قراءة فيما بين السطور لـوصـيـّة حنا مينه
يـاطروسـي... تمهـّل فما زال الشـراع يتحـدّى العــاصفـة.
يـاطروسـي... تمهـّل فما زال الشـراع يتحـدّى العــاصفـة.
د. خـيرالله سـعــيد: كـنـّا نتسابق أنا وصديقي quot;غالي رشك الخـزعليquot; على قراءة أعمال الروائي السوري
حـنا ميـنه، ونحن مازلنا في ريعان الشباب في بغـداد، كان ذلك في مطــلع ســـبعينات القرن الماضي.
غـالي، هو الذي هـداني لقراءة حـنا مينه، وقـدم لي روايتـهquot; المصابيح الـــــــزرقquot;
وكان يسميهاquot; السـتائر الـزرقquot; مضفيا على التسـمــــــية أبعـادا quot;طـــبقية quot; ضـــمن محمولاته الماركسية، وقد قرأنا كل ماوصل الينا من أعماله الروائيـــة التي دخـــلت بغـداد وتجـاوزت الرقيب.
شـكـّل حــنّا مينه وعينا الأبـداعي الأول حول مفهومنا لأدب الـرواية، هـو والراحـل
د. عبد الرحمن منيف، وكان أغلــب أبناء جيلناquot; السـبعينيquot; من القـراء شـغوفـيــــــن
بهـذين الكاتبين، رغم الحضـور الواضح لنجيب محفــوظ، كـون منيف ومـينه أقــرب
بشكل واضح الى الفكـر اليسـاري ndash;الأشتراكي، وعـاشا حيــاة المنافي وذاقـا لوعـــــة مفارقــة الأوطـان على القـلا.
رصـانة الأسـلوب السـردي عــند quot; حـنا مينـهquot; تـداعـــــب أخيلتنا وهي تنسرح عـــبر الأمواج وتحـدّيات البحارة، لاسيما في ثلاثيتـه الجميلة quot; الشراع والعاصفة والـدقــل
وحـكاية بحـارquot; حتى بدأنا نقترب من ملامسـة شخـــــوص روايــــاتـه، وخصـوصـا quot;الطروسيquot; بطل رواية الشراع والعاصــفة، وكان الأمل يحدونـا بـــأن نلتــقيـه على أرض العراق، ولكن أقـدارنا وأقــداره حالت دون ذلك. وأجبرتني ظروف العـــــراق السياسية على مغادرة العراق في منتصف عام 1978 متوجها الى سـوريا، حيــــــث يسكن ويعيش حـنا ميـنه، ولكن لم ألتقـــه- وقتهـا- ومن دمشــق سافـــرت الى لبـــنان ومنه الى اليمن الديمقراطية ثم العودة الى الشام ثانية، ثم غــــــادرت الى بلغاريا ثـم عــدت الى دمشق ولم ألتقـه!! لأسـباب شتى.
في صيف عا 1984 م عقدتquot; رابطة الكتاب والصحفيين العراقيينquot; مؤتمرها الثاني بدمشق- مخيم اليرموك- في قاعة الشهيدة حـــلوة زيدان- وكان حــنا مــينـه ضمـــن المدعــويين كضيوف، وأعتقـد أنـه ألقى كلمة في المؤتمرين، وأثناء فترة الأستراحة،
طلبت من الراحل الأستاذ هـــادي العلــوي- وكان صديقه من أيام الصين- أن يعرفني عليه، فذهبنا وسلمنا عليه، وتحدثنا قليلا، ولم تتكرر اللقاءات بعـد، حتى هذه اللحظة،
كونه غير ميـّال للظهور في الأماكن العامة، أو الندوات الثقافية والاعلامية، اذ أنـــه كان مواضبا على عمله في وزارة الثقافة السـورية،وملتزما ببرنامج قراءة وكتـابــــة خاص به يمارسه في بيته بشكل صارم، يخضعه لزمن محـدد،ولم يسمح لأي كـان أن يفسد عليه هذا البرنامج. لذلك كان متوحـدا مع الأدب الذي يشتغل فيـــه، وأعطـاه كل عـمره بـأمتـــياز.
