عبد الخالق كيطان

فقدت الأوساط الثقافية العراقية واحداً من أبرز المشتغلين في المسرح التجريبي العراقي في السنوات العشرين الماضية هو الفنان الدكتور ناجي كاشي.. والذي صرعته نوبة قلبية مفاجئة في مدينة السماوة حيث يقيم ويعمل منذ سنوات..
والفنان ناجي كاشي لم يكن شاعراً محترفاً، فهو مخرج وممثل وناقد وأكاديمي مسرحي بالدرجة الأولى، ولكنه دأب في السنوات الأخيرة على إرسال نصوصه لي تباعاً.. ولقد وجدت في تلك النصوص تعويضاً عن غيابه القسري عن خشبات المسرح التي كان يعشقها.. ومن تلك النصوص ثمة نص لفت انتباهي وعنوانه: إلى عزيز عبد الصاحب في عالمه الآخر.. كان سطر القصيدة الأول مفزعاً، يقول كاشي:

ربما نلتقي أنا وأنت بعد حين
فقد داهمتني الوساوس مثلما كانت تداهمك منذ مسيرتك الكبرى
قصيدة ناجي كاشي الرثائية هذه تصلح أن تكون نبؤة شخصية.. فهل كان ينظر إلى موته بعينين ثابتتين؟.. الأصدقاء في مدينة السماوة، حيث لفظ الفقيد آخر أنفاسه، يقولون أن موته كان مفاجئاً.. ولكن النص الذي بين أيدينا يقول بعكس ذلك..
جمعت ناجي كاشي بالراحل عزيز عبد الصاحب صحبة طويلة.. هكذا رأى في موت هذا الأخير إشعاراً لم يدخر وسعاً في فضحه فكان النص..
عمل ناجي كاشي في المسرح العراقي ممثلاً ومخرجاً وباحثاً.. وكان يخطط لإخراج مسرحية جديدة مع مجموعة من فناني مدينته.. نال شهادة الدكتوراه أواخر تسعينيات القرن الماضي في الفن المسرحي عن رسالته الموسومة: الغرائبية في العرض المسرحي.. ولطالما شغل الفقيد بالغرائبية فكان أن أخرج بعض المسرحيات التي عدت غرائبية في حينها.. أما أبرز أدواره ممثلاً فكان: أوديب ملكاً مع المخرج الدكتور عادل كريم، واللعبة مع الفنان الدكتور فاضل خليل والأشجار واغتيال مرزوق مع الفنان كريم جمعة وخمسة أصوات مع الفنان محمود أبو العباس.
ناجي كاشي أيها المتشكل من أطيب ما أعطت هذه الأرض.. سلاماً عليك وعلى صاحبنا الكبير عزيز عبد الصاحب..
****
ناجي كاشي
الى عزيز عبد الصاحب في عالمه الأخر

ربما نلتقي انا وانت بعد حين
فقد داهمتني الوساوس مثلما كانت تداهمك منذ مسيرتك الكبرى
حافيا باحثا عن السراب الذي اعتقدت متوهما انه النعيم
او ربما الجحيم
ربما نلتقي لاسمع منك ما كان معك من امر
ولا اقص عليك ما كان معي بعد فراقك المقيت
ولكن اين؟ في اي المقاهي؟
عليك ان تحدد المكان
فقد التقينا اخر مرة انا وانت في السماوة
التي ربما هي الجنة او انها الجحيم
كنت مزهوا، او ربما هذا ما كان باديا في الصورة المرفقة
والتي ربما هي اخر صورة اخذت لك معي
انا الذي سأجيء اليك ممتطيا العافية
بينما ستبقى الصورة هذه في اثير الكرة الارضية تنبأ عن اندحاراتنا الكبيرة
اليك تجيء المنايا تسلم للريح اطراف ردائها
وتمعن الخيالات في استباق المصير
فيما تقف الرحمة في الطرف القصي
معلنة كتمانها لكل ما كان من شيء
وداعا ايها الحلولي الكبير
الذي ما احتجت الا لاقباس النور التي رحت تسوقها اليك
نائيا بنفسك عن كل ما كان من شيء
الصحارى كانت مكانك
ممتثلا للحضارة رغم انفك
مندحرا منذ بدء الخليقة حتى مماتك المفترض
ميتتك الاولى كانت غيبتك الاخيرة
عندها كانت الديكة تعلن الحروب
فيما كنت تداعب اناملك الالف
وترتق ثيابك التي عذبتها النتوءات
حازما على لقاء المصير
ورحت....
سأجيء اليك
لكني
لن اتمكن من ان اداعب اناملي او ارتق ثيابي
لاوقت لدي لما كان من امر
وداعا
يا عبد الصاحب؟؟؟؟؟
*****