بعد الرد والرد المضاد حول ترجمة قصيدة قبلاي خان، ننشر هنا ترجمتين جديدتين الأولى نسخة مصصحة قام بها الدكتور بهجت عباس، والثانية من ترجمة الدكتور عادل صالح الزبيدي، والنص الأصلي الانجليزي يجده القارئ، أدناه،في نهاية الترجمة الثانية.

قبلاي خان (نسخة مُنقَّحة)
للشاعر الإنكليزي ساموئيل تايلور كُولَرِيج (1772-1834)
ترجمة بهجت عباس

( قبلاي خان، حفيد جنكيز خان، أسّس عرش يوان وأصبح أول إمبراطور عليه بعد صراع دامٍ مع أخيه. حكم من عام 1260 حتى 1294. وعندما أصبح إمبراطوراً على المغول، أعلن أن لديه تفويضاً سماوياً، كأيِّ طاغية، ليطيعه الشعب المغولي بكامله. كان يملك عشرة آلاف من الخيل المسوَّمة، فكان له ولبعض أفراد حاشيته الحقّ بشرب حليبها الذي أطلق عليه (حليب الفردوس)، كما ورد في نهاية القصيدة، وأنَّ هذا القصرَ العجيب قد مُنحَه في الحُلم.
أما سموئيل تايلور كولريج، فهو شاعر وفيلسوف وصديق للشعراء ووردزورث ولورد بايرون وشيلي، عانى آلاماً جسدية وعاطفية دفعته إلى استعمال الأفيون ليكون مدمناً. كان الابن الأصغرَ المدلّل لأبيه من عشرة أبناء. نظم كولريج هذه القصيدة نتيجة تأثير الأفيون في حُلمه، كما ادّعى، فأراد أن يجعل من خوارق الطبيعة حقيقةً. افتتحها كلُغز أو أحجيّة ولكن بوصف دقيق لقصر البهجة الذي بناه الإمبراطور قبلاي خان في مكان فاتن جذاب في بقعة برّية حيث تندب امرأة حبيبها الشيطانَ، والنهر المقدّس الذي يجري عنيفاً ثمّ ينحرف قبل أن يغور خلال كهوف إلى بحر لا شمسَ تطلع عليه.
تُصوِّر القصيدة مدى خيال الأوروبيين إلى رؤية الشرق المُدهش بترفه وبذخه.)

في زَنادو* أصدر قبلاي خان
قراراً ببناء قبّةِ ابتهاج فخمةٍ :
حيث جرى النهر المقدَّس، ألفْ،**
خلالَ كهوفٍ لا يستطيع إنسان إدراكَ مداها
أسفلَ إلى بحرٍ لا تطلع عليه شمسٌ.
لذا أُحيطتْ عشرةُ أميالٍ
من الأرض الخِصْب بحيطانٍ وأبراجٍ:
ووُجدت هناك حدائقُ زاهرةٌ بجداولَ مُتعرِّجةٍ،
حيث أزهر كثيرٌ من شجر البّخور ؛
وهنا كانت غاباتٌ قديمة كالتِّلال،
تحتضن بقعاً خضراءَ مشمسةً.
ولكنْ آه ! تلك الفجوة الرومانسية التي انحدرتْ
أسفل التّلّ الأخضر عَبْرَ غابة من شجر الأرز!
مكانٌ موحشٌ قاسٍ ! تحت قمرٍ آخذٍ في المَحاق، كمكان مقدَّس
وفتّان دوماً، مسحور بامرأةٍ نادبةٍ حبيبَها الشيطانَ !
ومن هذه الفجوة، باضطرابٍ عارم دون توقّف،
كما لو أنَّ هذه الأرضَ كانتْ تتنفّس بلهاثٍ ثقيل مُتسارع،
تفجَّرَتْ بغتةًً نافورةٌ ضخمةٌ :
بين فتراتِ تقطّعها السّريع انفجرتْ
قِطَعٌ ضخمةٌ قافزةٌ كبَرَدٍ وثّاب،
أو كهشيم القمح المتناثر تحت ضربات الدرّاسة :
وبين هذه الصّخور الراقصة انبثقَ
النهرُ المقدّسُ فوراً وإلى الأبد.
خمسةَ أميالٍ متعرِّجةً بحركة محيِّرةٍ
خلالَ غابةٍ ووادٍ جرى النهر المُقدَّس،
وبعدها وصل الكهوف التي لا يدرك إنسان مداها،
وغارَ في جَلَبةٍ في بحرٍ لا حياةَ فيه :
ووسط هذه الجَلَبة سمع قبلاي من بعيد أصواتَ
أسلافِه متنبّئةً حرباً !
في منتصف طريقه طفا ظلُّ قُبّةِ الابتهاج على الأمواج ؛
حيث سُمع ما اختلط
من النافورة ومن الكهوف.
كان معجزةً لاختراعٍ نادر،
قبّةُ ابتهاج مُشْمِسةٌ بكهوف من ثلج !
صبيّةً بسُنطور
رأيتُ ذات مرةٍ في الرؤيا :
فتاة حبشيّة،
وعلى سُنطورها نقرتْ،
مغنيّةً جبلَ أبورا.
هل أستطيع أن أحْيِِيَ في داخلي
سيمفونيّتَها وأغنيتَها،
بمثل هذا الإبتهاج العميق قد تملكني،
بذاك، بموسيقى هادرة وطويلة،
أريد أن أبني تلك القبّةَ في الهواء،
تلك القبّة المُشمسة ! تلك الكهوف من الثلج !
وكلُّ من سمع يجب أنْ يراها هناك،
والكلّ يجب أن يصرخَ، حذارِ ! حذارِ
عيناه المتوّهجتان، شعرهُ المُستَرسِل!
اِنسجْ دائرةً حوله ثلاثَ مراتٍ،***
وأغمِضْ عينيْك برَهبة مُقَدَّسة،
لأنّه تغذّى على المَنِّ،
وشرب حليب الفردوس.

