بيروت: أن يندرج quot;معرض بيروت العربي للكتابquot; في دورته الثالثة والخمسين ضمن احتفالية quot;بيروت عاصمة عالمية للكتابquot;، فهذا يعني تحدّياً جديداً يضاف إلى التنظيم التقليدي والتحضيرات الروتينية التي يشهدها المعرض سنوياً. مساحة الإبتكار والتجديد لا بدّ أن تكون أرحب لإضفاء بعض التميّز والغنى الفكري ليتناسبا مع حجم الحدث، فهل لمس المثقف والمتابع والقارئ في شكل خاص تطوّراً ما، باستثناء توسيع المساحة المخصصة للمعرض في البيال- بيروت وازدياد دور النشر المشاركة؟ وهل ما زال معرض بيروت quot;عميد المعارض العربيةquot; بعد حضور عريق له تخطّى النصف قرن منذ انطلاقته في العام 1956؟ وأين الدور الإيجابي الذي يؤدّيه في استعادة شغف القراءة المنحسِر عاماً بعد عام، حتى أصبح القارئ quot;الديناصور الأخيرquot; كما عنوَنت quot;دار رياض نجيب الريّسquot; مشاركتها في معرض الكتاب العام الماضي؟
هذه التظاهرة الثقافية التي ينظّمها النادي الثقافي العربي ونقابة إتحاد الناشرين في لبنان بالتعاون مع وزارة الثقافة، شهدت في هذه الدورة إقبالاً كبيراً على المشاركة من دور النشر العربية واللبنانية التي تميّزت عن السنوات الماضية، فإلى جانب 176 داراً لبنانية شارك أربعون ناشراً عربيّاً من مصر وتونس والبحرين والأردن وسورية، وكانت مشاركة رسميّة لأربع دول عربية هي المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، فضلاً عن 22 مؤسسة ثقافية أجنبية. يعزو رئيس النادي الثقافي العربي عمر فاضل هذه المشاركة اللافتة إلى المناخ السياسي المريح والمستقر، وإلى الأجواء الأمنية الهادئة التي سادت في الفترة الأخيرة. تجديد توسّعي آخر طاول المعرض بزيادة ثلاثين في المئة على المساحة التي يشغلها، فيلحظ الزائر تلك الخيمة المضافة حيث الكافيتيريا وبعض الدور التي لم تحظَ بمكان أقرب، في حين تطالع الروّاد بعض الأجنحة الضخمة المتاخمة للمدخل ومنها جناح المملكة العربية السعودية.
التقدّم التقني والفني في مجال الطباعة والإخراج والاهتمام بالكتاب، جعل بيروت متقدمة في هذا المجال فبقيت لأعوام مضت quot;مطبعة الشرقquot;، إلّا أن هذا الامتياز لم يضعها على قائمة العواصم القارئة، وما يشهده معرض الكتاب من تراجع ملحوظ على مستوى الإقبال وبيع الكتاب هو المؤشّر الأخطر إلى انتفاء ثقافة القراءة من مجتمعات بات الكتاب في آخر سلّم أولوياتها. quot; ثقافة الكتاب تحتضرquot; يقول صاحب دار ومكتبة بيبليون المتخصصة في الفلسفة والتصوّف ونشر تراث الأديان في المشرق العربي، والمشارك في معرض بيروت الدكتور لويس صليبا، ويضيف: quot;وسائل الاتصال الحديثة كانت الضربة القاضية لما تبقّى من شغف القراءة وشراء الكتاب. هناك ضرورة ملحّة لتنظيم قانوني للمواقع الإلكترونيّة التي تعمد إلى قرصنة الكتاب من دون رادع أخلاقي، فما يحصل على هذه المواقع هو فضيحة حقيقية لناحية قرصنة الكتب الصادرة حديثاً والتي تلقى رواجاً، يستطيع أي مستخدم وبنقرة على محوّل quot;غوغلquot; أن يحصل على تحميل مجّاني لأي كتاب مهما يكن نوعه. هذا مستحيل أن يحصل في غير الدول العربية، حتى أن بعضهم يعمد إلى تصوير الكثير من الكتب المهمة من مكتبة الإسكندرية، وعرضها على الإنترنت جاهزة للتحميل المجاني. هذه الظاهرة تتفاقم وسوف تقضي مستقبلاً على سوق الكتاب العربيquot;.
على رغم وفرة الأنشطة التي يزخر بها معرض بيروت للكتاب، بقي الإقبال على شراء الكتاب ضعيفاً، وهذا ما يؤكده بعض أصحاب دور النشر مقارنة بالعامين الماضيين. يعزو البعض هذا التراجع إلى توقيت إقامة المعرض زمنياً بُعيد عيد الأضحى وقبل عيد الميلاد، ما يؤثر على القدرة الشرائية عند المستهلك العادي. أما الطقس العاصف الذي رافق انطلاقة المعرض فأثّر أيضاً على زخمه، quot;في لندن يأتي الناس تحت الثلج أما عندنا فقليل من المطر يثني الزائر عن الحضور، كما يقول صاحب quot;دار الساقيquot; أندريه غسبار، هناك أكثر من مئتي دار نشر مشاركة في المعرض، وبانطباع شخصي أرى أن أقلّ من عشر دور مرتاحة إلى انطلاقة المعرضquot;. ويرى غسبار أن تناقضاً كبيراً يحصل بالنسبة إلى شراء الكتاب، فثمنه مرتفع قياساً بالقدرة الشرائية للمواطن بينما هو بخس بالنسبة إلى كلفته التي تقترب من كلفة الكتاب الأوروبي.
أنشطة مميزة طبعت هذه الدورة، لعلّ أبرزها quot;ملتقى الروائيين العربquot; الذي تناول الرواية في أوجهها وأبعادها، والذي استمر على مدار ثلاثة أيام شارك فيه روائيون عرب منهم واسيني الأعرج، الياس خوري، رشيد الضعيف، إميلي نصرالله، اسكندر حبش، بهاء طاهر وغيرهم. إلى جانب الإعلان عن اللائحة القصيرة لجائزة quot;البوكر العربيةquot;، ومحاضرات عن النشر الإلكتروني والتربية والتعليم، وندوات إنمائية وورش عمل عن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وطاولات مستديرة تتناول تصميم الكتاب، إلى معارض تشكيلية وفوتوغرافية، وأمسيات شعرية وفنية وتكريم بعض الأسماء الإعلامية والأدبية والفكرية. أما تواقيع الكتب التي باتت ظاهرة في المدة الأخيرة، فهي ترافق البرنامج الثقافي في المعرض في شكل يوميّ يضفي حركة كبيرة على دور النشر التي تعتمد هذا التقليد الجاذب. واللافت هذه السنة، إلى جانب العناوين والإصدارات الجديدة، الحضور الكثيف لترجمات الأدب العالمي، منها الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الألماني راينر ماريا ريلكه الصادرة عن مشروع quot;كلمةquot; لـ quot;دار الجملquot; العراقية تحمل توقيع الشاعر العراقي كاظم جهاد. كذلك الأعمال القصصية الكاملة لوليم فوكنر، وترجمات أخرى لألبر كامو وبول أوستر وquot;جبل الروحquot; لصاحب نوبل الصيني غاو كسيغنجيان وغيرها.