كما أني ملت نحـو التراث العربي- الاسـلامي بشكل لارجعة عنه، وزاد شغفي بـــه
وبدأت أبتعـد عن قراءة الرواية شيئا فشيأ، ثم غادرت دمشق عام 1993 ميمما وجهي صوب بلاد الثـلج ndash; روسيا ثم كـــندا- فغاب عن الناظـر عناوين كـــــثيرة مـــن الأدب العربي، والروايات العربية ليس لها وجود في مثل هذه البلدان، لكن اسم حـنا ميـــــنه
ظـلّ محفـورا بالذاكرة، حتى هذه اللحظـة، لذلك استفزّت ذاكرتي الصحافة العــربيـــة وهي تنشر quot; وصـية حـنا مينهquot; وكأنه يودع الحياة قبل الأوان. والغريب في الأمـرأنه
نشر الوصية بعد صدور عمله الثلاثيني quot; عـــاهـرة ونصــف مجـــــــنونquot; وقد اهـتـزّ
الكيان العربي الثــقافي برمـّته لقراءة هذه الوصـية، دون أن يطرف رمش جفــن لأي نظام عربي رسمي!!؟ وكأن في هذا الصـمت quot; شـماتةquot; مبطنة مـن هـــذه الأنـظمــة وكأنها توحي بالأنتصار على روح المثـقف!!؟.
حـنا ميـنه ndash; في هذه الوصيـة- كان يدرك أن السلطات الرسميــة لا تعـبأ بموتـه قــــبل الأوان أو بوقتــه، فـأراد أن quot; لايتحـمـّل جميلتــهاquot; عليه فأعلن ذلك جهـارا وهــو فـي أوج الادراك العقـلي، كي يسقط quot; منــّةquot; هذه السلطات الرسمية عليـه، فكتب في هـذه
الـوصـــية:quot; رغبتي أن لايحتفى بي ميــتـا، وأن لا يبكنني أحـــد، ولايحـزن علي أحـد، وأن لايقـام لي حفل تأبين، وجنـازة بسيطة، وأربعـــة أشخاص غرباء يحملون النعش من دائرة دفـن الموتى، ثم يهيـلـون عـلي التــــراب
وينفضون أيديهم من بعد ذلك، وكأن أمـرا لم يحصـلquot; ثــم ختـم الوصيـــة
بعـبارة قـاتلة، رافضا ومدينا بها كل القيم الزائفـة التي لم تراع وجـــوده في
. في الحيـاة
، حيث قـال: quot;ليس لي أهـل، لأن أهـلي جميعـا لـم يعرفـوا
من أنــا في حـياتيquot;.
* * *
دعـــــونا نقـرأ مابين سطور هذه الوصـية، العـبارة الأولى تقول:رغـبتي
أن لايحتفى بي ميتــاquot;!؟ لماذا يكتب حنا مينه هذه العبارة!؟ أليسـت هـــي نابعـة من قناعة مطلقة برفضه أي شئ، ومن أي جهـة، ان كانت دولـة أو مؤسسة ثقافية أو غيرهـا، حتى لاتكون صاحبة فضل عليه بعد وفاته وهو يرقد في لحـده،ولأنـه يدرك أن لاقيمة لأي احتفـاء بمبـدع بعـــــد الوفـــاة، والعبارة تفصـح عن رفض مطلق لهـكذا احتفـاء، لأنه كان ومايزال على قيد الحياة ولم تكـرّمـه دولته، أو المؤسسة التي يشتغل فــيها، أو اتحـــــاد الكتاب العرب الذي ينتمي اليه، حتى أن أغلب أعماله كانـت تطبـع خـارج ســوريا!! لذلك كان صارما جـدا في هذه العبارة، حتى لاينالــوا شــرف تأبينه.
