عبد الجبار العتابي من بغداد: عرضت على خشبة المسرح الوطني ببغداد مسرحية (السجل) للمخرج ظفار احمد المفرجي اعدها عن مسرحية للكاتب البولوني (تاديوش روجوفيتش)، كان العرض مؤثرا حقا باداء الممثلين الذين برعوا في تجسيد الشخوص وملأوا مساحة المسرح ابداعا يلفت النظر والانتباه وكانت التنويعات التي اشتغل عليها المخرج منحت العرض جماليات عديدة وكسرت حاجز الرتابة التي تنتاب اغلب العروض المسرحية ولهذا كان الجمهور منسجما معها تماما واثارت اعجابه فعلا، والحق ان الفنانين يستحقون الثناء كما يستحقه المخرج، كانوا شبابا وغير مشهورين.. بل ان اغلبهم لم تمنح له الفرصة في ان يلبي جزء من رغبته في التمثيل، لكنهم حققوا نجاحا، وما علينا الا ان نحيي المخرج ظفار المفرجي والممثل جاسم محمد (بطل العرض) وزملاءه المبدعين عمر ضياء الدين وزينب فؤاد وبتول كاظم وميادة نجيب واحمد محمد صالح ونظير جواد.
المسرحية تتحدث عن (شخص معرض للخطر دائما،مورست عليه كل الضغوط النفسية والجسدية للرضوخ لآلة السلطة ومن ثم الحرب، فتحول كائنا محبطا يائسا يلوذ بغرفته وسريره ويتلفع بشرشفه مخفيا رأسه وجسده بشكل دائم).
يقول المخرج ظفار: تتحدث المسرحية عن غربة الانسان العراقي في بيئته وغربته عن تاريخه الحديث غير المنطقي، فهناك عدم فهم من هم اكبر منه كجيل والاصغر منه عن غربته، هذا الانسان الذي نتحدث عنه يصحو فجأة بعد ثلاثين عاما، ووجد انه لم يحقق أي شيء وما زال نائما في فراشه وينتظر شيئا غير معلوم، واضاف ظفار: في مسرحيتي اعمل على ان يتحرر الانسان هذا وان يبدأ من جديد باحثا عن حياة جديدة وامل جديد.
وقد استطلعنا اراء عدد من المختصين حول العمل:
يقول المخرج عماد محمد: النص عالمي وجميل وفيه مقاربة ومعادل موضوعي للواقع العراقي، كان هناك جهد جماعي يشير الى ان هناك انسجام بالحركة بطبيعة علاقات الشخصيات، وهناك تنوع بالاداء وبالصورة، لكنه ايضا هذا التنوع يحتاج الى تكثيفا اكثر وبشكل جيد، وقد حاول المخرج ان يضخ لنا ثيما متعددة وصورا كان بعضها جميلا لانه خلق جوا وفكرة، ولكن ايضا كانت تحتاج الى دعمها بخط درامي متنامي داخل العرض وليس على طريق المقطع الواحد، وقد راح منه الكثير بسبب هذا التنوع بشكل غير مباشر اثر على طبيعة العرض، واضاف عماد: المخرج في عمله هذا خلق ممثلين تألقوا على المسرح، قدم جاسم محمد وهو لاول مرة يؤدي دورا كبيرا على المسرح او يصعد على المسرح، وقدم زينب فؤاد بشكل ممتاز وهذه حسنة تحسب له في ان يقدم ممثلين ممتازين.
اما المخرج كاظم النصار فقال: السجل.. انه سجل تاريخي لهذا الشخص كنموذج للشعب، قدم فكرة الحرب والغربة والسلطة وثيما متعددة، ولاهمية هذا النص يحتاج الى قدر كبير في التقديم، ولا يمكن ان يقدمها أي مخرج لانها تحتاج الى حالة وعي وامكانات هائلة في الانتاج، هذه التجربة نجاحها يكمن في تواصلها وتقديمها لشباب كانوامنسجمين على مستوى الاداء الجماعي، واضاف: قدم المخرج من خلال العمل محاولة شبابية جيدة في وقت نحن محتاجين فيه الى خطوط متواصلة من الشباب لدعم الفرقة القومية والفن المسرحي في العراق، وان تكون هناك حالة تواصل ما بين المتلقي والمسرح.
