اختتم الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان زيارة رسمية إلى اليابان، أكدت خلالها المملكة العربية السعودية حضورها الثقافي العالمي وسعيها لتعزيز العلاقات الثنائية مع اليابان.
إيلاف من لندن: خلال زيارته الأخيرة إلى اليابان، أدى الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي، دوراً محورياً في ترسيخ مكانة بلاده كلاعب رئيسي في الساحة الثقافية العالمية، مؤكداً على الأهمية البالغة التي توليها السعودية للتبادل الثقافي والابتكار في ظل توجهات رؤية 2030.
زيارة الأمير بدر بن عبدالله إلى اليابان لم تكن مجرد زيارة رسمية، بل كانت رحلة تأسيسية لعلاقات ثقافية متينة تُعد بمستقبل واعد للتعاون السعودي الياباني.
مذكرة التفاهم الثقافية
وتوجت الزيارة الرسمية إلى اليابان بتوقيع مذكرة تفاهم ثقافية مع الحكومة اليابانية تشمل عدة مجالات منها تبادل المعرفة الثقافية والفنية، تطوير تقنيات الحفظ الرقمي للتراث، والتعاون في مشاريع الرسوم المتحركة والإقامات الفنية.
ووقّع الأمير بدر بن عبد الله مذكرة التفاهم مع توشيكو آبي، وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان، خلال لقاء رسمي في طوكيو. تناول الاجتماع أهمية تعميق العلاقات الثقافية المتينة التي تجمع بين البلدين وآفاق التعاون المستقبلي.
وتأتي مذكرة التفاهم لجهود وزارة الثقافة في تعزيز التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة "رؤية السعودية 2030".
الجناح السعودي في إكسبو 2025
وفي قلب مدينة أوساكا، شكل الجناح السعودي في معرض إكسبو 2025 نقطة جذب محورية تبرز كيف تمكنت السعودية من دمج التقنيات المستدامة مع التراث الثقافي الغني.
فقد زار الأمير بدر - وهو رئيس اللجنة التوجيهية لمشاركة السعودية في معارض إكسبو الدولية - جناح السعودية المشارك في إكسبو 2025.
تصميم الجناح، الذي يعكس الهوية الثقافية السعودية، يستند إلى مفاهيم الاستدامة والابتكار، مع مراعاة معايير صافي الانبعاثات الصفرية، وذلك من خلال استخدام مواد منخفضة الكربون، وتكنولوجيا توفير الطاقة، وإعادة تدوير مياه الأمطار والطاقة الكهروضوئية، بالإضافة إلى تصميم مرن قابل للتفكيك وإعادة التجميع مستقبلاً.
ويؤكد الجناح السعودي في إكسبو 2025 التزام المملكة بالمحافظة على البيئة وتعزيز التطور التكنولوجي، كما يعرض التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها السعودية، مظهرًا كيف أن الثقافة والتقاليد يمكن أن تندمج مع الابتكار لخلق مستقبل مستدام.
ومن المتوقع أن يجذب الجناح ملايين الزوار خلال فترة المعرض الذي يفتتح رسميا في شهر نيسان (أبريل) 2025 بمشاركة أكثر من 160 دولة ومنظمة متعددة الأطراف تحت شعار "ابتكار المستقبل لتحسين حياة المجتمعات".
جسور ثقافية
وفي إطار تعزيز الحضور الثقافي السعودي على المستوى الدولي، أظهر الأمير بدر اهتماماً لافتاً بتطوير المواهب الشابة، مؤكداً على أهمية التعليم والتدريب كأساس لتحقيق أهداف الرؤية الثقافية للمملكة، فالتقى خلال الزيارة بالطلاب السعوديين المبتعثين ضمن برنامج "أسس صناعة المانجا"، الذي يُقام بالتعاون بين هيئة الأدب والنشر والترجمة وأكاديمية كادوكاوا اليابانية، الرائدة في مجال التعليم والنشر.
