شعر كريم ده شتى
ترجمة عن الكردية محمد ملا حسين

1
كَيفَ أَكتُبُ جَمالَكْ؟
كِتابَةُ المِياهِِ
إنها فِعْلُ الآلهةْ
مُستَصْعَبٌ على نارِ النُحورِ
خَطُّها
تَثنِيَةُ إنشاءِ جَمالِكَ مِنَ الماءِ
شُعُّ الأساطيرِ
لنْ تُحْدِثَهُ أصابِعُ القَلبِ القَصيفَةُ قَطُّ

2
جَمالُكَ صِنوُ الماءِ
أُلْقِيَّتي أَنّي مُكْرَهٌ أبداً
أنْ أُشايِعَ كُلَّ المياهِ

3
أراكَ أنا في أيِّ ماءٍ
إذْ أَنَّكَ في حَشى عَيْني
مُحالٌ الآنَ كَرَّة أُخْرى
أنْ أُبصِرَ ظاهِرَ قَسَماتي

4
أَمضي صَوبَ المياهِ دوماً
وأنتَ مَضْمومَ المياهِ دوماً
حينَ أَوَدُّ احتِضانَكَ
لابُدَّ أنْ أُفَكِّرَ في البَحرْ
عَلَّني أسطيعُ احتِضانَهْ؟

5
أنتَ ماءُ الأمطارِ تِلكْ
تَهْمِي فوقَ قُلوبِ سائِرِ الأشجارِ
أُحِسُّ أحياناً
أشجارُ الثَّرى كُلُّها
بجَمالِكَ دامَتْ قائِمَةْ

6
جَمالُكَ صِنوُ الماءِ
يُطْفِىءُ أَوارَ الترابِ
لكنّي حينَ أَشْرَبُكْ أَظْمَأُ أكثَرْ

7
حينَ تدخُلُ الماءَ لا أَرى فارِقاً
أشعُرُ أَنَّكَ ذاكَ الماءُ عَينُهُ
تَنْثالُ في مَنْهَلِكَ ذاكْ

8
سأَلتُ المياهَ أَنفُسَهُمُ فأَفاضُوا
أَنَّكَ من سُلالَةِ الماءِ
لِذا شاعِرٌ أنا يوماً فَيوماً
أَنِّي أذوبُ وأُمْسِي ماءا

9
جُلْتُ بُلداناً كثيرةْ
واجْتَزْتُ مَنازِلَ خَصَرٍ كثيرةْ
أينَما كانتْ ناحِيَتي
كُنتَ معي باطِّرادٍ
إِذِ المياهُ دوماً تُنادِينِي

10
جَمالُكَ رائِقٌ كالماءِ
تَصُبُّ في كلِّ الشِّعابِ
لِذا يُغرِقُ بُخارُ جَمالِكَ
كلَّ الأرجاءِ بالضبابِ

11
أظَلَّ ظامِئاً دوماً هوَ قَدَري أنا
إذْ أني حيثُما مدَدْتُ يَدِي إلى أيِّ ماءٍ
أُحِسُّ أني مَغصُوبٌ على ارتِوائِي مِنْكْ

12
أنا تُرابِيٌّ وأنتَ مائيّ
ذَوَبانِي بينَ يديْكْ
مَزُّكَ بينَ يدَيْ


13
منذُ اليومِ الذي استَحَلْتَ فيهِ ماءاً
تَعظُمُ صحراءُ قلبي وتَتَمَدَّدُ

14
أنتَ مِنْ كيمياءِ ماءٍ آخَرَ
لونُكَ يُحاكي لونَ العُشْبِ
عِطرُكَ يُضارِعُ عِطرَ النعناعِ
مَذاقُكَ يُماثِلُ مَذاقَ الألهْ

15
كلُّ الطُّيورِ التي تَشْرَبُكَ رَشْفَةً رَشْفَةْ
استَعَرَتْ حَناجِرُهُمْ بالغِناءِ
أجنِحَتُهُمْ بالطَّيَرانِ
إنَّها منقوشَةٌ ألوانَهُمُ بِشُعِّ الأساطيرِ

16
قَطَراتُ المَطَرِ حينَ الهُطولِ
يُنْشِئْنَ غَديرَ جَمالِكَ
والغدرانُ تُصبِحُ بَحرَ خُلودٍ
والبحارُ تَغدو مَبْعَثَ الوجودِ
17
حينَ يَهطُلُ المطرُ
جَمالُكَ يَكسُو كلَّ الأرضِ
حينذاكَ أُدرِكُ أَنّي
لنْ يَبْقى لِيَ مَوضِعٌ على التُّرابِ

