هي ثلاثة أطيار.. أولها طائر أشبه بالقنفذ. ريشها كالإبر، وله رأسٌ من دون رقبة يتصل بالجسد. في بطنه كيسٌ مثلُ حيوان الكنغر. كان أحدُ أفراخه خارج الكيس، يحوم حول اُمّه.. استغربتُ وضعَه وشكله.. جسمُه مكسوٌ بزغب ابرية، له عينان صغيرتان تريان بصعوبة. هكذا تخيلت. كان الطائرُ القنفذ ينام على جنبه، وفوهةُ كيسه مفتوحة. وسرعان ما خرج منها فرخٌ ثان أصغرُ حجما من أخيه. انطلق خارجا، رمتِ الام نظرة ًحانية عليه، تأملته لحظات ثم سرحتْ في أفكارها، ولم يكدِ الثاني يصلُ الى أخيه حتى انطلق فرخٌ ثالث أصغرُ حجماً من أخويه. وقف هنيهة بعيدا عن اُمّه لايعرف ما يفعل. الا أنّ الأ فراخ الثلاثة توجهت نحو الام حين أصدرت صوتا اشبه بوقوقة الدجاج. كان الفرخُ الأخير شبه عارٍلم ينبثق ريشُه بعد. ملطخاً ببقع من الدم.. عدّلت الاُمّ وضعها رفعتْ أحد جناحيها وتسربتِ الآفراخُ تحتها. كان الجناح ناعما مخمليا من تحت ومكسوّاً بالزغب الإبرية من فوق كسائر الريش الذي يغطي جسدها. بهرني هذا المرأى، مشهدُ الطائر الغريب. وأفراخه الثلاثة الأغرب منها. لكن حتامَ اظلّ اراقبُ هذه الكائنات الجميلة؟؟ كنتُ قبل ذلك منهمكا بغسل ثلاثة من قمصاني، عدتُ اليها وقد لانت تلابيبُها وجعلتُ ازيل وسخها. حين انتهيتُ علقتها فوق طنب يمتدّ بين جدارين، وُضعَ لهذا الغرض. ولا اتذكر أني عدتُ الى قمصاني ثانبة.. لكني بعد ذلك صرتُ في مكان آخر. فضاء مرمي قبالة َ صفٍّ من البيوت، أنظرالى ديك أبيض ذي عرف مخملي أحمر أشبه بزهرة بريّة نسيتُ اسمها من أيام الطفولة. كان جاثماً فوق الأرض قريباً من دِمنة داكنة. ربّما كان ينتظر بضعَ دجاجات ستخفّ نحوه وتسمع اليه. ويصحبها الى الدمنة ينبشُ بمخالبه تربتها يستخرج منها حباتِ الرزق يرميها امامها.. غبئذٍ أقبلَ شخصٌ غريب، تمتم مع نفسه وأنا اسمعه: ما أشدّ سوادَ هذا الديك؛؛ وجاء آخرُ وأكّد ما صرّح به الأولُ. صحتُ محتجاً ومغتاضاً: انه ديكٌ أبيض، الا تريان لونه وريشه الناعم؟؟ / بادرني الأولُ غاضباً: غلط، انه اسودُ، ربّما أنت مصابٌ بعمى الألوان. / كدتُ اُمسكُ بخناقه، لكني تريثتُ، فكرتُ مع نفسي: لعلهما مجنونان او ابلهان التقيا مصادفة هنا / الا انّ الثاني اقترب مني وهمس بمحبة: لم تغتاظ؟ عليك انْ تتفهمَ وضعَ الآخرين. انت تراه ابيض ونحن نراه اسود، فهل يضرّك هذا..؟ / لا. اجبتُ، إنّه ابيضُ.. لعلكما مصابان بعمى الألوان. / ردّ بلطف:انت محقّ.. لكنْ من الافضل انْ تتقبل ما يقوله الآخرون، حتى ولو كان مخالفاً لما تراه انت.. فلم تتزمتُ؟ فهل ستخسر شيئا لو رأيناه أسود وتراه انت ابيض؟ نحن احرارٌ فيما نرى.. / رددت مع نفسي: الآن عرفتُ قصدهما.. يا لغفلتي ؛ فلماذا أستاء من رأي ٍ يُخالف رأيي.. مع ذلك ارتفع نبضي وسخن جلدي ووددتُ لو اركل هذا الديك الذي احرجني واربك موقفي.. وهو الذي ما زال يُسمعني صياحه الجميل.. كما لو كان رنين جرس يشق جنبات الصبح.. ابتسمت للرجلين وسال صوتي هادئا: انتما على حق، وانا على حق فلا ينبغي للناس ان يتفقوا على رأيٍ واحد وعليهم تقبل آراء الآخرين.. / ذا انا مرة ثالثة امام طائر آخر يشبه حمامة او فختاية حجمه كبير ذو لون رمادي بيد أنه داخل علبة بلاستيكية شفيفة تنطوي على ثقوب تسعفه على التنفس. كان منقاره ما بين اللونين الأحمر والبرتقالي.. كنت آنئذ داخل غرفة كبيرة تُطلّ نوافذها على ساحة مزدحمة مفتوحة تحت ضياء الشمس.. وثمة خارج الغرفة لغط ٌ وصياحٌ. وقفتْ امرأة لصقي ترتدي ثوباً احمر.. سمعتُ صوتها تخاطبُ امرأة اخرى. لعلها راقصة تهيء نفسها لأداء فقرتها القادمة. كنتُ انظر اليها، مرة ًالى ثوبها الأسود ومرةً الى ساقيها الرشيقتين وصدرها الناهد. سألتني المرأةُ ذات الثوب الأحمر: اهذا الطائرُ لك؟/ هززتُ رأسي: لا، كان موجودا قبل دخولي. لكني لا اعرفُ لمَ جئتُ وكيف دخلتُ الى هنا؟ ردت بسخرية: اوه ؛ تباً لكم ايّها الرجال.. الا تعرفُ حقاً لمَ جئتَ الى هنا؟ انت الآن في غرفة البنات. ولا يدخلها الا العارفون بأسرارهذا المكان، انا وصاحبتي نسكن هنا. اشارت نحو المرأة الأخرى التى كانت على عجلة من أمرها. وهي تضعُ لمسات المكياج الأخيرة على وجهها. لقد طلبنا طعاماً للغداء فبعثوا الينا هذا الطرد المنطوي على هذا الطائر.. / فلمَ سألتني اذاً:اهذا الطائر لك؟/ ضربتْ بخفة على كتف صديقتها التي همّت بالخروج: ما كنت اتصوّرُ انهم يبعثون الينا طائراً حيّاً.. / ربّما ثمة سوءُ فهم فما الذي طلبتِ؟ / اوه، نسيت لعلها هي التي طلبت ذلك.. / كان بودّي لو ابقى، الا اني تركتُ تلك الغرفة واحتوتني صالة ٌاخرى كبيرة تغص بالشباب وكانت الراقصة قد بدأتْ فقرتها، ذي هي تتلوى على ايقاع الموسيقى السريع مثل افعوان، تدور وتميس تستعرض مهارتها وتكادُ الفسحة تضيق بها. وبحركاتها وبخفتها.. ثم ألفيتني فجأةً اغادر هذا المكان. كنت اقف امام كشك يعرض اصنافاً من الكتب والصحف والمجلات: مجلات الأزياء والأطعمة، لم اجد ثمة بغيتي. عدت ادراجي الى المرأى الأول، حيث ما زال الطائرُ القنفذ جاثيا في مكانه، بيد ان الأفراخ كبروا ونبت ريشُهم الشوكي. في هذه المرة كانت الاُمُ تُغمض عينيها، هي الآنَ مطمئنة على افراخها الثلاثة.. اقتربتُ منها لمستُ ريشها الابري. فتحت عينيها، رمتني بنظرة طريّة حانية وعادت تستغرق في غفوتها.. فيما اقتربتِ الأفراخُ الثلاثة مني وبدأت تنقر اصابع يدي، لكنْ لم يكنْ لدي طعامٌ اقدّمه لها. حين يئستْ ابتعدت عني. عدتُ الى المشهد الثاني، كان الديكُ بين دجاجاته، ترامتْ الى سمعي وقوقاتُها المسكونةُ بالفرح. ذا هو يسخو على صاحباته بحبات الرزق يستخرجها من باطن الدمنة؟ مرّ الى جانبي رجل سألته: ما الذي ترى امامك؟ رفع يده كما لو كان ينهرني وتمتم:مجنون آخر، انّ اعدادهم تزداد يوماً بعد آخر/ عندما كررت عليه السؤال اجاب ساخراً: ديكٌ اسودُ بين بضع دجاجات بيض / صحت محتداً: انه ديك ابيض مثلُ ورقة بيضاء.. / ردّ باسما: ربّما كان ابيضَ.. فما يضرّنا اذا رأيتَه ابيض، واراه انا اسود، المهم انه ديك يسخو على رفيقاته.. ثم غادرني تزدحم حنجرته بالسخرية مني..
فهل لسخريته عنوانٌ اُسجّله في دفتري...؟