عبد الجبار العتابي من بغداد: تخليدا لذكرى المفكرالعراقي الشهيد قاسم عبد الأمير عجام، اقامت الجمعية العراقية لدعم الثقافة في قاعة جمعية المهندسين العراقيين احتفائية توقيع كتاب (القابض على الجمر ) لمؤلفته الدكتورة نادية غازي العزاوي، الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة تحت عنوان سلسلة جديدة حملت عنوان (وفاء) وتضمن الكتاب سيرة حياة ومذكرات ويوميات الشهيد، كما كانت الاحتفائية مناسبة للحديث عن الراحل انسانا واديبا اصدقاؤه: ناجح المعموري، جاسم عاصي، موفق محمد وشقيقه الاعلامي والشاعرعلي عبد الأمير عجام الذي كان تواجده من خلال الشهادة التي بعثها وقرأها رئيس الجمعية مفيد الجزائري، بالاضافة الى ابن شقيقة الشهيد الذي قدم عرضا للكتاب.

افتتح الاحتفائية الجزائري الذي اثنى على الراحل انسانا واديبا، ومعبرا عن حزنه وعميق احترامه لمجهوداته وسيرته الطيبة، كما اشاد بالكتاب وبالمؤلفة التي اسماها كاشفة الاسرار، ثم ترك الحديث لاصدقائه، فتحدث القاص ناجح المعموري عن علاقته التي تمتد الى الطفولة مع الراحل واشار الى صفاته العديدة وطباعه الجميلة وبواكيره الثقافية واكتشافاته والى بعض الرسائل التي بعثها له الراحل، كما تطرق الى ضابط امن محافظة بابل الذي طلب منه اعلان البراءة من شقيقه (علي) الذي كان قد غادر العراق، فعاش انذاك عذابات مريرة حتى انه قال للضابط ان علي ابني فكيف يمكن لي ان اتبرأ من ابني، وهو ما جعل الضابط يطلب منه ان يغسل وجهه ويقول له انها المرة الاخيرة التي فيها الى دائرة الامن، مضيفا: أن الاستذكار للناقد والمفكر قاسم عبدالأمير عجام ينطوي على سؤال جوهري يختصر الكثير من التساؤلات واعني به دور المثقف الحقيقي في دعم التغيير السياسي وبلورة مفهوم جديد للثقافة في فضاء الحرية الواسع وضرورة اصطفاف الادباء الحقيقيين لبلورة ما يمكن أن نطلق عليه عتبة العقل العراقي الجديد.

اما الشاعر موفق محمد فقد قرأ قصيدة له رثاء بعنوان (على أي رمح سيرفع رأس العراق) جاء فيها:
(وتود لو حنت الفصول
على الربيع فكن فصلا
اعطيت نفسا لمت الاجزاء
حتى صرن كلا
أقاسم واقاسماه
تضيق المراثي ويكبر جرح البلاد
يد الرعب تفرك رأس الزناد
والشمس تصعد بالدماء
والبلاد التي مزقتنا جميعا
فتحت صدرها للذئاب
ويصرخ جرح العراق / في رؤوس البشر/
تبني البنادق اعشاشها
يد الحقد تضغط رأس الزناد )

وتحدث الناقد جاسم عاصي عن مأثر الراحل وما عرفه عنه كمتابع جيد وكاتب مميز وقال عنه: بين النار والرماد تتمركز الازمنة لتلعب دورها، فلا الزمان يستطيع ان يطفيء النار ولا الرماد بقادر على تغيير وظيفته، فكلاهما اتحدا ليخبئا وهجا له قدرة الاختفاء والجذب، فأن خبت يوما شدة وهجها تلك النار فالرماد من كان يخفيها، غير ان نفس الروح من يعيد لنارها قوة اللهب، هكذا كان ابو ربيع وهكذا يبقى في الذاكرة التي تستمد من ذاكرته الصور الباهرة والمضيئة، فما عرفناه مستسلما لقدر الازمنة وانما كان يراوغها بحكمته وسعة رؤيته وشمولية معارفه، مؤكدا: ان عجام لم يكب يوما رغم عثرات الأزمنة ومعوقاتها، فهو المتغلب عليها بالمعرفة التي رشحت أخلاقه العالية في التعامل مع الخاص والعام، لذا كانت العلمية ودقتها في فحص الأشياء دليله الدائم.

ثم قرأ مفيد الجزائري ما كتبه علي عبد الامير عن شقيقه، كانت الكلمات مؤثرة بالطبع وقد جاب علي فيها سنوات عديدة من حياتهما معا وتفاصيل مما لا زال يتذكر عن تلك الايام والليالي الخوالي التي تعلم فيها من شقيقه وكما قال عن كلمته التي كانت بعنوان (درس في الامل): هذه كلمات ثناء على سيرة عطرة وشخصية تحتذى، ليس لان صاحبها هو اخي وحسب، بل لانها سيرة نقاء وسط اجواء آسنة، سيرة محبة وسط اجواء متدفقة من الكراهية، سيرة عطاء ونكران للذات في زمن شيوع قيم الانانية، سيرة حرية رغم جدران العبودية، سيرة علم ومعرفة وبناء في وقت منذور بالكامل للهدم، سيرة صبر ومجالدة، سيرة من ظل ينتمي لافق فكري فسيح رغم عزلته المكانية والزمنية القسرية، هنا أرثي الجمال في سيرة انسان انيس وحالم وعادل وموضوعي تعلمت منه رقة الموسيقى دون ان يتحول الى ملقن، واضاف: اليوم أستعيد يديك الحانيتين على شتلات الورد، اليوم أشم النعناع في فراتك المخضب، اليوم يا أخي وانا أبتهج بمشهد الزهور في مهرجان بغداد الاول أقول ان روحي التي ظلت تنتظر نعناع راحتيك، آن لها أن تهنأ بشيء من غرسك الجميل.

بعد ذلك جرى حفل توقيع الكتاب حيث راحت المؤلفة الدكتورة تمنح نسخا منه هدايا للحضور، مذيلا بتوقيعها واهدائها الذي سنقدم له عرضا لاحقا.

وقاسم عبد الامير عجام.. المولود في قضاء المسيب بمحافظة بابل عام 1945، ناقد ومفكر عراقي، له مؤلفات في الأداب وعلوم الزراعة ومقالات وكتابات نقدية كثيرة، شغل مناصب عدة منها: رئيس لإتحاد أدباء الحلة، ثم عين بعد العام 2003 مديرا عاما لدار الشؤون الثقافية، إلا انه اغتيل في بعد اسبوعين من تقلده المنصب في 17/ 5/2004 بالاضافة الى ولده الذي كان بصحبته، كما عمل بعيدا عن الصحافة مديرا لناحية (جبلة) في بابل، وقد أصدر اتحاد ادباء بابل كتابا عنه بعد رحيله حمل عنوان (النور المذبوح الشهيد قاسم عبدالامير عجام عين ثقافة العراق).