بتشكيل لجنة أهلية ليست حكومية لديها كل الصلاحيات في الإنفاق والصرف، والسيدة الدكتورة حنان قصاب حسن كانت الأمينة العامة للاحتفالية من خارج العمل الحكومي، لذلك البرنامج الرئيسي والميزانية الكبيرة وضعت في يد المجتمع الأهلي.
** كوزير مسئول عن الثقافة والمثقفين في سوريا ما ردك علي الاتهامات التي توجه بين الحين والآخر للنظام السوري والخاص بتقييد وقمع حرية التعبير؟
** أعتقد أنه لا يوجه سوى عدد بسيط من الذين يحاكمون الآن، وهؤلاء ربما سيحكم القضاء لهم أو ربما يحكم عليهم، لكن العدد بسيط، هل أنت تعلم أو لديك معومات كصحفي أن هناك أعدادا ضخمة مقيدة في سوريا، أنا أعرف أن العدد بات ستة أشخاص، في بلد عدد سكانه عشرين مليونا، أن تجد ستة أشخاص يحاكمون فهذا أمر طبيعي، أنا لا أنظر إليه بأنه كارثي، بالطبع لا أريد لأي مثقف أن يقف أمام قاض ولكن المثقف ليس معصوما، العصمة للنبي وحده.
** وماذا عن حرية التعبير؟
** هل هناك شكوى معينة.. نحن نشتم صباح مساء، تنتقد الدولة صباح مساء، أنا شخصيا عندما يأتي يوم ولا أجد فيه عشرين مقالا ضدي، أقول ما الحكاية؟!
ما المطلوب؟ هل المطلوب أن يهجموا علي مكاتب الحكومة أم ماذا؟ كي لا تكون الأمور quot; فلتانة quot;، ما المطلوب؟ يكتبون ضد الحكومة، كل يوم في الصحف الرسمية والصحف الخاصة، لا يمر يوم إلا وهم ينتقدون، بالطبع هم يدهم في الماء ونحن يدنا في النار، والذي يده في الماء غير الذي يده في النار، هم يطلبون منا طلبات تعجيزية، لماذا لا يكون لدينا....؟ من أين أمول ونحن لدينا أولويات؟ المثقف أحيانا ينظر في اتجاه واحد وليس بالضرورة ينظر في كل الاتجاهات، هم مثلا يطلبون مني كوزير للثقافة لماذا لا توضع ميزانيات ضخمة في المسارح؟ أنا عندما أذهب لرئاسة مجلس الوزراء وأجد الحكومة تحاول أن تلملم ميزانيات لدعم مادة الخبز والمازوت، أتوقف عن الحديث عن تشكيل الفرق الموسيقية الكبري، لأقول عندنا ثلاث فرق سنفونية وحوالي خمسين فرقة موسيقية في المحافظات، وأقول لن أطلب المزيد فما لدي الوزراء الآخرين أهم، هذا أمر قد لا يعانيه بعض الصحفيين الذين يكتبون، دون معرفة لحقائق الأمور، أنت رب بيت، إذا كان لديك هاجس قوي بأن لديك جدار يهدد بالانهيار في المنزل، وابنتك تطلب أن تشتري لها سيارة جديدة، فعليك أن تبدأ بترميم الجدار أولا.