18
أنا أعلَمُ لِمَ أنتَ ماءُ بَقائي
إذْ تُصبِحُ وُرَيقَةُ روحيَ صفراءَ
حينَ يَرْشَحُ مِنها الماءُ قطرةً قطرةْ

19
يُقْتَضى وجُودُ سِرٍ ما
أعودُ الى أيِّ شاطِىءٍ
تُظْهِرُ نَفْسَكَ بألْفِ ضَريبْ
أبسُطُ يَدِي في أيِّ صَوبٍ
تَنْتَقِعُ أعماقُ روحيَ بالماءِ

20
أحياناً أَقولُ إنَّّكَ تُشْبِهُ العُشْبَ
لكنّي حينَ أَرى نَدى أوراقِ العُشْبِ
أقولُ كَّلا إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ ماءَ الخلودِ

21
صباحاً يَنهَضُ شَوقٌ
أَقولُ إنَّهُ أَنتَ تَتَفَقَّدُ المياهْ
عِنْدَ الظَّهيرةِ يَتَرقّى بُخارٌ الى السماءِ
أقولُ إنهُ أنتَ تَصيرُ مَطَرا
مساءاً يَكسُو نورٌ مُقْلَةَ العينِ
أقولُ إنهُ أنتَ سَتُمْسي ماءاً كَرَّةً أُخرى

22
أَسمَعُ هَسيسَكَ مِنَ الماءِ مُجَدَّداً أيها الماءُ
تَسْلُبُ مِنِّي سَعةَ رَشادي
أرى طَلْعَتَكَ من الماءِ أيها الماءُ
تُفْعِمُ جُذورَ ذِهْنيَ المُنَدَّى
أنا الآنَ لستُ شيئاً غَيرَ الماءِ

23
أرفعُ القَدَمَ أغرقُ في الماءِ
أتَحَدَّثُ يُتْرَعُ اللِّسانُ بالماءِ
أُغنِّي يَمتلِىءُ القلبُ بالماءِ
جُلُّ ما أعقَلُهُ أَنكَ أنتَ وُرَيقَةُ عُشْبِ الماءِ
عَمَّدْتَّني في الطَّورِ الأَزَلي للماءِ

24
كلُّ الأَحلامِ التي أَراها
تُفَسِّرُ لِيَ المياهَ
حينَ أصْحو صباحاً
تَنَزُّ من أنامِلي ماءُ جَمالِكَ قطرةً قطرةْ

25
سَيَأْتي يومٌ تُغْرِقُني في القَحْطِ أنتَ أيها الماءُ
سَيَأْتي يومٌ أُحْيِيكَ أنتَ من نَداوَةٍ أنا الغَريقُ

26
يا مائِيَ أَنتَ أيها الماءُ الأوحَدُ
لستُ جِلجامِشَ أبحثُ عن الخُلودِ
أنا نَرسيسُ مُتَمَهِّلا أذوبُ
حَسْبيَ إِبْصارُ صُورَتي مرةً واحدةً
في ماءِ صَفْحَةِ مُحَيّاكْ


27
أنتَ أيها الماءُ أيها الماءُ الأوحَدُ
أنا هناكَ حيثُ تَقِفُ عِندَ المَضائِقِ
أنا مَعَكْ حيثُ تَنهَمِرُ على الترابِ
في وقوفِكَ وانهِمارِكَ
في حَضْرَةِ مَوجةٍ مِنكْ أيّانَ تَعرِضُني؟

28
كثيراً ما أسمَعُ صَوتاً
يَنبَلِجُ من ظاهِرِ المياهِ
أَعدو مُسْرِعا صَوتُكَ لِيَ أنا مأْنُوسُ
لكِنّي لا أسمعُ شيئا آخَرَ غَيرَ خَريرِ الماءِ

29
أنتَ ماءٌ ذو سبعةِ ألوانٍ
أَحَدُ ألوانِكَ يُشبِهُ النارَ
بهذا اللونِ تُحرِقُني
أَحَدُ ألوانِكَ يُشبِهُ الريحَ
بهذا اللونِ تأخُذُني أجتابُ الدنيا
أَحَدُ ألوانِكَ يُشبِهُ الترابَ
بهذا اللونِ تُوارِيني الثَّرى
30
في أحدِ الصباحاتِ ألْقَيتُ سَمعيَ للماءِ
كان يتحدَّثُ عنكَ بهدوءْ
إذْ ذاكَ أدركتُ أَنّي قد عشِقْتُ أُقنُوماً
أوقفَ كُلَّ المياهِ في انتِظاري

