كاظم صالح: يعرض المسرح الملكي الدنماركي هذه الأيام المسرحيه الكلاسيكيه الأغريقيه أفيجينا في اوليس للكاتب اليوناني يوريبيديس الذي وُلد عام 485 قبل الميلاد واخرجها المخرج الدنماركي العالمي كاسبر فون هولتون الذي استطاع وبجداره متميزه اخراج اعمال اوبراليه هامه اثارت انتباه المهتمين والنقاد في اوروبا وامريكا.
ورغم ان المسرحيه كُتبت قبل نحو 2500 سنه ولم يتسن لمؤلفها مشاهدتها لانه غادر الدنيا هاربا من الكهنه والسلطه تاركا الورقه الأخيره لمسرحيته أفيجينيا بيضاء لأبنه كي يُكمل عمله الأخير. اما المخرج كاسبر فون هولتون فقد البسها ثوبا معاصرا في الطرح والمعالجه، هو يرى ان المأساة مستمره ومازالت الضحايا والقرابين تُنحر بفتاوى الكهنه الأصوليين ومذابح السلطه.
في هذه المسرحيه يضطر اجا ممنون ملك الأغريق بناء على ضغوط رجال الجيش الى امر زوجته كلتمنسترا بالحضور مع ابنتها افيجينيا الى اوليس حيث ترابط الأساطيل الأغريقيه استعدادا للأبحار صوب طرواده. وكانت حجته المُعلنه الى كليتمنستراانه سيتم تزويج الفتاة من أخيل بطل ابطال الأغريق، لكنه كان في الحقيقه ينوي تقديمها قُربانا للآلهه التي اشترطت ذلك حتى تتمكن الأساطيل من الأبحار. فلما وصلت كليتمنسترا مع ابنتها الى أوليس علمت بالحقيقه الموجعه وبذلت قصارى جهدها لأنقاذ ابنتها الحبيبه افيجينيا ولكن الفتاة الشابه وبعد شئ من التردد والخوف تتقدم ببراءة العذارى وعن طيب خاطر متطوعه لكي تُذبح قُربانا للآلهه وفداء للوطن!!
الملك اجا ممنون يقف حائرا لأتخاذ قرارا قدري وحاسم، هل عليه الأنصياع لأوامر الكهنه والتضحيه بأبنته افيجينيا للآلهه كي تيسر له الرياح للأبحار بجيوشه الى طرواده لأعادة هيلين وشرف اليونان وحريته. واما يرفق بأبنته ويُبقي على حياتها وهذا يُحتم عليه التخلي عن الحرب وسحب جيوشه المُتأهبه للأنتقام والمُتعطشه لدماء الطرواديين. ان مايخشاه الملك اجا ممنون هو تمرد الجيش عليه بعد ان فرغ صبره من الأنتظار لخوض المعركه وسيتهمه بالجبن وفقدان الشجاعه وسوء قيادته التي ينقصها الرؤيا والجرأه باتخاذ القرار الحاسم.
أفيجينيا في أوليس تراجيديا اغريقيه قاسيه ومؤثره تعالج موضوعة العداله والحريه والعقيده وموقف الخيار الشخصي تجاه الموقف الجماعي العام. وهذا ما وضع الملكاجا ممنون في موقف صعب وعلى تماس مع اسنة الحراب اما الحفاظ على السلطه بالأستجابه لفتاوى الكهنه ورغبة الجيش واما التضحيه بأبنته الحبيبه افيجينيا. وجعله يتخبط في صراع بين مسؤولية الحفاظ على اقرب الناس اليه ومسؤولية تحقيق طموحات قوميه انتقاميه تصبو اليها الأمه.
عن المؤلف
كان يوريبيديس فيلسوفا وكاتبا انسانيا بكل معنى الكلمه لأنه كرس عبقريته وفنه للتعبير عن الأنسان ورغباته وحاول الغوص في اعماقه وسبر اغوار مشاعره الداخليه من حب وكراهيه، غيره وخوف، لذه وألم. ولهذا السبب كانت النساء في مسرحياته يلعبن دور البطوله في الغالب لأن مسرح يوريبيدس في جوهره هو مسرح العواطف العنيفه والنساء هن الأقدر على التعبير عن مكنونات النفس وهُن الأكثر اظهارا للأنفعالات بطبيعة الحال.
يُعتبر يوريبيدس من اهم المؤثرين في المسرح الأوروبي منذ عصر النهضه وهو يفوق تأثير اي شاعر تراجيدي اغريقي. ولا استطيع سرد تأثيراته على مُجمل المسرح الأوروبي واكتفي بالأشاره هنا الى تأثيرات يوريبيدس على ملتون وراسين. ولقد كتب الأخير ثلاث مسرحيات مستوحاه من يوريبيديس وهي اندروماك و افيجيني و فيدو كما اثارت مسرحية يوريبيديس ميديا شاعرية بايرون. اما اعظم شعراء المانيا جوته فقد كتب هيلينا و ايفيجيني مستلهما يوريبيديس وفنه.
مخرج مسرحي عراقي يعمل حاليا مخرجا في المسرح الملكي الدنماركي
[email protected]