** كيف ترى لأحوال الثقافة العربية في ظل الأحداث التي مرت وتمر بها الأمة العربية؟
** الثقافة العربية بخير وليس كما يقال تنهار، الثقافة العربية انتصرت علي أمريكا وانتصرت علي المشروع الصهيوني، رغم ضعف وسائلها تمكنت من قهره ونحن عبر الحوار الجاد الذي قام به المثقفون العرب تمكنا رغم كل سطوة الإعلام الصهيوني من أن يكون حضور دولي كبير وأعتقد أن المثقفين العرب لعبوا دورا هاما بعد أحداث 11 سبتمبر وتمكنوا من الدفاع عن هويتهم العربية، وهذا الذي تراه اليوم خطير جدا، نحن في سوريا كان المخطط يقضي بعزلنا، يعني كانوا يريدون عزل سورية لأنها لم تمض في المشروع الصهيوني الأمريكي، لكن ما الذي يحدث اليوم، اليوم هم يعتذرون عن عزل ويقولون لا يمكن، لأن الثقافة العربية القوية التي تمسكنا بها كانت هي الحصن الذي كان معقلا ضخما تمكنا من خلاله نحن وقبلنا المناضلون الفلسطينيون، قبلنا هؤلاء المحاصرون في غزة، وقبلنا هؤلاء الذين في جنوب لبنان، ما الذي دفعهم إلي هذا الانتصار في العام 2006، بنية الانتصار بنية ثقافية، بنية فكر، بنية عقيدة، إيمان عميق جدا بمقومات الشخصية العربية وقدرتها علي المقاومة، هذه المقاومة هزمت المشروع الأمريكي، إسرائيل خرجت من العام 2006 مهزومة، ونحن المنتصرون.
** ألا ترى أن هناك بين كونك كاتبا ومبدعا ومثقفا وبين كونك مسئولا في السلطة نوعا من التناقض؟
** لماذا؟ هل مطلوب أن يكون الوزير جاهلا؟ هل معيب أن يكون وزيرا ما مثقفا في حكومة، بالعكس ابن خلدون كما تعلم رجل دولة طوال حياته، ولكنه صاحب كتاب المقدمة، ما العيب الذي تراه؟ لما التناقض؟ هو المفروض أن يكون الوزير مثقفا وأن يكون عارفا، أما ألا يكون مثقفا فهذا هو التناقض، أنا بالعكس أشعر بأنه لا يوجد تناقض، بينما يوجد تكامل، المثقف هو المسئول عن قومه، وهو الذي يجب أن تكون بيده المسئولية وليس الجاهل، أين التناقض؟
** ألم تصدر قرارا بغير رغبتك كمثقف وكاتب ومبدع؟
** لا أفعل، لا يمكن أن يحدث ذلك، لا أصدر قرارا خلاف رأيي إطلاقا، لأنني عندما أقع أمام هذا الامتحان سأنسحب، لا يمكن، ولم أتعرض لمثل هذا الامتحان، لأنني لست وحدي المثقف في حكومتنا، كل الحكومة تكنوقراط، والرئيس بشار الأسد شاب مثقف و ذكي وهو يعطينا الثقة الكاملة، ورئيس وزرائنا رجل محنك ولديه خبرة عظيمة جدا في الإدارة، فما الذي يحرجني؟ لا شيء علي الإطلاق، لم أتعرض لأي إحراج، الآن أمضيت حوالي خمس سنوات مستشار سياسي لرئيس الجمهورية، ست سنوات سفير، ثلاث سنوات وزير، قبلها خمسة عشر عاما مسئولا عن التليفزيون السوري لم أتعرض لأي امتحان، دائما كنت أفعل الصواب وأجادل فيه وأستطيع أن أقنع الآخر بصوابية رأيي، لا توجد في ذاكرتي حالة أنني اضطررت فيها أن أفعل شيئا رغما عني، بوسعي أن أنسحب، وهذا لم أتعرض له، بدليل أنني مازلت مستمرا، ربما يكون أيضا لقدرتي أن أدافع عن الرأي الصحيح فضلا في هذا، لأن كنا كثيرا في المناظرات والمناقشات ـ وكنت عضوا بالبرلمان ـ أجد آراء لا تتسق مع رأيي، ولكن لا يصح إلا الصحيح، وهذا لا يعني أنني علي صواب دائما، فكثير ما أكتشف بأن الفكرة التي أدافع عنها فلانا نابعة من واقعية أكثر من حلمي وهذا أمر آخر يطول الحديث فيه، يعني أنا عندما أجلس في البيت من واقع المثقف أقول لماذا لا يكون عندنا في كل محافظة دار أوبرا، أما عندما أكون وزيرا للثقافة أدرك أن كل دار أوبرا قد تكلف مليار ونصف، فأنا إذن بحاجة لعشرين مليار، وأدرك أن وزارة المالية لا تدرك ذلك، عندما أكون جالس علي أريكة هادئة في بيتي لا يعنيني ماذا تملك وزارة المالية، الآن وأنا وزير أعرف أين يذهب الإنفاق العام، وأدرس الأمور بواقعية الميزانيات.