وقـد رفض بوضوح السـير وراء جنازته من كل أدعياء حمــاة الثقافـة في وطنه عندما قال:quot;وجنازة بسيطة وأربعة أشخاص غربــــــــــاء يحــملون النعش من دائرة دفـــن الموتىquot;. اذن هي ارادة واعـــية مـــن لدنــه كـي لايعطي شرف المشايعة- بحمل النعش- للـّـذين يعرفونــــــه على المـستوى الثقافي والأجتماعي والسياسيي الرسمي، وحصر الأمـور بأصحاب مهنـة
دفـن الموتى- بحكم الاختصاص- وهـنا نلحظ الادانــة الواضحـــة لذلـــــك الوسط المتعـدد الأوجـه، والذي يعرفه عن قرب وطول معاشرة، وهم الذين
أهـملوه عن عـمد وأنكروا عليه حقـه، ولذا من حقـه أن يطلب أن لايشيعوه
ولا يمشوا بجنازتـه عند سـاعـة الرحـيل.
ان مـرارة الـوصية تنبثـق من عبـارته الأخـيرةquot; ليس لي أهــل، لأن أهلي جميعا لم يعـرفـوا من أنــا في حـــياتيquot;!!؟؟
لقـد عـمّم حنا مينه بأن ليس لديه أهــل، ان كانوا في الوطن أو في العروبة
أو كانوا في الثقافة أو في السياسة، فليس اعتباطا أن يطلق هــــذا التعمـيم، وقد كانت نهاية العبارة واضحة جـدا ولا تحتاج الى تأويل، فهي تقول quot;لأن أهلي جميعا لم يعرفوا من أنا في حياتيquot;!!؟؟ ومنها نستعيد ذاكرتنا لتاريـخ هذا المبدع ونتـسائـل:
1-هل كرّمته الدولة السورية باحـدى جـوائزها الرفيعة!؟
2- هل كرّمه اتحاد الكتاب العرب السوريين وهو يعيش في وسطهم!؟؟
3-هل كرّمته وزارة الثقافة السورية، وهو الذي أفنى بقية عمره فيها!؟؟
4- هل التفتت اليه المؤسسات العربية quot; الثقافيةquot; وكرّمته كما كرّمت أناسا هو أرفع وأبسق قامة منهم!؟؟ ومنحـته جائزة تقديريه، تعينه على طــــبع مؤلفاته المخطوطة أو مشاريعه المكتملة والتي تنتظر النــور!؟؟
5- هل كرّمه quot; اليسـار العربي المتخاذلquot; وهو الذي وظّف أدبـه من أجـله وتحمل مشاق السجون والنفي والتنقـّل بين القارات!!؟؟
6- هل خصـّته احدى الفضائيات العربــيةquot; بريبورتاجquot; خاص حول حياته ومؤلفاته وأدبـــه ورؤاه ونظرته للأدب وقيمـه في ظــل هــــــذه الظروف العجفاء!!؟؟
7-هل انتبهت دور النشر العربية واتحاد الناشرين العرب الى قيمة عطاءاته الأدبية، ونشرت أعماله الكاملة دفعـة واحـدة!؟ أم أنها تعرف كيف تســرق
جهـده الفكري!!؟؟
8- عجبي من رئيس دولتــــه ووزير ثقافته، كيف ينامون دون وجـع وهــم يقـرأون مثل هـــذه الوصية والتي لو صدرت من كاتب في الغرب لأقامـت الدنيا ولم تقعدها!؟ ولحد علمي بـــأن وزير الثقافـة السوري هو أحد الأدبأء المعروفين في سوريا، كيف لم ينتبه لذلك!!؟؟
* في الختام نقـول: يـاطروسي... تمهـّـل المسير، فـــــــأن شراعك ما زال يخفق في قلوب محبيك، واسمك محفور في ذاكرة الأجيال، وسوف تزفـّـك أقـلام الشرفاء بآكاليل الغـارالتي تستحق، فأنت سـنديانة غائـرة الجــذورفي
هـــذا العـــالم العــربي.
