ايلاف من مراكش : جاء فيلم "ألف يوم ويوم: الحاج إدموند" لمخرجته الفرنسية المغربية سيمون بيتون، ضمن فقرة "بانوراما السينما المغربية، في إطار فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته ال21،ليشكل إضافة مميزة للسينما الوثائقية المغربية،من خلال إعادة إحيائه ذكرى الكاتب المغربي إدموند عمران المالح.

يتناول هذا الفيلم الوثائقي الذي تبلغ مدّته 93 دقيقة، وجرى عرضه في حضور مخرجته، سيرة المالح ومكانته الأدبية، باعتباره واحداً من الكُتّاب الذين تركوا بصمتهم وأعطوا قيمة للثقافة المغربية في علاقتها بمفهوم الالتزام.

من عرض فيلم "ألف يوم ويوم" بمهرجان مراكش

وتحضر في هذا الشريط، الذي تابعه جمهور غفير بقصر المؤتمرات، شهادات قوية حول منجز المالح وشخصيته وقيمته اليوم، من طرف شخصيات عرفته عن قرب، بينها محمد الطوزي، ليلى شهيد، دومينيك إدي، محمد برادة، حسان بورقية وخليل الغريب.

التزام ثقافي وإنساني

يعكس الشريط، بحسب عدد من المتتبعين والمهتمين بسيرة المالح، روح الالتزام الثقافي والإنساني، بتأكيده على أهمية "توثيق حياة الرموز الفكرية، ليبقى إرثهم مصدر إلهام للأجيال القادمة".

ويقدم شريط بيتون، مقتطفات من نصوص وشهادات وصور أرشيفية تضاف إلى كلماتها، لترسم ذكرى رجل محبوب ذو ثقافة واسعة، تسكنه المآسي التي يقوم بتحليلها، مثل رحيل اليهود من المغرب، ونزوح الفلسطينيين من أراضيهم.

ويتفق كتاب المغرب على أن المالح، أو "الحاج المالح"، كما كان يسميه عدد كبير من معارفه وأصدقائه، قامة كبيرة في الساحة الفكرية والثقافية المغربية، ومعلم متنور ورائد، كما وصفه مستشار ملك المغرب أندري أزولاي، الذي يرى فيه "الكاتب الموهوب والملتزم والمناضل من أجل التنوع"؛ هو الذي لا تقوم كتابته، بحسب الكاتب محمد الأشعري، على الحياة، بل "هي الحياة نفسها مدفوعة بالبحث عن الحرية والاكتشاف والدفاع عن القضايا العادلة"؛ حيث أنه بالإضافة إلى التزام هذا المثقف اليهودي المغربي الكبير، و"فيلسوف القيم والحياة" لفائدة القضية الفلسطينية، فقد كان متشبثا بذاكرة اليهودية المغربية في إطار مقاربة تقوم على العلاقة بين الحاضر والمستقبل، وليست موجهة نحو الماضي.

سيرة المالح

غيب الموت المالح في 2010 عن سن تناهز 93 سنة بالرباط. وتمت مواراة جثمانه الترى في مدينة الصويرة (جنوب الدار البيضاء) تنفيذا لوصيته.

ولد المالح، الذي عرف بمواقفه المناوئة لإسرائيل، والمساندة للشعب الفلسطيني،عام 1917 في آسفي (جنوب الدار البيضاء)، والتحق بالحزب الشيوعي المغربي عام 1945، وأسهم بشكل عملي في معركة الاستقلال، قبل أن يستقيل عام 1959 من مهامه الحزبية ويقطع صلته بالعمل السياسي، ويبدأ تجربة تدريس الفلسفة، قبل الهجرة إلى فرنسا، لكنه ظل محافظا على وشائجه القوية مع بلده المغرب، الذي عاد للاستقرار به نهائيا عام 1999.

لم تدرك "حرفة الأدب" الكاتب الراحل إلا بعد أن جاوز عمره الستين، ليصدر عام 1980 سيرته الذاتية "المجرى الثابت" في باريس. ثم توالت بعدها رواياته المتميزة: "أيلان أو ليل الحكي" (1983)، "ألف عام بيوم واحد" (1986)، و"عودة أبو الحكي" (1990)، و"آبنر أبو النور" (1995)، و"المقهى الأزرق" (1998)، وكان آخر كتبه "رسائل إلى نفسي" (2010)، إضافة إلى إصدارات فكرية ونقدية متنوعة.

طائر حر

يقول النقاد في المغرب إن المالح "طائر حر من النوع النادر"، و"أديب من طينة استثنائية"، و"إحدى القامات الأكثر شموخا في المشهد الأدبي المغربي".

وإلى جانب الكتابة الأدبية، عرف الراحل باهتمامه بالفن التشكيلي والنحت والتصوير الفوتوغرافي، وظل يحتفظ بصداقات مع معظم التشكيليين المغاربة.

ويرى كثيرون في المالح نموذجا للأديب المغربي الأصيل، الذي رفض الفرنكفونية وانتقدها بشدة، على الرغم من أنه كان يكتب بالفرنسية، كما دافع بشراسة عن القضية الفلسطينية، وفضح إسرائيل ومناوراتها، مع أنه يهودي الديانة.