أسس صناعة المانجا
خلال اللقاء، شدد الأمير بدر على الأبعاد الثقافية والابتكارية لهذا البرنامج، وأشار إلى أن هذه المبادرات تمثل فرصة ذهبية للشباب السعودي لنقل الخبرات المكتسبة وتطبيقها في المملكة، مما يعزز القطاع الثقافي الوطني بمواهب مبتكرة تسهم في دفع عجلة الإبداع.
وينطلق برنامج "أسس صناعة المانجا" في إطار تعاون مشترك بين هيئة الأدب والنشر والترجمة، وشركة "مانجا للإنتاج" التابعة لمؤسسة محمد بن سلمان "مسك". يستهدف البرنامج تدريب الموهوبين السعوديين في فن المانجا باستخدام تقنيات يابانية متقدمة، في مهد هذا الفن العالمي.
وقد تجاوز عدد المستفيدين من الورش الافتراضية 1850 متدرباً ومتدربة. ومن بين هؤلاء، تأهل 115 للمشاركة في البرنامج التدريبي المكثف، أنتجوا خلاله 115 قصة مصورة. كما ابتُعث 21 متدرباً إلى اليابان لتطوير مهاراتهم بإشراف خبراء يابانيين.
مسابقات تحفز الإبداع
إضافة إلى التدريب، أطلقت المبادرة عدة مسابقات مبتكرة أبرزها "منجنها"، التي استقطبت 133 مشاركة، و"مانجا القصيد" التي جمعت أكثر من 70 مشاركة، فضلاً عن "مانجا الإبل" التي استقبلت 50 مشاركة، في إطار تنويع مجالات الإبداع واستكشاف مواهب جديدة.
روائع الأوركسترا السعودية: لقاء الثقافات
إلى قلب طوكيو، حيث احتضن مسرح "طوكيو أوبرا سيتي" واحدة من أكثر اللحظات إلهاماً في عالم الموسيقى، ضمن حفل "روائع الأوركسترا السعودية".
برعاية وزارة الثقافة السعودية، قدمت الأمسية لوحة ثقافية متكاملة امتزجت فيها أنغام سعودية نابضة بالتراث مع نغمات يابانية ذات جذور إمبراطورية عريقة.
على المسرح، استعرض أكثر من 100 موسيقي من الأوركسترا والكورال الوطني السعودي مزيجاً من التنوع الموسيقي والتراث الغني. من المقطوعات الغنائية العريقة إلى الأعمال الحديثة، برزت الموسيقى السعودية كنافذة مشرقة على هوية وطنية تزخر بالتجديد والإبداع.
وسط تصفيق الحضور، قدمت الأوركسترا الإمبراطورية اليابانية أداءً مذهلاً لموسيقى البلاط الإمبراطوري، التي تحمل إرثاً موسيقياً يمتد لأكثر من ألف عام. ومن ثم، أبهرت الأوركسترا السعودية الجمهور بمقطوعة "ميدلي الإنمي" بتوزيع موسيقي سعودي مبتكر، قبل أن تعود لتأسر القلوب بموسيقى افتتاحية العلا، التي أبدعها الموسيقار عمر خيرت، لتروي قصة تراث ينظر بثقة نحو المستقبل.
في ختام الحفل، التقت الثقافتان في أداء مشترك جمع الأوركسترا السعودية مع أكاديمية أوركسترا جامعة طوكيو للموسيقى والفنان الياباني هوتاي. تحت قيادة المايسترو هاني فرحات، رسمت الموسيقى مشهداً خلاباً بألحان أبدع في توزيعها محمد عشي ورامي باصحيح، مؤكدة أن الفنون قادرة على تجاوز الحدود وبناء جسور جديدة بين الشعوب.
أفق جديد للدبلوماسية الثقافية
لم تكن زيارة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان إلى اليابان مجرد فعالية رسمية، بل شكلت محطة بارزة في مسار العلاقات الثقافية السعودية-اليابانية، حيث أثبتت المملكة أن الثقافة والفنون أدوات حيوية لتعزيز الحوار الحضاري.
التعليقات