حـنا ميـنه، ونحن مازلنا في ريعان الشباب في بغـداد، كان ذلك في مطــلع ســـبعينات القرن الماضي.
غـالي، هو الذي هـداني لقراءة حـنا مينه، وقـدم لي روايتـهquot; المصابيح الـــــــزرقquot;
وكان يسميهاquot; السـتائر الـزرقquot; مضفيا على التسـمــــــية أبعـادا quot;طـــبقية quot; ضـــمن محمولاته الماركسية، وقد قرأنا كل ماوصل الينا من أعماله الروائيـــة التي دخـــلت بغـداد وتجـاوزت الرقيب.
شـكـّل حــنّا مينه وعينا الأبـداعي الأول حول مفهومنا لأدب الـرواية، هـو والراحـل
د. عبد الرحمن منيف، وكان أغلــب أبناء جيلناquot; السـبعينيquot; من القـراء شـغوفـيــــــن
بهـذين الكاتبين، رغم الحضـور الواضح لنجيب محفــوظ، كـون منيف ومـينه أقــرب
بشكل واضح الى الفكـر اليسـاري ndash;الأشتراكي، وعـاشا حيــاة المنافي وذاقـا لوعـــــة مفارقــة الأوطـان على القـلا.
رصـانة الأسـلوب السـردي عــند quot; حـنا مينـهquot; تـداعـــــب أخيلتنا وهي تنسرح عـــبر الأمواج وتحـدّيات البحارة، لاسيما في ثلاثيتـه الجميلة quot; الشراع والعاصفة والـدقــل
وحـكاية بحـارquot; حتى بدأنا نقترب من ملامسـة شخـــــوص روايــــاتـه، وخصـوصـا quot;الطروسيquot; بطل رواية الشراع والعاصــفة، وكان الأمل يحدونـا بـــأن نلتــقيـه على أرض العراق، ولكن أقـدارنا وأقــداره حالت دون ذلك. وأجبرتني ظروف العـــــراق السياسية على مغادرة العراق في منتصف عام 1978 متوجها الى سـوريا، حيــــــث يسكن ويعيش حـنا ميـنه، ولكن لم ألتقـــه- وقتهـا- ومن دمشــق سافـــرت الى لبـــنان ومنه الى اليمن الديمقراطية ثم العودة الى الشام ثانية، ثم غــــــادرت الى بلغاريا ثـم عــدت الى دمشق ولم ألتقـه!! لأسـباب شتى.
في صيف عا 1984 م عقدتquot; رابطة الكتاب والصحفيين العراقيينquot; مؤتمرها الثاني بدمشق- مخيم اليرموك- في قاعة الشهيدة حـــلوة زيدان- وكان حــنا مــينـه ضمـــن المدعــويين كضيوف، وأعتقـد أنـه ألقى كلمة في المؤتمرين، وأثناء فترة الأستراحة،
طلبت من الراحل الأستاذ هـــادي العلــوي- وكان صديقه من أيام الصين- أن يعرفني عليه، فذهبنا وسلمنا عليه، وتحدثنا قليلا، ولم تتكرر اللقاءات بعـد، حتى هذه اللحظة،
كونه غير ميـّال للظهور في الأماكن العامة، أو الندوات الثقافية والاعلامية، اذ أنـــه كان مواضبا على عمله في وزارة الثقافة السـورية،وملتزما ببرنامج قراءة وكتـابــــة خاص به يمارسه في بيته بشكل صارم، يخضعه لزمن محـدد،ولم يسمح لأي كـان أن يفسد عليه هذا البرنامج. لذلك كان متوحـدا مع الأدب الذي يشتغل فيـــه، وأعطـاه كل عـمره بـأمتـــياز.
