نجمة ديترويت
كل مساء، يجلس عند حافة نهر ديترويت يتأمل الأفق المتواري خلف البنايات الشاهقة في مدينة ويندزور الكندية، يسند ظهره لصخرة ضخمة بركت بتهدّل عند الشاطئ المغطى بعباءة طحلبية ممزّقة.
في الهزيع الأخير من الليل يدس خيوط أنظاره المتعبة في رماد النهر المحتفل بالأضواء والنجوم المتصارعة في تدوين مشهد الحضور. قوارب صغيرة تمرق خلسة تدنّس رومانسية الشاطئ المحتفل بالسكوت. صوت باخرة متعبة يتسلّق الأثير، وطاويط ليلية تعبر المسافات دون تذاكر سفر.
يتشكّل المشهد في قحالة الفجر المضمّخ بالبرودة. كائنات مبهمة الملامح تلتم في حلقات عشوائية تمارس الرقص على بقايا نغمات موسيقية ثملة أدرك عازفيها الوسن، ثمّة جازٌ قديم يشرخ بصوته المتشظّي بسملة سكونه ويحيله إلى كائن متذمّر من صحوة السكارى المترنّحين على ظهر السفينة القديمة التي تجثم في الشاطئ الطيني القريب منه مثل فرس نهر عجوز أنهكها الترحال بين الماء والطين.
بدت رأسه أكثر قلقاً وهي تنسج فكرة غيابها الأول، كل الأشياء التي تسمّي الملل في قاموسه حضرت إلاّ هي، فتحول إلى كائن مرتبك يعلس لحم شفتيه مواسياً روحه التي تشرنقت بخيوط الضجر.
كل مساء، يجلس عند حافة نهر ديترويت يتأمل الأفق المتواري خلف البنايات الشاهقة في مدينة ويندزور الكندية، يسند ظهره لصخرة ضخمة بركت بتهدّل عند الشاطئ المغطى بعباءة طحلبية ممزّقة.
في الهزيع الأخير من الليل يدس خيوط أنظاره المتعبة في رماد النهر المحتفل بالأضواء والنجوم المتصارعة في تدوين مشهد الحضور. قوارب صغيرة تمرق خلسة تدنّس رومانسية الشاطئ المحتفل بالسكوت. صوت باخرة متعبة يتسلّق الأثير، وطاويط ليلية تعبر المسافات دون تذاكر سفر.
يتشكّل المشهد في قحالة الفجر المضمّخ بالبرودة. كائنات مبهمة الملامح تلتم في حلقات عشوائية تمارس الرقص على بقايا نغمات موسيقية ثملة أدرك عازفيها الوسن، ثمّة جازٌ قديم يشرخ بصوته المتشظّي بسملة سكونه ويحيله إلى كائن متذمّر من صحوة السكارى المترنّحين على ظهر السفينة القديمة التي تجثم في الشاطئ الطيني القريب منه مثل فرس نهر عجوز أنهكها الترحال بين الماء والطين.
بدت رأسه أكثر قلقاً وهي تنسج فكرة غيابها الأول، كل الأشياء التي تسمّي الملل في قاموسه حضرت إلاّ هي، فتحول إلى كائن مرتبك يعلس لحم شفتيه مواسياً روحه التي تشرنقت بخيوط الضجر.
قامة سومرية
كلّما حاول رفع نظراته إلى هامة الجدار الأجرب أسفل السقف تنهره عيون جدّته المكبّلة بحدبة أبدية، فيُنكّس رأسه في طقوس لا ترسم من الهزيمة إلاّ مرارتها، يزفرُ، يحرق الضفاف الراقدة أسفل شفتيه فتطيرُ عصافير السكون، تغزو خرائط الأبنية العتيقة مساحات ذاكرته، يعاود رزم قواه الشمعية كي يثلم حافات الخوف القاحلة في كلمات العجوز التي تناصبه التجهم والملامة، شيئاً فشيئاً تنمو رقبته وتطول علامة استفهامه، خيوط العنكبوت اليافع تتشبث بألياف أحلامه، دعاسيق صغيرة تهرول خلف قوس قزح الشآبيب الملونة، مجرات التراب والصدأ تأكل ملامح ابتسامته فتبدو قسمات وجهه صارمة وهي توبخ الفتاة التي أطلقت خصلات شعرها السمراء تلاعب الريح، صوت بارد يكنس زوايا السكون والخواء، تتأوه القطط بألسنتها النارية، كل الرؤوس تحتشد في أفق اللوحة المحتفلة بقامته السومرية.
