هل يغير الشعر العالم؟
ماذا لو اجتمع زعماء العالم في قمة شعرية؟
(2-2)

عبد الجبار العتابي من بغداد:
ما عليك الا ان تغمض عينيك وتستمع الى ابيات من الشعر تأتيك من هنا وهناك، ستشعر انها تأتيك.. محلقة بأجنحة ناعمة، ترف بمشاعر ترفة، وترش عليك رذاذ السحر، تشعر ان كل شيء فيك تعطر بأنفاس زكية، تتناغم في ذاتك لغة طرية، تتسامى فيك بعنفوان جميل، وتهيمن على وجدانك وتجعلك تعيد رسم ملامح وجهك من جديد، تهتز اريحية تمتد في شرايينك وتشتعل في اوردتك، تحس بملمس حريري يهمس في اذنيك، وماذا لو ان القناة الفضائية التي تشاهدها بدل ان تقدم نشرة الاخبار السياسية، تقدم اخر اخبار الشعر وتتلو عليك مقاطع او ابيات من جديد الشعراء، او تزف اليك بشرى قصيدة مبنكرة حديثا، ان يطل المذيع بدون (قاط ولا رباط) وبدون ان يصطنع النظرة والكلمة والاسترخاء، ويشرح صدره للشعر وعلى محياه ابتسامة اعرض من بحر (الكامل)، واجمل من موسيقى (الرمل)، ويقرأ عليك ماقاله المتنبي وقد ظهرت على الشاشة صورة تخطيطية له:
إنْ كانَ قَدْ مَلَكَ القُلُوبَ فإنّهُ مَلَكَ الزّمَانَ بأرْضِهِ وَسَمائِهِ
ألشّمسُ مِنْ حُسّادِهِ وَالنّصْرُ من قُرَنَائِهِ وَالسّيفُ مِنْ أسمَائِهِ
أينَ الثّلاثَةُ مِنْ ثَلاثِ خِلالِهِ مِنْ حُسْنِهِ وَإبَائِهِ وَمَضائِهِ
مَضَتِ الدّهُورُ وَمَا أتَينَ بمِثْلِهِ وَلَقَدْ أتَى فَعَجَزْنَ عَنْ نُظَرَائِهِ
ومن ثم يدعوك الى الاستماع الى قصيدة للشاعر مظفر النواب بصوته وصورته وقبلها يرسم صورة قلمية عنه :
الحركة الأولى /وشجيرات البر تفيح بدفء مراهقة بدوية / يكتظ حليب اللوز / ويقطر من نهديها في الليل / وأنا تحت النهدين إناء / في تلك الساعة حيث تكون الأشياء / بكاءً مطلق، / كنت على الناقة مغموراً بنجوم الليل الأبدية / أستقبل روح الصحراء / يا هذا البدوي الضالع بالهجرات / تزوّد قبل الربع الخالي / بقطرة ماء / كيف اندسَّ بهذا القفص المقفل في رائحة الليل!؟ / كيف أندسَّ كزهرة لوزٍ / بكتاب أغانٍ صوفية!؟
وبعد ذلك ترتسم على الشاشة صورة الشاعر ارثر رامبو، صورة تحمل ملامحه المعبرة التي تنز ارتحالات في عوالم الشعر، وتأتيك كلماته بحروف لازوردية:
(احيانا ارى في السماء شواطىء لا نهاية لها، مغطاة بأمم بيضاء في حالة فرح. قارب ذهب كبير يقف فوقي، يلوّح براياته المتعددة الالوان تحت نسمات الصباح. خلقت كل الاعياد، كل الانتصارات، كل الفواجع. حاولت اختراع ازهار جديدة، كواكب جديدة، غرائز جديدة، لغات جديدة. وتوهمت امتلاك قدرات خارقة للطبيعة. ولكن! ينبغي علي الآن ان ادفن خيالي وذكرياتي! وهكذا تبخًّر مجدٌ جميل لفنان وحكواتي)
وحين يحاول ان ينتهي من قراءاته الشعرية يمنحك الغناء، يقول لك تعال لتستمع الى فيروز وهي تغني احدى قصائد جبران: (أعطني الناي وغني فالغنا سر الوجود / وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود).
اقول لصديقي الشاعر: ماذا لو ان زعماء العالم اجتمعوا في (قمة شعرية) وبدل ان يصعدوا الى المنصة لألقاء خطاباتهم السياسية والتهجمية والتراجيدية، يكون لهم منبر لألقاء قصائد تتحدث عن رخاء بلدانهم وجمال العالم والطبيعة وازدهار البيئة وعلاقاتهم الحميمة ومحبتهم للانسان وللكائنات الاخرى، الا ترى ان المواطنين سيشعرون بالانتعاش وهم يغنون الكلمات التي قالها زعيمهم وتباهى بهم بين العالم بالاخلاق الحميدة التي يمتلكها وبالمشاعر الجياشة التي يضمرها في نفسه، قال صاحبي: انه حلم.. فما اجمل العالم حين يتحدث بالشعر، هذا اللغة الطيعة الشفيفة التي تنم عن دواخل مرهفة، هل تعتقد يا صاحبي ان الملل سيصيب العالم حين ينشر الشعر اجنحته فوق حياته؟.
