إلى ركادولا غراشي
الحبل السرّي الذي يجمعنا

- 1-

كأننّي عاطلٌ عنيّ.
يزحفُ جيشٌ من مقدمّة قلبها نحو بوابّتي، مؤكّدا ً ازدهار وردة ٍ، وتفّتح ِ جسد.
كانّها عاطلة ٌ عنها، في مِزقها وإطراقتها نحو الغيوم. كأنّنا عاطلان ِ، عن نوافذ َ مفتوحة ٍ على الأنخاب.
كأنّني ثائبٌ إلى هاوية ٍ هناك في المطار، أو في مدينة المعدن ِ وقصائد المقهى. كأنّه ُ حلمُ تنقصه ُ رحمة المحبّين َ والحواليّين َ في احتفالنا بالمذاق. هناك تنفلتُ فتنة ٌ، كلّما لمستُ فراشها، وتيّقنت ُ أن امرأة ٍ عارية ٍ، تستيقظُ على مَهَل ٍ كالخوافي، أو بجسارة ٍ مثلَ صباح ٍ شعبّي ٍ في سوق الغزل، أو اصطياد ِ طائر ٍ عجيب. تتمايع ُ، تنهدلُ، تتفصحّن ُ،quot; وداعا ًquot; وأنا باق ٍ مثل عمود ٍ مُتخلخل، او شبح ٍ خرج من
حفرة ٍ. كلّما قالت quot;حبيبي quot; يقع الطائرُ من قلبي، مع رماّنة ٍ تنفرط ُعلى سجّادة ٍ نظيفة، فنهذي حتّى صباح الغد الناحل ِ بصحبة مخدع. كأّن شيئا ً من ناكر الجميل يعترف بآهته ِ قبل قدوم القطار. وكأّن المحطة َ تفضم روحه ُ بوحدتها. وكأّن الحوالييّن َ ضحايا حَرَج ٍ أو مُلمّة. بأيّ نجدة أثق ُ والنيرانُ ترتفعُ حول البيت ؟ كأنّي قاتلتُ دبّا ًوانهرتُ. كأّن قطيعا ً من التماسيح يحاصرني في مستنقع. كأّّني انحدرتُ من جبل ٍ مع ثورٍ وحشيّ إلى هاوية ٍ. وكأّن نسرا ً ياكل قلبي قطعة ً قطعة ً وأنا أتفـّت، المُحّبُ حزين ُ وملائكته تخلّتْ عن أجنحتها، في حانة ٍ روادها يهمسون بامرأة ٍ بثوب ٍ أسود وشفاه ٍ تتمتّع ُ بالطرب ِ وعينين ِ لُغويتيّن ِ. المُحّبُ يُظهرُ تمرينه ُ بمهارة الأرملة.

- 2 -

بعدَ أقدميّة ِ الندامى، يُفصحون َ عن كُريّات دمهم كُريّة ً كُريّة،كلّما ابتسمتْ في مرآة الجمع أو بكتْ في انفرادي، سائلة ً عن هويّة الخيال، مُفكّرة ً بقناطرَ وقطيفة ٍ، وحقائب َ مُختفية ٍ تحت سلالم َ، كما في زُحمة ظلام. كما في فيلم ٍ بالأبيض والأسود، كما في قصر ٍ ريفيّ يبحث فيه اللصوص عن الجوهرة. عمل ٌ مؤلمٌ يحتفي بعزلته وارتباكه. مثلَ كلِّ تلك الغروبات على شاطيئ رمليّ ٍ بقلوب ٍ حارة. لا تهدئة ولا مستشفى تفي حقّ َ الحُبّ الآن. إنُه ُ ينفي أحباءَهُ، يُسيئ إلينا بشحوبه، باضمحلال توقه ِ، بتأخّر فجره. عملٌ مؤلمٌ حُلو ٌبانكشافه ِ وستره: جغرافيّة العين. تاريخ الشرارة. هزيمة اليقين في حياء الجملة. وقاحة المتواري يسطو على جارة ٍ نائمة ٍ تحلُمُ باغتصاب.
كلّ هذا في مرآة انفرادها، وهي في مرآتي.
ولأنّها لم ْْ تأبهْ بنا : نحنُ قرّاء المقام والموشحّات الأندلسّية في قصرها الكبير، على مقربة ٍ من شهقة ٍ أو صُعَداء. ولأنها داخلة في الحكاية الداكنة عن أمير الظلام، عن الأحراج ِ والغناء، أمضتْ سهرتها بحياكة سجادة ٍ للذكرى، مثل بنج ٍ موضعّي،أو سرير الأرملة، وينتظرها الرجلُ قبالتها تبكي، موّدعة ً عصافير المغرب من زجاج البار، منحدرة ً إلى حفاوة السهوب. كلّ هذا في مساء ٍ مُكتمل ٍ بالضوء والإنشداه. كلّ هذا في زمن خطأ وجيران سوء. لأنها ُتبقي بقعة ً من مقاصدها اجوب فيها، تترك ُ ورقة ً على الباب و ُتخلي آثارها. لأنها تتلّفت ُ هنا وهناك باحثة عن طائر ٍ تائه ٍ، وأنا قبالتها، أُمسكُ بريشة ٍ من ذيله ِ الأبيض. ُأمسك ُ بأثر ٍ جديد.