اما المخرج ابراهيم حنون فقال: انه خطوة غير متوترة، العرض به التماعات ومقترح لتشكيل عرض اخر لكنني في هذا العرض وجدت نفسي لم أتلق اية شفرة، العرض بمجمله مجموعة استلالات وقراءات لم تؤد الى قراءة متوحدة، واضاف ابراهيم: انا مع هذا العرض من حيث الشكل ونسف القراءات المعتادة، هذا العرض يجب ان يوظف في عرض اخر، ولكن ابقى اقول انه عرض يحتاج الى التأمل طويلا وقراءة تكثيفية.
اما المخرج طه المشهداني فقال: كان العرض متميزا بخطين عن بقية العروض التي شاهدناها سابقا، الاول: جو الاحساس، حيث ان خط الاحساس كان قويا جدا ومؤثرا لدرجة اننا لم نصغ لصوت الممثل وماذا يقول، والثاني: خط اللون والتكوين للعرض، فقد كان مفعما بالحركة الجميلة والتكوين الجسدي للممثلين فأعطى تفردا جميلا للعرض، اما ما اراد ان يقوله العرض، فمن مخرج وممثل فهو واضح، انه يقول عني وعنك وعن الاخرين وهذا يذكرني بأجواء المخرج الكبير قاسم محمد والمخرج المبدع حيدر منعثر، واضاف المشهداني: اليوم.. ظفار قاد فريقه الى جهة اخرى من العروض المسرحية، اعطى للموسيقى حقها وقال كلمته بحذافيرها: فقط اريد ان ابقى حيا.
ويقول الفنان والناقد سعد عزيز عبد الصاحب: اعتمد المخرج (ظفار المفرجي) على استخدام اسلوبين في الاخراج لمسرحية (السجل) اولهما الاسلوب البرشتي والذي استنبطه من سردية الشخصية وانتاجها المستمر لـ(الروي) وتحويله لهذه اللغة الملحمية المسرودة الى فعل مسرحي حي وتخليصها من الايقاع السردي.. والاسلوب الاخر هو استعمال الرقص التعبيري كأداة للدخول للمشاهد او تقويضها، حيث جعل كل مشهد قائم بذاته وله عنوان يفصح عن شيمته الفكرية والفلسفية وهو بهذا يطبق المنهج البرشتي في المسرح الملحمي بفوتوغرافية استندت على تمثله لادوات المنهجية البرشتية في اهتمامه بـ(الجست) و(التعريب) وكسره لمفهوم العلبة الايطالية وذلك بتحويل المسرح الى سطح واحد يشترك فيه الممثلون والمتلقون سوية.
واضاف: ان الاشتغال على تقنية (مسرح داخل مسرح) وضمن نظام (العائلة) يتيح للشخصيات ان تلبس اكثر من لبوس مسرحي وذلك بسبب فضاء الحرية الذي تتيحه هذه التقنية) فالعائلة المكونة من (الاب والام والابن والابنة وزوجة الابن والخال) مبرر لها ان تستحضر حياة الشخصية الرئيسية بسبب التكوين البيئي والاجتماعي الواحد اضافة الى اشتغال الاخراج على نظام الفضاء المفتوح والمعلم بنفس الوقت، ان غرفة نوم الشخصية المونودرامية ستتحول بفعل (التعريب) الى عدة بيئات، فتارة هي (ساحة عرضات وبار وصف في مدرسة واحيانا زورق يتلاعب بمصيره الموج)، ان هذا التداخل المكاني التوليدي يضع الممثل في محنة مشاركته في تكوين وإنشاء المكان وذلك بسبب عدم استخدام العرض السينوغرافيا باهضة وتفصيلية، وإعتماده على الممثل فقط في الانشاء السينوغرافي، وفي هذا إعادة احياء للمثل الذي ضاع وانصهر بفعل التكنولوجيا المسرحية التي اظهرت قدرتها الجبارة على طمس المعالم الانسانية في العروض المسرحية، إلا اننا في (السجل) نشاهد عودة وحفرا جديدا في اركسولوجيا الجسد وبالاستعانة بالكيروغراف (محمد مؤيد) لتأسيس الفضاء البلاستيكي للعرض، بالاعتماد على الموروث العالمي في تقديم مقطوعات موسيقية تدلل على خبرة ووعي موسيقي من قبل المصمم (ظفار المفرجي).