قلت للشاعر عبد السادة البصري: هل ترى من الممكن ان يغير الشعر العالم؟ فقال: وهل يمكن للعالم ان يحيا دون الشعر، كيف نتنفس؟، نمشي، نضحك، نأكل، نبني مدنا وعوالم دون الشعر؟، الشعر مرآة حياة الناس جميعا، بأمكانه ان يغير كل شيء لا العالم فقط، ولكن بوجود ارض خصبة لذلك، ونفوس تتفتح صاغية ايضا.
واضاف بعد لحظات من التأمل: الشعر هو العالم اجمع، لايمكن ان نحيا بدونه.
انقل السؤال الى الشاعر الفريد سمعان الامين العام لاتحاد الادباء والكتاب في العراق، فيجيب قائلا بعد ابتسامة استقبل بها السؤال: ربما.. الشعر يساهم في اضفاء الكثير من الاشياء الرائعة والجميلة، ويستطيع ان يقنع الاخرين بأن للحياة طعما آخر، وان المستقبل غني بعطاءات كثيرة وان التناريخ ينقل الرسالات من جيل الى جيل ويسعى الى تسهيل مسيرة الانسان واكتشاف عوالم جديدة.
واضاف الفريد: الشعر قد يغير بعض السمات والمظاهر وقد يؤثر على هذه المسألة او تلك وقد يعطي الحاكم فكرة عن موضوع ما، وقد يقول للشعوب ان الغد حافل بأمور عديدة ولا بد من العمل والسعي الى التغيير، اما ان يغير العالم بشكل كامل فهذه مسألة مبالغ فيها.
وحملت السؤال نفسه الى الشاعرة سمرقند الجابري فقالت: اصبح الشعر اليوم يوحد العالم وصار للكلمة ابعادها وللمثقف دوره، قد لا يغير الشعر غير جزء في العالم، غير ان هذا الجزء له الاهمية في اثبات ان توهج الروح قائم رغم صراعات الغابة الانيقة التي تحيط بنا وتريد الاستيلاء على اجزاء حياتنا عنوة، وبين ان نستسلم لتيار تتري وان تبحث عن ذاتك في لوحة او قصيدة او اغنية بين شفاه الامنيات، انتماؤنا البشري يقودنا للبحث، ودائما تقودنا الروح الى انهار الادب.
واضافت: استطيع الان ان اكتب قصيدة للصغار ويلحنها صديق لي واحدث ثورة في ازقة بغداد او ان اقرأ قصيدة في مقهى للادباء واحدث فيها جدالا وحوارا، تسألني ان كان الشعر يغير العالم..؟، انه يغير الكون ياسيدي!!.
اما الشاعر مسعود مقداد فقد قال مجيبا عن سؤالي: نعم.. يمكن للشعر ان يغير العالم، لانه كل شيء وقبل كل شيء وبعد كل شيء، هذا اذا عرفنا ان كل شيء بدأ تكوينيا مع خيال الانسان الاول، فكان يصف الاشياء او العالم وصفا شعريا حتى يقرب الاشياء مقاربة اجمل.
واضاف: بربك كيف يبدو العالم بلا شعر؟، تخيل عالما بلا متنبي ولا جواهري ولا ادونيس ولا اليوت ولا رامبو.، كيف يبدو؟، تصور.. موسيقى بلا شعر، لوحة بلا شعر، ما الذي سيقوله المحبون بعضهم لبعض.
قال ايضا في ختام كلامه: بالشعر تتأسس القيم والاعراف والقوانين وحتى المجتمع، ايتكون النظام دون نظام؟
في الختام.. اجدني انظر العالم الصاخب الضاج بأخطائه، اعاينه وهو يلهث نحو مغريات وهمية، وأسمعه وهو يتحدث لغات عصية على الفهم، او لغات قاسية، تتطاير كالحجارة، العالم يمر في حالة فوضى في مشاعره وتخيلاته ونبله وذوقه وتطلعاته، انه يمارس الخشونة في كل اعماله الحياتية اليومية، الكلام الذي يقوله مؤكسد بدخان المباهج الخداعة والرقص السريع واللجوء الى (افيونات) عديدة من اجل ان يغيب عن لحظات الحقيقة، لذلك فليس هنالك ما يغير العالم ويخرجه من عبثيته هذه الا الشعر، اعتقد ذلك، ولكن هل يمكن ان يشرح سكان الارض صدورهم لذلك، وهل يبتغي السياسيون من الشعر حلولا سحرية لقضاياهم العالقة؟
اتمنى ان احمل السؤال وادور به على الشعراء العرب والاجانب من اجل الحصول على اجابات ومن ثم الحصول على اقتراحات لتفعيله، هل يمكن ذلك؟!!.