نصيف الناصري
للخلاص من رطوبة السنوات التي عشناها
يأملُ الانسان بطول البقاء، والبقاء الطويل في العفن الدائم للعمر مسخرة.
ما يثير الريبة عندي دائماً، هو هذا السعي المحموم للبشر في
الحرص المريض على التشبث بتفاهات الواقع اليومي للحياة.
الاستمرار في الحلم اللازوردي للعيش، يفطمنا من الطحلب
العتيق للقوقعة المروّضة للأيام والليالي.
انظر الى أولئك العجائز في الدروب، وعلى المصاطب المنتشرة
في الحدائق والميادين. انهم لا يعيشون لحظات حيواتهم المطفأة بأمان.
لا قناديل ربيع تنيرُ طرقاتهم ولا أمل لهم في الحصول على عطية أوغنينة ما.
المرض والعته والجنون، هو كل ما يجعل أحلامهم الشيطانية مستيقظة
في انتظار الشرارة الباردة للبقاء.
لا أحد منهم يستعدُ للموت بشرف من أجل اللحظة الشفيفة للرحيل بشجاعة
عن خواء وقبح العالم، ولا أحد منهم يعبرُ في ابتهالاته المسائية، الصخرة
المتكسرة للهندسة المحُكمة لقبره الجميل.
كل شيء في الحياة ينبضُ باضمحلالنا وضمور رغباتنا التي تتآكلُ في كل حين.
ولا أملُ لنا إلاّ بالاندفاع صوب البركان للخلاص من رطوبة السنوات التي عشناها.
مالمو

ظل للثمرة المتعفنة لحركة التاريخ
كم يلزمني من الوقت للتخلص من الأشياء التي تهدد حياتي ؟
لا يقين عندي ولا أحلام، ولا آمل في أيام جديدة أكثر لطفاً
من حاضري الذي يسيجه الشظف والمعصية واللعنات.
عبرتُ في شبابي حقول ألغام كثيرة، وعشتُ حياتي كلها في قلب الفوضى
وامتدت يدي الى ثمار أشجار غاطسة في الأعماق الخطرة لنهر المسيسيبي.
أريدُ الآن أن أزيل عن عينيّ هذه العلامات الأكثر حموضة من عطر الصلاة.
وعلى الرغم من انني الآن أعيش حياتي بصلابة المحارب
لكنني أشعر أن آلاف الصخور قد سقطت فوق رأسي
وتصدعت طرقي، وحجارة ماضيّ المنتصبة تحت الشموس المتماثلة.
هل لي أن أنجو بكينونتي من هذا اللاأمان المخزي والخدّاع المعلق في
أغصان نومي الضئيل؟
أود الآن أن أخرج من هذا الكوكب الشائخ وأقذف نفسي في اللاشيء
وأصل الى الأعماق المتغطرسة لظلال اللاوجود.
هل أنا ظل للثمرة المتعفنة لحركة التاريخ؟
صاعقة. صاعقة أكثر رحمة من الشمس العليلة لحياتي المؤرقة.
مالمو
* شاعر من العراق يقيم في السويد
[email protected]