** هل ترى العربي الرسمي في المجال الثقافي يسير بشكل جيد؟
** ممتاز، وأعتقد أنه يمثل الحالة الصحيحة والسليمة في الأمة وأتمني لو أن التعاون السياسي يرتقي لمستوى التعاون الثقافي.
** علي الرغم من أن الكتاب السوري غير متواجد في مكتبات البيع في القاهرة؟
** هذا موضوع آخر، أنت تتحدث عن التعاون الموجود بين وزراء الثقافة العربية، بين المثقفين العرب، يعني أنا لا أذكر أننا أقمنا ندوة ما أو مهرجان في دولة عربية ما وغابت عنه دولة ما، حسبي أن أذكرك بأننا في آخر مؤتمر لوزراء الثقافة العرب، دعونا جميع وزراء الثقافة العرب بمن فيهم الدول التي لم تكن العلاقات في هذه الآونة علي المستوى السياسي علي قد المستوى الثقافي، الجميع جاءوا، لم يتخلف أحد، لأنه في الثقافة الأبواب مفتوحة، أما لا أجد الكتاب المصري في لبنان ولا أجد الكتاب المغربي في تونس، هذا موضوع أخر يتعلق بآلية معقدة، بآلية المطبوعات والنشر والتكاليف وسوى ذلك لكن إبداعيا هل هو ممنوع، لا أعتقد ذلك، لا يوجد منع، ولا تنسي أننا نسد هذا الفراغ الذي تتحدث عنه، نحن نسده رسميا، نقيم في كل عام أكثر من عشرين معرضا للكتاب، انظر ينتهي معرض الكتاب في مسقط، ليبدأ في أبو ظبي، ينتهي في أبو ظبي يبدأ في الشارقة، ثم ينتقل للكويت، فدمشق، ومصر ثم لبنان والجزائر، لماذا هذه المعارض للكتب لكي تكون السوق العربية علي الدوام، علي مر العام، مفتوحة للكتب ولكي يتم الرد علي مثل هذا السؤال.
** علاقة الثقافة بالسياسة في سورية أكثر ترسخا لدي المثقف عنها في الدول العربية الآخرى بماذا تفسر ذلك؟
** لا يوجد أي فصام بين موقف الشارع وموقف القيادة، وهذا أمر مهم، خذ موقف الشارع من المقاومة، كل الشعوب في الشارع مع المقاومة، الكل يهتف لحماس، لحزب الله، للمقاومة العراقية، هناك حكومات لها موقف مختلف، أما في سوريا فالموقف موقف شعبي رسمي، لذلك تجد هذا التماهي وهذا الانسجام، ماذا يريد المثقف العربي، يريد المثقف العربي حضورا قويا لأمته عبر مقاومتها، هتف للشيخ حسن نصر الله عندما قاد حرب تموز 2006، ما موقف السلطات العربية، كان متناقضا، أناس يقفون ضد هذا، أناس لا يريدون هذه الحرب، أما في سورية فماذا سيقول المثقف وهو يري القيادة قبله تدعم حسن نصر الله وتدعم خالد مشعل وتدعم كل المعاني النبيلة في هذه الأمة، ماذا سيقول المثقف، من سيقف ضد هذه الإرادة لن يكون مثقفا، سيكون متواطئا مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة ومع المشروع الصهيوني، لذلك لا تجد عندنا يحاكم لأنه مع المقاومة، قد تجد من يحاكم لأنه يريد مسألة أخرى.
وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح ورأيت أننا كنا علي صواب وانتصر حزب الله وصمدت عزة وستصمد، إسرائيل لن تجد أمامها مهربا، لن تستطيع إلا أن تلبي حقوق الشعب الفلسطيني، نحن قبل أيام أقمنا مؤتمرا ضخما حضره أربعة آلاف وخمسمائة مثقف من الأمة العربية من أجل حق العودة، ماذا سيقول المثقف أكثر من هذا، ماذا سيقول النظام السوري، النظام السوري هو من أقام هذا المؤتمر، إذن ماذا تقول أيها المثقف؟ هل ستذكر الحكومة بحق العودة؟ هي يا سيدي من تذكرك، لذلك هذا الاتساق أو الانسجام بين الموقف الثقافي، الموقف الشعبي، الموقف الرسمي، نحن لا توجد لدينا مظاهرات تطالب السلطة بأن تكون لها مواقف جيدة، قد تجد ذلك في بعض الأقطار العربية، لكن لا تجده في سوريا.
تجد أناس يصدرون إعلانات يطالبون بأشياء لا نسمح بها ولن نسمح بها، يعني هؤلاء الذي يطالبون ما هو فوق الثوابت أو تحتها.
** كيف تري للحوار الحضاري والثقافي العربي والغربي وما الأسباب التي تؤدي به إلي الفشل كثيرا؟
** أنا لا أذكر أننا خضنا حوارا وفشل، شخصيا أدرت حوارات كبيرة مع الغرب ومع الشرق، ذهبنا في حوار عربي ضخم جدا إلي الصين كان ناجحا للغاية، وقبل أسبوع جئنا من عربي ضخم شاركت فيه الأمة العربية كلها، حوار مع الهند كان ناجحا جدا، قمنا بحوار ممتاز جدا مع الإتحاد الأوروبي، شخصيا كنت في هذا الحوار والفنان فاروق حسني أيضا وعدد كبير جدا من الوزراء العرب، وفي أثينا أقمنا هذا الحوار.
** لكن هذه الحوارات غير فاعلة أو مفعلة علي مستوى المجتمع العربي؟
** نحن نقوم بالإعلام المطلوب، لكن ماذا تريد، هل نعود أهل القاهرة لزيارة باريس لكي يقيموا في الفنادق ويقيموا حوارا، هذا أمر يقوم به المثقفون وهو فرض كفاية وليس فرض عين، يعني يقوم بذلك الوزراء والمثقفون والمفكرون، انظر إلي مكتبة الإسكندرية كم حوارا ناجحا عقدت، انظر إلي جامعة القاهرة كم حوارا ناجحا عقدت، المثقفون المصريون قادوا ربما عشرات الندوات الحوارية مع الغرب وكلها كانت ناحجة بدليل، أن صموئيل هنتجتون تراجع عن فكره، فوكاياما تراجع عن فكره، الكل يأتون ويعتذرون وأخيرا وربما ليس أخرا آخر من اعتذر جورج بوش وقال لقد كنت أمضي وراء أكذوبة في حربي علي العراق، هذا نتيجة الحوار، ونتيجة المقاومة، وأيضا لعلك تذكر جيدا أن كولن باول ورامسفلد اعتذر وكيلي نحر، وهذا نتيجة صمود الثقافة العربية في تجلياتها السياسية والمقاومية.