- 3 -
أمّا بعدُ، فلا أنين فرقة الإنشاد ولا مواساة أمّ كلثوم يوقف ُ هذا الزَّخ َ، لمن يتوسّل هدوء ريف. لأننا أصغينا إلى الوقع ذاته، بين كل تلك الترانيم الأرضية. كان علينا أن ُنمسك َ برأس الخيط وسط َ ثلّة الأمسيات، حيث صخرة ُ الماضي ورغبة ُ الينبوع. ولأننّا بلا ذخيرة ٍ في شتاء أعزل، مع أشباه ُمهدَدّينَ بالقول، سافرنا وسط هزّة ٍ وزلازل. وسط َ عميان يدحرجون صراخهم في معركة. لأننّا نسافر هكذا : بمشّقة ِ الغريب،
وقلق ِ المتسوّل،
وانكسار المطلّقة.
لكنّه الشجار متلائما ً مع خريف مضى، أعني:
صداقة َ الحاجبين. تاريخ َ النظرة ِ. غّراءَ تستوعب القادمين إلى موانئها. رأس فريق إلى المعضلة.شهوات ذهبيّة وفودكا بالليمون. صوتها حيثُ طيورٌ أسيرة تقع من النوافذ. وأعني، ربما، كثرة َ الهمس في القرى، وتوّتر الكحول في المدن.شربة ً شربة ً، وكأسا ً فكاسا حتى يصحو الفجر على الغائبين. وأعني جمالها، كلّما انتبهت ْ غلى هروب غزالتها، بعيدا ً عن حاشية الكلام. ثّم ُترصّنُ الفوضى، وتفوضن ُ الأتيكيت، خافية ً آثارها عن الأدِلاّء وشهود الزور. فبأيما quot;معاًquot; نُرحّبُ بنا؟ الضوضاء التي ابتعدتْ عنها، تأكل نيرانها بقية شتائي. لأنها تدرك أني وحيد ٌ بما يكفي لأراهن على صلابة العود في ظهيرة ٍ ثوريّة ٍ، لأناقش َ المّد َ وأحاسب القضاة. وكانّي أهوى لائي َ المعذبة ورأسي اليابس. كأنّي في المحجر أشتم حرّاسي على مرآى من العقيدة. وكأنّنا قطبان ِ يبحثان قضية الحدود، بمساعدات ٍ جانبية تلهمنا وقتا ً خالصا ً كالذهب، ونداوة على جانب خفيّ من النهر، نهر عبورنا المُضلّل. لكن جاذبية ً تحت لغوية، تخرق ُ أقواس الغريزة، بإشارات جسدية ٍ، باستقبال. كمن يقفز من سور ٍ ليصل َ إلى نفسه ِ. وكمن يُطلّ ُ من بناية ٍ على حادث ٍ في الطريق.

-4-
كلّ شيئ ينسرب ُ: تلاويحُ السمّار. قلائد فضّة الزعل. نسور فضائها إذ ْ تمشي أو تتمايلُ. كلّ شيئ ينتخبُ هويّتهُ حيثما ذهبتْ، إلى سعادة ٍ أو تباه ٍ. كان عليها ترميم تماثيلنا، صياغة الحّب هوينا ً هوينا، كإيماءة تُدلنا على المؤامرة. كأناقة السّر، وآصرة بالمستقبل، كشبح عاشقة يتهيّب من ظلّه الفريد. أيّ ذائقة ٍ لشفائنا مُرحبين بالعلم الأبيض ؟ كلّ هذا قراءة خاطئة لنسياني، محاطا ً بتراتيل ونصائح، وأصابع َ ملطّخة ٍ وعقاب. كما لعاصفة ٍ تركتْ خلفها أطفال َ الذكرى. كأن تايتانك َ تغرق والناس ينتحبون. كأنها تفكّر ُ ب كيتْ و كيتْ. أنْ يخرس كنار ٌ ويجّف الجدول. الذهب الذي احتملنا بريقه ُ. الهدف المحذوف. وترنّحتْ كأّن..