كما أني ملت نحـو التراث العربي- الاسـلامي بشكل لارجعة عنه، وزاد شغفي بـــه
وبدأت أبتعـد عن قراءة الرواية شيئا فشيأ، ثم غادرت دمشق عام 1993 ميمما وجهي صوب بلاد الثـلج ndash; روسيا ثم كـــندا- فغاب عن الناظـر عناوين كـــــثيرة مـــن الأدب العربي، والروايات العربية ليس لها وجود في مثل هذه البلدان، لكن اسم حـنا ميـــــنه
ظـلّ محفـورا بالذاكرة، حتى هذه اللحظـة، لذلك استفزّت ذاكرتي الصحافة العــربيـــة وهي تنشر quot; وصـية حـنا مينهquot; وكأنه يودع الحياة قبل الأوان. والغريب في الأمـرأنه
نشر الوصية بعد صدور عمله الثلاثيني quot; عـــاهـرة ونصــف مجـــــــنونquot; وقد اهـتـزّ
الكيان العربي الثــقافي برمـّته لقراءة هذه الوصـية، دون أن يطرف رمش جفــن لأي نظام عربي رسمي!!؟ وكأن في هذا الصـمت quot; شـماتةquot; مبطنة مـن هـــذه الأنـظمــة وكأنها توحي بالأنتصار على روح المثـقف!!؟.
حـنا ميـنه ndash; في هذه الوصيـة- كان يدرك أن السلطات الرسميــة لا تعـبأ بموتـه قــــبل الأوان أو بوقتــه، فـأراد أن quot; لايتحـمـّل جميلتــهاquot; عليه فأعلن ذلك جهـارا وهــو فـي أوج الادراك العقـلي، كي يسقط quot; منــّةquot; هذه السلطات الرسمية عليـه، فكتب في هـذه
الـوصـــية:quot; رغبتي أن لايحتفى بي ميــتـا، وأن لا يبكنني أحـــد، ولايحـزن علي أحـد، وأن لايقـام لي حفل تأبين، وجنـازة بسيطة، وأربعـــة أشخاص غرباء يحملون النعش من دائرة دفـن الموتى، ثم يهيـلـون عـلي التــــراب
وينفضون أيديهم من بعد ذلك، وكأن أمـرا لم يحصـلquot; ثــم ختـم الوصيـــة
بعـبارة قـاتلة، رافضا ومدينا بها كل القيم الزائفـة التي لم تراع وجـــوده في
. في الحيـاة
، حيث قـال: quot;ليس لي أهـل، لأن أهـلي جميعـا لـم يعرفـوا
من أنــا في حـياتيquot;.
* * *
دعـــــونا نقـرأ مابين سطور هذه الوصـية، العـبارة الأولى تقول:رغـبتي
أن لايحتفى بي ميتــاquot;!؟ لماذا يكتب حنا مينه هذه العبارة!؟ أليسـت هـــي نابعـة من قناعة مطلقة برفضه أي شئ، ومن أي جهـة، ان كانت دولـة أو مؤسسة ثقافية أو غيرهـا، حتى لاتكون صاحبة فضل عليه بعد وفاته وهو يرقد في لحـده،ولأنـه يدرك أن لاقيمة لأي احتفـاء بمبـدع بعـــــد الوفـــاة، والعبارة تفصـح عن رفض مطلق لهـكذا احتفـاء، لأنه كان ومايزال على قيد الحياة ولم تكـرّمـه دولته، أو المؤسسة التي يشتغل فــيها، أو اتحـــــاد الكتاب العرب الذي ينتمي اليه، حتى أن أغلب أعماله كانـت تطبـع خـارج ســوريا!! لذلك كان صارما جـدا في هذه العبارة، حتى لاينالــوا شــرف تأبينه.