** ما هو تفسيرك لتصاعد المد الأصولي الإسلامي حاملا لخطاب التكفير؟
** أنا لست مع خطاب التكفير وأرفضه رفضا قاطعا وأنا ضد تفسير كلمة أصولية تفسيرا غير دقيق، ما المقصود بالأصولية؟ أنا لا أدري، ما الأصول، هذا التفسير السياسي اليوم يحتاج إلي إعادة تعريف، أنا رجل مع الأصول، أحب الأصول، وأي شيء أصلي، ما المقصود بالأصولية، إنني أحدثك كرجل مثقف وليس كوزير، كمثقف أنا مع الأصولية، أن نتبع الأصول الصحيحة وألا نذهب إلي الالتواء، أما أن تركب هذه الأصول وتحول إلي مناشط سياسية تحت يافطة الإسلام فهذا أمر أخر، أما من يعترض علي الأصول في الإسلام فهذا أمر آخر، هناك كليات تحمل مسمي أصول الدين يتخرج منها طلاب، هل تريد أن نقضي علي أصول الدين، ما الذي سنبقي؟ ذنبه، الأصول أصول حتى في الذوق أو الأدب، أنت تقول لابنك وأنت تربيه: يا ابني اتبع الأصول، نحن أهل أصول، أما أن هناك أناس يمتهنون الإسلام لكي يجعلوا منه مطية لغايات سياسية، يكفرون وينفرون ويجعلون الناس تعيش في حالة اضطراب فهؤلاء لسنا معهم، ويجب أن نوعي المجتمع، التكفير لا يجوز، لا يمكن لإنسان أن يكفر إنسانا آخر لأن الإيمان عند الله، أذكرك بحادثة مالك بن الريب عندما وضع خالد بن الوليد السيف علي عنقه في معركة اليمامة قال أشهد أن لا إله إلا الله، فقال له خالد: اليوم قلتها يا كافر وقطع رأسه، عاقبه علي ذلك أبو بكر وعمر، قال لم نؤمر بأن نشق علي الناس قلوبهم لعله قالها صادقا، هذا الذي أحدثك عنه هو الأصول، الأصول بأنه ما دام قالها فقد آمن، أنا لست مطالبا أن أتحقق هو صادق أم كاذب، من يقول أشهد أن لا إله إلا الله هو مؤمن، والله يقول في القرآن الكريم quot; إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فكل من يقول أنا مؤمن أنا لست مطالبا بأن أشق علي قلبه وأتأكد، الدين لله هو أدرى بمن خلق، لذا أنا أريد أن لا نغرق في فهم الأصولية فهما خاطئا، نحن مع الأصول ولسنا مع الذيول، هؤلاء الذين يقيمون بالتكفير وبالتنابذ وبالضغط علي المجتمع بأخطاء خاطئة يجب أن يسمون الفكر الذيولي وهم الذيول وليسو الأصول، الأصول هم رسول الله وصحابته الكرام رضوان الله عليهم.
** لكن البعض يري أن مشكلة العالم العربي والإسلامي تتلخص في الخطاب الإسلامي وطالبوا بتجديده؟
** طبعا يجب أن يتجدد الدين، لأن الدين حياة، والحياة خلايا ولابد لهذه الخلايا من أن تتجدد كل فترة، الدين كائن حي وليس مومياء، كائن حي يحتاج إلي تجديد باستمرار في كل يوم، كيف نجدده؟ بأن نوائم العصر معه وأن نوائمه مع العصر، أنت الآن أمام إشكالات جديدة في المجتمع لم تكن مطروحة في القرن الهجري الأول، ولم تكن مطروحة في القرن الهجري الرابع، إذن أنت لابد أن تجدد، تذكر ما فعله عمر بن الخطاب في عام الرمادة، في مرحلة من المراحل سمح بزواج المتعة، في فترة أخرى منع، إذن الدين في أحكامه يتجدد، والدين يربينا علي أن نرابي أبناءنا خلاف ما تربينا عليه في فهم الأمور، الإمام علي رضي الله عنه يقول: ربوا أبناءكم علي غير ما ربيتم، لا يقصد في الأصول، ولكن يقصد في فهم العصر لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم، أي جددوا دينكم، وكما نجدد دنيانا علينا أن نجدد ديننا لكن علي أن لا تمس الثوابت، هناك أركان، أركان كأعمدة البناء لا يمكن أن تختلف إليها، لكن في الإكسسوارات ما الذي يمنعك؟ نحن كنا نسهر الليل علي ضوء السراج، الآن جاءت الكهرباء هل يجب أن نتمسك بضوء السراج، كنا نركب البغال، الآن نركب أفخم السيارات، ما الذي يمكن، في الدين هناك احتياجات ضرورية يجب أن تجددها، الآن أنت مثلا أمام وضع اقتصادي دولي تستطيع معين، لا تستطيع أن تقول بأنني سأطلق الاقتصاد الذي كان في العصر الأموي، تغير الدنيا، وإنني سعيد بأن الإسلام يمتلك هذه القدرة علي التجديد، الآن هناك شيء اسمه فقه الأقليات، هناك مسلمون يعيشون في دول غربية، هؤلاء لا نحكمهم بما نحكم عليه من يعيش في مصر وفي دمشق، لهم ظروفهم وهكذا.