31
في جَوفِ أي سَحابٍ تكونُ
أنتَ ماءُ عَينَيَّ الأثنَتَينْ
تُغادِرُ إلى أي سَماءٍ
سوفَ تَنسَكِبُ عَلَيّ

32
لأنكَ ماءٌ أنا إنسانٌ مائِي
أينَما مَضَيتَ في الدنيا
العُقْبى امتِزاجُنا معا

33
أنتَ أيها الماءُ الأكثرُ ماءاً
أحيانا أراكَ في بَريقِ نَدى الجبالِ
ذاهباً الى مَنزِلِ العُشْبِ
34
حينَ أرتَدُّ الى المياهِ
أتَمَعَّنُ في مُحَيّاكَ المائيِّ
أرى انبِلاجَ حِكمَةٍ ما
أَعلَمُ أَنها حِكمَةُ اللهِ

35
أفكِّرُ في سيمائِكَ المائي مِرارا
أُحِسُّ كأنَّ أرباعَ الأرضِ كُلَّها ماءٌ
لمْ يبقَ مُقامٌ أَضَعُ عليهِ قَدَمي
العِلَّةُ أَنَّكَ موجودٌ في كلِّ المياهِ
لِذا تَخَثَّرْتُ أنا ها هُنا

36
أَيا مِرآتيَ الأَبَدِيَّةْ
لا أعلمُ هلِ الماءُ وَهَبَكِ الخلودَ
أم أَنكِ وَهَبْتيهِ؟
ما أَمَضَّ سُقوطِي في هذهِ الأُحبُولةْ

37
أنتَ ماءٌ ساجٍ
أعلمُ أَنَّكَ ستُميتُني ذاتَ يومٍ
أنتَ ماءٌ صاخبٌ
أعلمُ أَنَّكَ ستُحْييني ذاتَ يومٍ
لِذا يَتَأَرجَحُ جَسَدي بينَ الموتِ والحياةِ أبدا

39
أَعرِفُ كلَّ الرياحِ أنا
ريحٌ مائيةٌ أنتَ
عند هُبوبِكَ أنتَ
الدقائقُ والساعاتُ والأيامُ والأعوامُ وقلبي
تَعصى في حَمأَةِ الزمنِ
لكنها تَهْوى كُلَّها في جَوفِ الزمنِ
حينَ تهدأُ أنتْ

40
حينَ تَؤوبُ الى مَثوى الثلجِ
تُخْفي ذاتَكَ عني كماءٍ رائِقٍ
تَغدو كُلُّ الدنيا لِيَ كَفَناً
وتَلوحُ بيضاءَ بيضاءْ


41
في طريقي صادَفَتْني الجِرارُ الخَضْراءُ لِلمَقْبَرَةْ
شَرِبْتُ رَشْفَةً مِنْ ماءِ خُلودِكْ
رأيتُ جِلجامِشَ مِنْ بَعيدٍ
يَرفَعُ لي يدَيهِ
عَلِمْتُ أنَّ ما يَبْحَثُ عنهُ هوَ
لنْ يجِدَهُ الآنَ أبدا

42
حينَ زُرْتُُ المَقابِرَ
رأيتُكَ تحتَ كلِّ شَجَرَةِ كَرَزٍ
كنتَ أصبَحْتَ بِرْكَةَ ماءٍ زَرقاءَ
والسماءُ والأرضُ مُتَمازِجَتانْ

43
يا خاقانَ جَمالِ كلِّ المَراسي
كنتَ تُمسِكُ يدَِ سُنْبُلَةٍ ذلك اليومْ
فاكتَسَتِ الدنيا كلُّها لونَ القمحِ


44
أنا الآنَ أيضاً صِرتُ ماءاً
ألآنَ أُدرِكُ كلَّ أسرارِكْ
غيرَ أنكَ ماءٌ مِلؤُكَ النورُ
وأنا قطرةٌ وحيدةٌ وحيدةْ
موجٌ مِنْ أمواجِ جَمالِكَ
يََدْسُرُني الى بحرٍ ما كُلَّ مرةٍ
ألوَداعُ أيها الماءُ الأكثرُ ماءاً الوَداعْ