إيلاف من فيينا: شهد معرض كتاب فيينا إقبالاً منقطع النظير من قبل الفتيات الشابات حباً للكتب المطبوعة لم يكن متوقعاً في بداية الألفية. فما هو سرّ هذا الاتجاه الأدبي الجديد "نيو أدولت"؟

هناك أشخاص تعرفوا على بعضهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن لم يلتقوا وجهاً لوجه من قبل، واختاروا اللقاء في معرض "كتاب فيينا"، الذي حقق هذا العام رقماً قياسياً في عدد الزوار. فبعد أن استقطب 51 ألف شخص في عام 2022 و58 ألفاً في العام الماضي، سجل معرض الكتاب لعام 2024، الذي اختتم فعالياته في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، حضور 65 ألفاً من محبي القراءة في قاعة D بمعرض فيينا، وفقاً لما أعلنه المنظمون.

الإقبال كان كبيراً للغاية، لدرجة أنَّ متجر التذاكر اضطر للإغلاق لفترة قصيرة. وبالرغم من ذلك، يحتفظ المعرض بأجوائه الهادئة والعائلية والمريحة مقارنة بنظيره الألماني، حسب ملاحظات صحيفة "بريس". ومن بين هذه الأجواء المميزة، يبرز ركن "غرفة المعيشة" الخاص بنوع الأدب الجديد "New Adult".


يحتفظ المعرض بأجوائه الهادئة والعائلية والمريحة مقارنة بنظيره الألماني

من الطبيعي أن تجد أكوام الكتب على طاولات معرض الكتاب، ولكن رؤية أكوام الكتب محمولة على أذرع الزوار، وخاصة النساء، هو مشهد أقل شيوعاً. يغلب على هذه الكتب ألوان ناعمة ومتنوعة مع هيمنة البنفسجي والوردي، وبعضها مغطى ببريق أو يحمل أغلفة سوداء توحي بالغموض، وكلها تنتمي إلى أدب "نيو أدولت".

هذا النوع الأدبي يتميز بالرومانسية، سواء كانت خفيفة أو مظلمة، مع أو بدون عناصر من الخيال العلمي أو الفانتازيا، ولكنه دائماً يتمحور حول الحب والعواطف الجياشة. غالباً ما تكون القصص على شكل سلاسل، موجهة لجمهور نسائي يتراوح بين المراهقات وأواخر العشرينات. يشهد هذا النوع الأدبي رواجاً كبيراً عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل "بوك توك".

زاوية "نيو أدولت" في المعرض
بالرغم من أن "نيو أدولت" يحتل مساحة واضحة قرب مدخل المعرض، إلا أن القسم لا يزال صغيراً مقارنة بالمعارض الدولية الأخرى. لكن ما يميزه هو الأجواء العائلية والمريحة التي تفتقر إليها المعارض الأكبر.

في "غرفة المعيشة" الخاصة بـ"نيو أدولت"، يتمتع الزوار بمساحة مريحة تتضمن أريكة وفانوس قديم يشبه تلك الموجودة في قصص الرومانسية الباريسية، بالإضافة إلى جدار مزين بألوان زاهية لالتقاط الصور لمشاركتها على إنستغرام. يوجد أيضاً رفّ كتب من طراز "Kallax" الشهير من إيكيا، والذي يُستخدم كثيراً على "بوك توك" لعرض مجموعات الكتب.

نادا، فتاة تبلغ من العمر 24 عاماً، تحدثت مع "جيس"، إحدى المؤثرات على "بوك توك" التي تعمل لدى دار النشر "Lyx"، الرائدة في مجال أدب "نيو أدولت" في المنطقة. من بين التوصيات التي حصلت عليها كانت رواية Between My Worlds للكاتبة بسمة حلاق، التي تتحدث عن قصة حب في أيسلندا، ورواية Single All the Way للكاتبة ستيلا تاك، التي تدور حول رحلة في عاصفة ثلجية تجمع بين طالبة جامعية وشاب كسر قلبها.


شهد النوع الأدبي الجديد "نيو أدولت" شعبية واسعة بسبب منصات التواصل الاجتماعي

نادا كانت قارئة شغوفة عندما كانت طفلة، ولكنها توقفت لسنوات حتى أعادتها "بوك توك" إلى عالم القراءة. تقول: "صديقتي وأنا نقرأ الكتب في الوقت نفسه ونتحدث عنها سوياً". هذا النوع من التفاعل الثقافي يعزز التواصل بين القراء.