* قصر قبلاي خان الصيفي.
** ألف Alph نهر سحريّ في غرب اليونان.
*** تعني الطقس الواقي / الصائن.

*****

قبلاي خان
صاموئيل تيلر كولرج (1772-1834)
ترجمة: د. عادل صالح الزبيدي

(إلى ناصر الحجاج)


قبلاي خان
(أو: رؤيا في حلم - مقطوعة)

في زنادو قضى قبلاي خان
بإقامة قبة أنس فخمة
حيث جرى ((ألفُ)) النهر القدسي
عبر كهوف لا يقدر أن يسبر غورا منها الإنسان
ليصب ببحر لا تشرق شمس فيه.
عشرة أميال من الأرض الخصبة
أحيطت بالجدران وبالأبراج
وحدائق زاهية تتلوى داخلها الغدران
وتزهر فيها أشجار بخور عدة،
وثمة غابات غابرة كالهضبات سحيقة
تتكشف عن بقع مشمسة خضراء.

عجبا ! ياللهوة تلك الغائرة الرومنسية
تنحدر من التل لتخترق تعاريش من الأرز خضراء
مكان وحشي ! يشبه في قدسيته وسحره
مكانا مسكونا بشبح امرأة تنحب من أجل عشيق جني
تحت القمر الآفل،
ومن تلك الهوة، بغليان هياج متواصل
وكأنْ هذي الأرض تتنفس بنفثات لهاث متحشرجة وسريعة
تفجر نبع جبار فجأة
وفي خضم تفجره بنوبات متسارعة
تتقافز أشظاء هائلة كوابل برد يرتد عن الأرض بعيد سقوطه
أو كالعصف المتناثر من تحت المـِدرس،
ووسط الصخر الراقص هذا فجأة
وبغير فتور قذف النبع ُ النهرَ القدسي ليجري
خمسة أميال يتلوى منسابا مثل متاهة
عبر الوديان وعبر الغابات جرى النهر القدسي
ليبلغ إذاك كهوفا لا يقدر أن يسبر غورا منها الإنسان
فيغور بنوبة هيجان نحو محيط لا نأمة لحياة فيه
ووسط خضم الفوضى هذي يسمع قبلاي خان
عن بعد أصوات الأسلاف منبئة بالحرب.

وطفا ظل القبة
فوق الأمواج إلى منتصفه
حيث تناهى للسمع اللحن الممتزج
الآتي من عند النبع وتلك الأكهف.
كانت معجزة من صنع نادر
قبة أنس مشمسة ذات كهوف ثلجية !
فتاة بين يديها آلة قانون
رأيت ذات مرة في رؤيا
كانت فتاة حبشية
وكانت تعزف على قانونها
وتغني جبل أبورا.
فلو أني أقدر أن أحيي في داخلي
سمفونيتها وأغنيتها
لبلغت بي البهجة عمقا
يجعلني أشـيـّد بألحان متواصلة ثرة
تلك القبة في الهواء
تلك القبة المشمسة ! تلك الكهوف الثلجية !
وكل من يسمع لا بد أن يراهما هناك
والكل لا بد أن يصرخ، حذار ! حذار !
من عينيه المبرقتين، وشعره العائم في الهواء !
خطـّوا ثلاث دوائر حوله
واغمضوا أعينكم بوجل رباني
فقد كان طعامه المنّ
وشرابه حليب الفردوس.


النص الأصلي:
In Xanadu did Kubla Khan
A stately pleasure-dome decree :
Where Alph, the sacred river, ran
Through caverns measureless to man
Down to a sunless sea.
So twice five miles of fertile ground
With walls and towers were girdled round :
And there were gardens bright with sinuous rills,
Where blossomed many an incense-bearing tree ;
And here were forests ancient as the hills,
Enfolding sunny spots of greenery.
But oh ! that deep romantic chasm which slanted
Down the green hill athwart a cedarn cover !
A savage place ! as holy and enchanted
As e'er beneath a waning moon was haunted
By woman wailing for her demon-lover !
And from this chasm, with ceaseless turmoil seething,
As if this earth in fast thick pants were breathing,
A mighty fountain momently was forced :
Amid whose swift half-intermitted burst
Huge fragments vaulted like rebounding hail,
Or chaffy grain beneath the thresher's flail :
And 'mid these dancing rocks at once and ever
It flung up momently the sacred river.
Five miles meandering with a mazy motion
Through wood and dale the sacred river ran,
Then reached the caverns measureless to man,
And sank in tumult to a lifeless ocean :
And 'mid this tumult Kubla heard from far
Ancestral voices prophesying war !
The shadow of the dome of pleasure
Floated midway on the waves ;
Where was heard the mingled measure
From the fountain and the caves.
It was a miracle of rare device,
A sunny pleasure-dome with caves of ice !
A damsel with a dulcimer
In a vision once I saw :
It was an Abyssinian maid,
And on her dulcimer she played,
Singing of Mount Abora.
Could I revive within me
Her symphony and song,
To such a deep delight 'twould win me,
That with music loud and long,
I would build that dome in air,
That sunny dome ! those caves of ice !
And all who heard should see them there,
And all should cry, Beware ! Beware !
His flashing eyes, his floating hair !
Weave a circle round him thrice,
And close your eyes with holy dread,
For he on honey-dew hath fed,
And drunk the milk of Paradise.