بشار عليوي: أن ارتقاء حلم الاخراج المسرحي، يؤرق كل المشتغلين في هذا الفن الصعب. فالاحتفائية التي نبديها بنص مسرحي ما، قد تكون كافية
ربما لتحقيق هذا الحلم وربما تكون غير كافية، فتتوالد أسئلة تلقينا الواحد بعد الآخر كي تقترب أكثر من منطقة أشتغال منتجي العرض المسرحي.
وهنا التساؤل يطرح نفسه، هل اننا بحاجة(راهناً) الى أعادة تقديم المنتج الصعب من شكسبير(هاملت) ليتماهى مع مدخلات هذا(الراهن) المعاش من قبلنا؟ هذا ما حاول(جاهدآ) عرض(هاملت) في مدينة الحلة الآجابة عليه. فالطلاسم هذه وغيرها، حملناها مثقلين بأيجاد(مفك) لها ونحن نتابع(متلقين) عرض هاملت اخراج د. محمد حسين حبيب ضمن فعاليات بابل عاصمة العراق الثقافية، من انتاج نقابة فناني بابل ومديرية النشاط المدرسي في مديرية تربية بابل في خطوة أخرى تعزز الخط الآبداعي الملتزم لهذه المديرية التي يرى كاتب السطور أنها(وزارة تربية)) لوحدها عبر منجزها المتخم بالأنشطة.
النص //
لا نأتي بجديد عندما نتحدث عن المتن الحكاي لمأساة هاملت امير الدانمارك والتي تعتبر من اغنى التجارب غزارة في اشتمالها لكل مدخلات الحياة التراتبية(الحب، الثار، الخيانة، الغدر، السلطة) وربما يكون ملصق(أكون أو لا أكون) هو من أشهر ما أشتمل عليه الملفوظ الحواري للدراما الانسانية. فالغائية التي ارادها شكسبير بهذا الملفوظ، هو حث الانسان على المطالبة بحقه مهما كانت التضحية، وهو جل ما ترتكز عليه غائية الدراما بكل اجناسها.
انتقى مخرج العرض ترجمة(جبرا ابراهيم جبرا) بوصفها مرتكنة الى(شعرية) الحوار ليكون المتماهي والاقرب(حسب وصف المخرج) الى غائية الخطاب الهاملتي بوصفه ينتمي الى بيئة اوربية بحته. لذا فان المتلقي قد اشكل عليه المتن الحواري للعرض لانتهاء المعنى من حيث تبدأ الحوارية. فقد كان هناك، ضبطاً دقيقاً لمخارج الحروف وأحتفاء عاليآ باللغة وشاعريتها عبر الاشتغال كثيراً ضمن هذه المنطقة، وهو ما تحتاجه(العدة) التنفيذية الرؤيوية لمخرجينا الذي ينشدون تقديم هكذا نصوص.
العرض //
اختار المخرج قاعة صغيرة جداً بامكانيات متواضعة، مكاناً افتراضياً لتقديم رؤيته التي تبناها. وهي مغامرة اخراجية بحد ذاتها تحسب له على اعتبار ان هذا النص وفق انثيالاته التي نعرفها، يحتاج الى فضاء كبير ومساحة مكانية اوسع.
استخدم العرض(منظراً) كان في الكثير من حالالته، ثابت المعنى قابلآ لعدد من التحولات المكانية التي خدمت في بعضآ منها انساق العرض التعبيرية فبات الممثل لصيقاً بالمكان بوصفه الدالة البارزة في جسد العرض والاكثر حضوراً دون باقي مكوناته وفق معطيات سيميولوجية العرض ككل.
افتتح العرض بمشهد الدخول الاحتفالي لجوقة المهرج في حركة راقصة مهدت لبناء استرخاء في آليات التلقي لدى الجمهور، ثم توالت احداث العرض عبر انساقه التي يحكمها نص لم يقترب مخرج العرض من المنطقة الآستدلالية للمعنى و أنتاج قراءة ثانية ممكن ان نشاهد من خلالها(هاملت) آخر مغاير لمجمل الرؤى الاخراجية التي سبقته داخل المشهد المسرحي العراقي، لكننا نجد أن الفعل الآقتحامي الذي قام به المخرج بمعية كادر العمل بتقديمهم لهذا النص، هو محاولة ناجحة في جرأتهم بتصديهم له وتقديمه وهم البعيدون عن إلتماعات(المركز) بأنتمائهم الى المسرح العراقي الذي تمثله باقي مدن العراق الآخرى وللحلة السبق فيه.