كلّما حاول رفع نظراته إلى هامة الجدار الأجرب أسفل السقف تنهره عيون جدّته المكبّلة بحدبة أبدية، فيُنكّس رأسه في طقوس لا ترسم من الهزيمة إلاّ مرارتها، يزفرُ، يحرق الضفاف الراقدة أسفل شفتيه فتطيرُ عصافير السكون، تغزو خرائط الأبنية العتيقة مساحات ذاكرته، يعاود رزم قواه الشمعية كي يثلم حافات الخوف القاحلة في كلمات العجوز التي تناصبه التجهم والملامة، شيئاً فشيئاً تنمو رقبته وتطول علامة استفهامه، خيوط العنكبوت اليافع تتشبث بألياف أحلامه، دعاسيق صغيرة تهرول خلف قوس قزح الشآبيب الملونة، مجرات التراب والصدأ تأكل ملامح ابتسامته فتبدو قسمات وجهه صارمة وهي توبخ الفتاة التي أطلقت خصلات شعرها السمراء تلاعب الريح، صوت بارد يكنس زوايا السكون والخواء، تتأوه القطط بألسنتها النارية، كل الرؤوس تحتشد في أفق اللوحة المحتفلة بقامته السومرية.
عيون ونوافذ
تدور في رأسه الفكرة مثل فقاعة طائشة، كانت تقف بقامتها المصندلة أمام لوح المرآة، شعر دامس السواد ينعش حريق السنين، شفرات عيونها تحكي لصمته لماذا النوافذ تمطر كل الوقت حنيناً وزخاّت سحر تبلل جسده المزروع عند حدبة الشارع اللاّهث في سماء تموز القاسي، يحرك قدميه المغروزتين في إسفلت الضجر، يمسك بخيط أحلامه الملوّث بدبق الظهيرة، عيناه تتوسلان الدرفات الخشبية، سكون وسكوت يوسّم أنفاسه، كرات تتدحرج في صندوقه، يرتجف، يقف، يلتفت، يرفع رأسه إلى غابة العيون المتدلية، كل النوافذ مشرعة تتأمل تلاشيه في وقوفه السرمدي. نافذتها الوحيدة غلّفتها خيوط العنكبوت وتسلّقت أطرها أغصان اللبلاب الغضة.
تدور في رأسه الفكرة مثل فقاعة طائشة، كانت تقف بقامتها المصندلة أمام لوح المرآة، شعر دامس السواد ينعش حريق السنين، شفرات عيونها تحكي لصمته لماذا النوافذ تمطر كل الوقت حنيناً وزخاّت سحر تبلل جسده المزروع عند حدبة الشارع اللاّهث في سماء تموز القاسي، يحرك قدميه المغروزتين في إسفلت الضجر، يمسك بخيط أحلامه الملوّث بدبق الظهيرة، عيناه تتوسلان الدرفات الخشبية، سكون وسكوت يوسّم أنفاسه، كرات تتدحرج في صندوقه، يرتجف، يقف، يلتفت، يرفع رأسه إلى غابة العيون المتدلية، كل النوافذ مشرعة تتأمل تلاشيه في وقوفه السرمدي. نافذتها الوحيدة غلّفتها خيوط العنكبوت وتسلّقت أطرها أغصان اللبلاب الغضة.
التعليقات