التوجه نحو الكتاب المطبوع
رغم انتشار الكتب الإلكترونية، يفضل معظم زوار هذا القسم الكتب المطبوعة. يشكل الغلاف وتصميم الكتاب عنصراً أساسياً لجذب القراء، حيث يفضل الكثيرون النسخ الخاصة التي تحتوي على تفاصيل فنية جذابة. معظم الكاتبات الناجحات في هذا النوع الأدبي يكتبن سلاسل، ما يجعل جمع جميع الأجزاء أمراً مهماً، سواء لأسباب محتوى القصة أو مظهر الكتب.

أشارت ماريا شريتل، المسؤولة عن قسم المشتريات لدى دار "ثاليا"، إلى أن أدب "نيو أدولت" أصبح أحياناً تجربة تربط الأمهات وبناتهن. تقول فتاة شابة: "هل تعلمين كم مرة استعارَت أمي كتبي دون علمي؟!". وأضافت ماريا أن هناك توجهاً في السوق الآن لاستهداف النساء الأكبر سناً اللواتي بدأن قراءة "نيو أدولت" في شبابهن، حيث يتم تقديم قصص مشابهة موجهة لهن مع علامات نشر جديدة مثل "Pola" من دار "Lyx".

أوضحت إحدى الزائرات أن الكاتبات في هذا النوع ينضجن مع جمهورهن. مع تطور أعمار القراء، تنمو الكتب لتلبي احتياجاتهم الجديدة، مما يجعل أدب "نيو أدولت" بوابة لعالم القراءة بشكل عام، حيث يتغلب العديد من القراء على حواجز الخوف من الأدب بفضل هذا النوع.


يشكل الغلاف وتصميم الكتاب عنصراً أساسياً لجذب القراء

"نيو أدولت" (New Adult) هو نوع أدبي يركز على قصص موجهة لجمهور يتراوح بين سن المراهقة المتأخرة (18 سنة تقريبًا) وأواخر العشرينات. يُعتبر هذا النوع جسرًا بين أدب "الشباب البالغين" (Young Adult) والأدب المخصص للبالغين (Adult Fiction)، حيث يتناول موضوعات وتجارب أكثر نضجًا من تلك التي توجد في أدب الشباب، ولكنه لا يزال قريبًا من شريحة الشباب من حيث الشخصيات والأسلوب.

وقال بينيديكت فوغر، رئيس الاتحاد الرئيسي لتجارة الكتب النمساوية: "الناس يتوقون إلى التواصل الحقيقي، والنقاش الحقيقي، والتبادل الحقيقي للأفكار". بينما أعرب باتريك زوهرر، المدير العام لمعرض "كتاب فيينا"، عن سعادته قائلاً: "كنا نأمل في تحقيق زيادة مقارنة بأرقام السنوات السابقة، ولكن لم نتوقع أن نستقبل 65 ألف زائر وأن يصل الحضور إلى حدود الطاقة الاستيعابية".

سمات "نيو أدولت"
الأبطال في قصص "نيو أدولت" عادةً ما يكونون في مرحلة انتقالية، مثل دخول الجامعة، بداية العمل، أو اكتشاف الذات. غالباً ما تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً. ويناقش هذا النوع قضايا مهمة مثل العلاقات الرومانسية، الهوية الشخصية، المسؤوليات الجديدة، الحياة المهنية، فضلاً عن التحديات النفسية والاجتماعية (مثل الاكتئاب أو التحرر من الأهل).

والموضوعات قد تشمل تفاصيل ناضجة أكثر من تلك التي في أدب "الشباب البالغين"، مثل العلاقات العاطفية المعقدة والمشاهد الرومانسية.


أدب "نيو أدولت" شائع بشكل خاص في أسواق الكتب المطبوعة

وهذا النوع من الكتب أكثر ما يستهدف النساء، كما يجذب أيضاً القراء من الجنسين. ومن هذه الكتب، القصص الرومانسية، وأخرى تحتوي على عناصر من الفانتازيا أو الخيال العلمي، وروايات تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية أو النفسية التي تواجه الشباب في بداية حياتهم المستقلة.

شهد النوع الأدبي شعبية واسعة بسبب منصات التواصل الاجتماعي، مثل BookTok (مجتمع محبي الكتب على تيك توك).

أدب "نيو أدولت" شائع بشكل خاص في أسواق الكتب المطبوعة، حيث تكون أغلفة الكتب وتصاميمها جذابة جداً لجمهورها.

باختصار، "نيو أدولت" يعبر عن مرحلة حياتية معقدة وغنية بالتجارب، مما يجعله نوعاً أدبياً جذاباً يعكس مشاعر الشباب وتحولاتهم.