وقـد رفض بوضوح السـير وراء جنازته من كل أدعياء حمــاة الثقافـة في وطنه عندما قال:quot;وجنازة بسيطة وأربعة أشخاص غربــــــــــاء يحــملون النعش من دائرة دفـــن الموتىquot;. اذن هي ارادة واعـــية مـــن لدنــه كـي لايعطي شرف المشايعة- بحمل النعش- للـّـذين يعرفونــــــه على المـستوى الثقافي والأجتماعي والسياسيي الرسمي، وحصر الأمـور بأصحاب مهنـة
دفـن الموتى- بحكم الاختصاص- وهـنا نلحظ الادانــة الواضحـــة لذلـــــك الوسط المتعـدد الأوجـه، والذي يعرفه عن قرب وطول معاشرة، وهم الذين
أهـملوه عن عـمد وأنكروا عليه حقـه، ولذا من حقـه أن يطلب أن لايشيعوه
ولا يمشوا بجنازتـه عند سـاعـة الرحـيل.
ان مـرارة الـوصية تنبثـق من عبـارته الأخـيرةquot; ليس لي أهــل، لأن أهلي جميعا لم يعـرفـوا من أنــا في حـــياتيquot;!!؟؟
لقـد عـمّم حنا مينه بأن ليس لديه أهــل، ان كانوا في الوطن أو في العروبة
أو كانوا في الثقافة أو في السياسة، فليس اعتباطا أن يطلق هــــذا التعمـيم، وقد كانت نهاية العبارة واضحة جـدا ولا تحتاج الى تأويل، فهي تقول quot;لأن أهلي جميعا لم يعرفوا من أنا في حياتيquot;!!؟؟ ومنها نستعيد ذاكرتنا لتاريـخ هذا المبدع ونتـسائـل:
1-هل كرّمته الدولة السورية باحـدى جـوائزها الرفيعة!؟
2- هل كرّمه اتحاد الكتاب العرب السوريين وهو يعيش في وسطهم!؟؟
3-هل كرّمته وزارة الثقافة السورية، وهو الذي أفنى بقية عمره فيها!؟؟
4- هل التفتت اليه المؤسسات العربية quot; الثقافيةquot; وكرّمته كما كرّمت أناسا هو أرفع وأبسق قامة منهم!؟؟ ومنحـته جائزة تقديريه، تعينه على طــــبع مؤلفاته المخطوطة أو مشاريعه المكتملة والتي تنتظر النــور!؟؟
5- هل كرّمه quot; اليسـار العربي المتخاذلquot; وهو الذي وظّف أدبـه من أجـله وتحمل مشاق السجون والنفي والتنقـّل بين القارات!!؟؟
6- هل خصـّته احدى الفضائيات العربــيةquot; بريبورتاجquot; خاص حول حياته ومؤلفاته وأدبـــه ورؤاه ونظرته للأدب وقيمـه في ظــل هــــــذه الظروف العجفاء!!؟؟
7-هل انتبهت دور النشر العربية واتحاد الناشرين العرب الى قيمة عطاءاته الأدبية، ونشرت أعماله الكاملة دفعـة واحـدة!؟ أم أنها تعرف كيف تســرق
جهـده الفكري!!؟؟
8- عجبي من رئيس دولتــــه ووزير ثقافته، كيف ينامون دون وجـع وهــم يقـرأون مثل هـــذه الوصية والتي لو صدرت من كاتب في الغرب لأقامـت الدنيا ولم تقعدها!؟ ولحد علمي بـــأن وزير الثقافـة السوري هو أحد الأدبأء المعروفين في سوريا، كيف لم ينتبه لذلك!!؟؟
* في الختام نقـول: يـاطروسي... تمهـّـل المسير، فـــــــأن شراعك ما زال يخفق في قلوب محبيك، واسمك محفور في ذاكرة الأجيال، وسوف تزفـّـك أقـلام الشرفاء بآكاليل الغـارالتي تستحق، فأنت سـنديانة غائـرة الجــذورفي
هـــذا العـــالم العــربي.
* باحث عراقي متغرّب في كندا
نقلا عن quot;موقع أفنانquot;
التعليقات