1
أينَ نُدْفَنُ حينَ نَمُوتُ
وَكُلُّّ الحقولِ الَّتي بَقِيتْ
زُرِعَتْ بالجَماجِمِ.. والخوفِ؟

كَيْفَ نُغَطّي ضَفائرَ زَوجاتنا
وتقاليدَ أطفالنا في اصْطِيادِ الفَراشِ
وَتَزْويقِ ظِلِّ الطّبيعةِ في حِصَّةِ الرَّسْمِ؟

أينَ سنُدْفَنُ ؛
كُلُّ القُبورِ الَّتي حُفِرَتْ بأَظافِرِنا
مُلِئَتْ بالصُّراخِ.. وَزَيْتِ المَصانعِ.. والنَّارِ
والأعْظُمِ البشرِيّةِ.. والحقدِ!
كَيف نَمُوتُ؟
وكيفَ تُعامَلُ أرواحُنا خارِجَ الجاذبِيَّةِ؟
نحنُ بِالْكَادِ نَحْمِلُ ذاكِرَةً.
مَسَحَ الخوفُ لاوَعْيَنا الباطِنِيَّ ؛
تصيرُ النُّجومُ أقلَّ انْسِجاما وأكثرَ حزناً
يُمَزَّقُ ثوبُ السَّماءِ، فَيَصْرُخُ كلُّ صبيٍّ
ويسألُ كلُّ فتىً:
أينَ نحنُ وماذا جَرى؟
حِينَها نَسْمَعُ الرَّدَّ: أَنْتُمْ ضُيوفٌ بِجُغْرافِيا البَرْزَخِ!
2
جمَعُونا كَما يُجمَعُ الضَّوءُ يُولَجُ في الظّلِّ ؛
لا طبَقيّةَ لا مَيْزَ لا فرقَ بينَ العِبادِ ؛
اللُّصُوصُ، القَراصِنةُ، الشُّعراءُ، الزُّنوجُ، بنُو الأصفَرِ،
الغُرَباءُ، عَباقِرَةُ الفِكرِ، أبْناءُ مازيغَ، شَعْبُ الشَّمالِ،
شُعوبُ الجنوبِ، الرِّجالُ، النِّساءُ،
الخَوارِجُ، قَومُ شُعَيْبٍ، سَمَاسِرَةُ البَرْلمََـانِ، العَمالِقةُ،
الشِّيعةُ، العَرَبُ، العَجَمُ، الـهِنْدُ والسِّنْدُ،
وَالبَشَرِيّةُ قاطِبَةً:
ثَُمَّ لا مَيْزَ لا طبقِيّةَ ؛
كُلٌّ سَواسِيَةٌ مِثْلَ أَسْنَانِ الـمُشْطِ..!

سَأَلُوني أَجَبْتُ:
َأنا مُصْطَفى بْنُ عَزيزَةَ بِنْتِ أبي هَاشِمٍ
مِنْ بُطُونِ قبَائلِ بَرْشِيدَ، شَرْقَ الـهَواءِ
تَرَبَّيْتُ بَيْنَ النَّدَى وَمَوَاعِظِ جَدِّي..

أَجَابَ المُؤَرِّخُ:
َنـحْنُ بُناةُ الحَضارةِ: بَدْءاً بِمِصْرَ القَديمَةِ،
فَالبابِلِيّينَ، فَالرُّومِ وَالفُرْسِ،
فَحَضَارَةِ يَعْرُبَ بِنْتِ النَّخيلِ
وَبِنْتِ القَصيدةِ وَالتّينِ وَالأَحْصِنَهْ..

أَجابَ المفكّرُ:
نَـحْنُ سَلاطينُ هَذَا الوُجودِ
نُصَنِّعُ في وَرْشَةِ العَقْلِ ما يَجْعَلُ الأَبَدِيّةَ أَكْثرَ نُوراً..
مُروراً بِسُقْراطَ ثُـمَّ أَرِسْطُو
وُصُولاً إِلى وَمَضَاتِ الفَرابي وَرُوحِ ابْنِ رُشْدْ..

..وَأَجَبْتُ أَخيراً:
أَنا مُصْطَفَى بْنُ القَصيدَةِ،
آخِرُ طِفلٍ يَقُودُ السَّفينةَ نَحْوَ الـمَسَارِ الصَّحيحِ،
وُلِدْتُ بِمَقْرُبَةٍ مِنْ مَطارِ مُحَمّدٍ الخامِسِ،
في صَبيحةِ يوْمٍ طَويلٍ،
وَحينَ كَبُـرْتُ
فَقَدْتُ البَراءةَ في طَريقِ الـهَاويهْ..
ثمَّ شِخْتُ فَمُتُّ
وَهاأَنذا المَيِّتُ الحَيَُ..في البَرْزَخِ!