** في ضوء هذه الرؤية كيف ترى لمستقبل العقل العربي خاصة في ظل غياب مشروع نهضوي عربي متكامل؟
** أرى أن العقل العربي يعاني أزمة كبيرة أمام التكنولوجيا، نحن نعاني من أمية القراءة والكتابة، وكان نضالنا عبر خمسين عاما لكي نتحرر مجتمعنا نهائيا من الأمية، جاءتنا الآن تحديات جديدة، تحديات أن العالم يدخل في التكنولوجيا المعقدة، تصور أن هناك نوعا من التكنولوجيا لا يعرفه العرب علي الإطلاق، تكنولوجيا النانو، لم ندخل النادي النووي بعد ولا أمل في أن ندخله، إن إيران تعاني الأمرين لأنها تريد أن تقوم بمفاعل نووي لأغراض سلمية، نحن أيضا أمام أزمة، أمة عربية ضخمة لا أمل لها بأن تدخل النادي النووي، وأيضا دخلنا النادي الرقمي والديجيتال دخول المستهلك وليس دخول الصانع المشارك، العالم الآن يدخل عالم الديجيتال والرقميات والكمبيوترات، ربما أبناؤنا الصغار يستطيعون أن يتجاوزوا ذلك بأن نتحول من مستخدمين إلي مبدعين صانعين، أنا متفائل لأن الشباب عندنا قادرون جدا علي صناعة البرمجيات، هذا يبشر بخير، والطريف بأن أبناءنا الصغار الذين ولدوا فوجدوا الكمبيوتر تعلموا عليه وحدهم دون أستاذ، لأنهم وجدوه في البيت، أما جيلنا الجيل الأكبر فقد اشتراه حديثا، ولا يعرف هذه التكنولوجيا، أنا أعرف رجالا في سني لا يعرفون في الموبايل أن أكثر من أن يردوا علي المكالمة، أما أن يدخل علي النظام ويقوم بعمليات فإن الموبايل بالنسبة له عالم كمبيوتري معقد، حتى نعرف أن كثيرين من الآباء إذا صادفتهم مشكلة في الكمبيوتر أو الموبايل ينادون أطفالهم لحلها، فيأتي الولد الصغير ويحل المشكلة لأنه أكثر قدرة كعقل لأنه أفاق علي الدنيا فوجد هذه التكنولوجيا.
العقل العربي الآن أمامه هذا التحدي أن ينتقل من مستهلك للتكنولوجيا إلي صانع ومشارك وقد فعلها العقل العربي في القرن الرابع الهجري، العرب بعقلهم الواسع هم الذين وضعوا الأسس الأساسية للنهضة الأوروبية والنهضة العلمية في العالم، هناك أكثر من مائة عالم كبير عربي مسلم وضعوا أسس العلم، مثلا اللوغاريتم، علم الجبر، علم التفاضل والتكامل، علم قطاع المثلثات،علم الفلك، علم العمارة، لقد وضع علماءنا الدرس الأول، وأسسنا في الفكر، تجربة ابن رشد التي لا تزال تعيشها أوروبا، وغيرها من التجارب الفكرية الكبري، هل تستطيع الأمة العربية أن تقوم بمثل هذه المغامرة الفكرية العقلية مرة أخرى، أقول نعم لأنها عليها أن تسد الفجوة، متى سد الجيل الجديد القادم فهو جيل عبقري، والدليل علي وجود هذه العبقرية اسأل كم عربيا في وكالة ناسا؟ ستجد أسماء لامعة وكبيرة.