كذلك مما تجدر الآشارة اليه، أننا حلقنا بأتجاه الآجابة التي نريد والتي غلفت جاهزية تلقينا وهي(لماذا هاملت الان؟) وهو ما لم يجب عليه العرض.
حاول المخرج عصرنة الاحداث عبر ادخال(الملك كلوديوس ـ علي محمد ابراهيم) وحرسه بلباس عصري من داخل صالة الجمهور ايحاءاً منه لاقتحام الاخر عنوة لحياتنا وهي(أي عصرنة أزياء الحرس )دلالة ظلت معطلة وغير فاعلة في جسد العرض بعد التحول السريع في ازيائهم ودخولهم اجواء المرحلة الزمنية لهاملت.
ومما يحسب للعرض، حسن صناعة مشاهد(الطيف ـ الجنازة) عبر حضور اللقطة السينمائية بتكراريتها وايحاءها الجمالي الفاعل داخل منظومة العرض البصرية، وهنا نجد رغم جمالية الاستخدام وحسن هيئة الشكل السينوغرافي، ان العرض وقع في تضادد قوي مابين ظلال(الكلاسيكية) التي غلفت جسد العرض بكليته، و(الرقمية التقنية) التي لجأ اليها المخرج كي يفلت من ظلال هذه الكلاسيكية التي تحنط بها اداء الممثلين. فكثرت الحواريات السردية والوقفات الطويلة مما خلق رتابة في ايقاع العرض، لكن ما حفز تصاعدية الاداء العام للممثلين، هو الحضور القوي لـ(ميثم كريم الشاكري ـ هاملت) الذي استطاع ان يطغى باداءه عى باقي المؤدين و(علي حسن علون ـ بولونيوس) الذي كان بطل العرض بلا منازع، وليس المؤدي(علي محمد ابراهيم ـ الملك كلوديوس) الذي اطلق عليه هذا اللقب احد الكتاب جزافاً، حيث لم تسعفه مجموعة الحركات التي يكررها في كل عمل يشترك به والايقونة الجسدية /الصوتية الثابتة له.
اما(نور الهدى ـ اوفيليا) فيمكن القول ان حضورها على المسرح كان باعثاً للاستحسان الطيب من قبل المتلقين فيما كان اداء كلاً من(محسن الجيلاوي ـ روزنكرانتز / محمد المرعب ـ غلدنسترن) منمطاً وكان وجودهما عبئاً على العرض. لكن(حسن الغبيي ـ الحفار / ثائر هادي جبارة ـ لايرتس) قد كانوا في احسن حالتهم الادائية، وكذلك الحال مع(حسين العسكري ـ هوارشيو).أما(غالب العميدي_الطيف) فقد أدى ماعليه من دور، فيما كانت المنظومة الصوتية لــ(جنان ستار_الملكة غوترود) معطوبة بالكامل.
وقد حضرت بقوة، التصاميم البصرية لآضاءة نورس محمد غازي والمنفذة من قبله، فحلقنا عاليآ مع مجمل الفعل الجمالي المتصاعد لهذه التصاميم التي يراها كاتب السطور أنها قد أقتربت كثيرآ من التصاميم البصرية لعروض مسرحية عالمية شهدتها مهرجانات دولية، وهذا من مكنونات التجربة الآبداعية لفنانينا العراقيين من الفنيين الذين لاتقل أهمية وجودهم عن أهمية وجود المخرج نفسه.وكذا الحال ينطبق على(علي عدنان التويجري) مصمم ومنفذ الموسيقى التصويرية.
كذلك لابد من التنويه، أن دليل العرض، قد حوى بيانات خطابية سردية لجهتي الآنتاج بالتماهي مع السردية التي وقع فيها العرض كان على المخرج الآنتباه لذلك كون قراءة العرض تبدأ من الدليل.
كذلك جعل أثنان من المؤدين يسبقون مؤدي(هاملت) في التحية التي تحولت الى جو أحتفائي مكمل لمجمل أحتفائية مقدمي هذا العرض بـ(هاملت).