حاوره عمر محفوظ الصعيدي

المؤمن حر ولو كبّل بالقيود، والكافر عبد ولو خفقت له القلوب.
أدرك المسيري معنى أن يكون المؤمن حراً وفق أرضية التراث والعقيدة انفتح على الغرب بعقلية الانتماء للأرض والدين، فهو صندوق ممتلئ بالجواهر وقلب ممتلئ بالحكمة والمعرفة، شعاره (كفاية) وعنوانه الحرية وبيته الحق والعدل، والجمال، متعدد المواهب والأفكار، تراه مفكراً وفيلسوفاً وشاعراً وفناناً وقصاصاً وخطاطاً.
قمة ثقافية وقامة عربية ومرجعية تراثية من الثقافتين العربية الإسلامية والغربية الاشتراكية والرأسمالية، يحفر المصطلح ويدقق في الهوية ولا يعترف بالعموميات، صاحب منهج وهدف ورؤية، الحوار معه لا يروي ظمأ ولا يشبع نهم المتلقي.
ولمعرفة بعض مما يدور في نفس المفكر والعالم الكبير quot;عبدالوهاب المسيريquot; نبدأ حوارنا معه.
بداية: دعواتي لك بالشفاء وطول العمر والبقاء وأشكرك على تلبية دعوتي للحوار بالرغم من ضيق الوقت وكثرة التعب والإرهاق فشكراً لك ثم شكراً.
- اسمح لي بطرح بعض من الأسئلة ربما تشغل عقل فئة كبيرة من المثقفين والمتلقين على صعد متعددة منها: الإسلامي والعلماني والاشتراكي والرأسمالي.
- عبدالوهاب المسيري: تفضل.

@ هل الحداثة الغربية يمكن أن تتعايش مع الخطاب الإسلامي؟ ولماذا يخاف الإسلاميون من الحداثة الغربية؟
- الحداثة الغربية لها جاذبية شديدة فهي تقوم على الخطاب المادي وهو خطاب مريح للإنسان العادي لأنه مرتبط بالحواس الخمس والرغبات الجسدية وهي تتعامل معه على قانون الجاذبية التي يسعد بها، وهذه الفلسفة المادية تبسط الأمور فكرياً واجرائياً وتركز على قانون الجاذبية للإنسان بالموديلات والصور والجنس والإعلام فنسقط في الوحل وفي الحداثة الداروينية، وهذه الحداثة لها ثمن إنساني مرتفع من الأخلاق والقيم والتراث..والحداثة الغربية قدمت نفسها لنا وأخفت الثمن حيث قدمت لنا وسائل الاتصال الحديثة والأفلام الجنسية الهابطة والعنف الأسري الذي كان سبباً في تفكك الأسرة من الداخل وضياع القيم والتراث والهوية وبالتالي أرى أن يُفتح الملف المتعلق بالثمن لهذه الحداثة..ونجيب على سؤال: كيف يمكن لنا أن نستفيد من الحداثة دون خلل وأن نتعامل معها دون ذوبان للهوية الشخصية لنا؟ وفي رأيي أن ملف الحداثة قد فتح بطريقة عشوائية فوضاوية كان سبباً في تفكك الأسرة والتلوث البيئي والأخلاقي وتسارع إيقاع الحياة الذي يؤدي إلى انهيار المجتمع من الأسرة إلى التعليم وتزايد النفقات والتبعيات.
أما عن سؤالك عن استيعاب الهوية الإسلامية للحداثة فأقول لك ما يمكن لها ذلك بعد أسلمتها وكتابة عليها (بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلو عليَّ وأتوني مسلمين وينبغي أن يعي الإسلاميون أن الحداثة الغربية مرتبطة تماماً بالامبريالية فالإنسان الغربي ما كان بمقدوره أن يحقق ما حققه من تقدم لولا النهب الاستعماري الذي استمر أربعة قرون وحتى الآن وكذلك الحداثة مرتبطة بالاستهلاكية غير الواعية نحو اللذة والفردية النفعية.

@ لو سمحت لي: في هذا السياق ما تعليقكم على مكانة الغرب لدى المثقفين هنا أعني في المملكة أمثال عبدالله الغذامي وسعد البازعي ومنصور الحازمي ومعجب الزهراني وغيرهم.
- الغرب حقيقة تاريخية موجودة في العصر الحديث ويجب علينا ألا نغلق كل شيء في أي وطن على الغرب ولكن أي فصل هؤلاء المثقفين عن الغرب أمراً مستحيلاً لأنهم درسوا وقرؤوا واختلطوا بالغرب وخاصة بالفلسفات الموجودة والنظريات الحديثة فالغرب حقيقة بنيويةي كبرى لابد من أخذها بالاعتبار دون ضياع بوصلة الهوية العربية والإسلامية..وأظن أنهم يفعلون ذلك لأنهم أبناء تراث واحد ولكن بكتابات مختلفة في التناول والمفهوم.

@ هل العروبة عرق أم جنس؟
- لا..العروبة ليست عرقاً وإنما ثقافة وكل من يتحدث العربية فهو عربي حتى لو كان من السند أو الهند لأنه يتحدث العربية في إطارها الحضاري الفضفاض أي: أنا عربي - مسلم - مصري دمياطي ودمنهوري أي أنا عربي لما أكون في أمريكا ومسلم كذلك وأكون في مصر مصري وأكون في بلدي دمياطي دمنهوري.

@ ماذا عن الدعوات التي تنادي بالعودة إلى القبلية والجنسية عن طريق المسابقات الثقافية؟
- هذا جزء من المخطط الصهيوني وجزء من التشرذم لصالح ا لتطبيع المعرفي لأنه لو عدنا إلى الإسلام الحق الذي نبذ القبلية وذمها فما معنى أن يكون هناك قبلية فرعونية وقبلية آشورية وقبلية بابلية فسيؤدي ذلك إلى وجود وطن وقبلية عبرية أي كيان إسرائيلي داخل الوطن العربي.

@ ماذا ترى على المشروع الإسلامي من صفات تؤدي به إلى قفزات إلى الإمام؟
- لا بد له - أي المشروع الإسلامي - على فتح حواراً مع الذات ومع الآخر قائم على البعد المعرفي بعيداً عن الاقصاء والعدائية محافظاً على نوع من الخصوصية والهوية الإسلامية القائمة على البعد الروحي والبعد الإنساني معاً، متسلحاً بسلاح العلم والمعرفة القائمة على حرية الإبداع.

@ ما موقفك من ثقافة اليوم وجيل القراءة وهيمنة الصورة؟
- اختلف المتلقي في ثقافة اليوم عن أمس فكنا في جيل الستينيات نعتمد على القراءة والآن اعتمد الجيل الجديد على ثقافة الصورة التي لا تدعو إلى التفكير والتأمل انما تدعو إلى التلقي السلبي فمثلاً: صورة فيلم الإرهاب والكباب ماذا تترك في ذهن المتلقي وصورة فيلم طيور الظلام ونانسي عجرم ماذا تترك في جيل من أمثالك؟ تتكون عندك ثقافة الاختلاف أي: التلقي السلبي أو ثقافة الاتفاق أي: التلقي الإيجابي.
فالآخرون هم الذين يحددون لك كيفية التلقي عن طريق الاخراج ولذا فإن القراءة مسألة يجب المحافظة عليها دائماً.

الرياض