(إذا كانت النّوارسُ تستطيعُ تتوقّفَ في السّماءِ، فذلك يعني
أنّ هناك مناطقَ يمكنُ أن يحدثَ فيها المستحيل.) عبد المجيد بن جلون


كَأَنّي أَراهُمْ جَميعاً
وهُمْ حَوْلَ مائِدَتي يَسْكُبونَ نَبيذاً
وَينتظِرونَ سُقُوطَ الجَسَدْ
أَرى كَيفَ يَفتَرِسُونَ عَشائي الأَخيرْ
وَينْصَرِفُونَ بَعيداً بَعيداً
وَمَرْيَمُ كالنَّخْلَةِ انْتَصَبَتْ
لَمْ يَشِخْ في ضَفائِرِها زَهْرُ تِلكَ الأَساطيرْ
وَلَمْ يَنْتَحِبْ في مَوانِئِها أَيُّ نَايٍ
بِمَفْرَدِها حَمَلَتْ صَخْرَةَ اللَّهِ
وَاحْتَمَلَتْ مِحْنَةَ الأََهْلِ وَ النَّخْلِ
لَكِنَّها لَمْ تُطِعْ كائِناتِ النَّهارِ الأَسيرْ..

كَأَنّي أَراهُمْ جَميعاً
يُعِدّونَ لي خَشَباً كَاذِباً
وَلِرِجْلَيَّ كُلَّ المَساميرْ..
أَيا عَجَبَاً : أَنَا لَمْ أَمُتْ؛ إِنَّمَا حَلَّقَتْ
في السَّماواتِ رُوحي..
أَراهُمْ بكُلِّ خُطاهُمْ، بكُلِّ حَماقاتِهِمْ
يَصْعَدونَ ِمنَ النَّهْرِ سِرًّا كَعائِلَةٍ مِنْ وُحُوشْ..

... وكانَ عَلى جَبَلٍ شامِخٍ
مَطَرٌ طائِشٌ يَتَهاطَلُ لَيْلاً كَطَيْرِ أَبابِيلْ
وكُنْتُ وَحيداً هُناكَ،
أُنَقِّي فَواكِهَهُمْ من دَمي
وَأُراقِبُ حُرّاسَهُمْ بِحَواسّي جَميعاً
عَسَى جَسَدي .. عَساهُ يَطيرْ

وَمَرْيَمُ ساعَةَ فاجَأَها عُنْفُوانُ المَخاضِ
تَشَرَّدْتُ في بَطْنِها عَشَراتِ السِّنينْ
وَأَدْرَكْتُ أَنَّ نَهاراً قَتيلاً
سَيَرْحَلُ في عَرَباتٍ مُحَمَّلَةٍ بِالحُقولِ
وَرِيشِ الطُّـيُورْ..
وَأَدْرَكْتُ ساعَتَها أَنَّ ( مَدْيَنَ ) تَبْكي
وَأَنَّ شُعَيْباً مُصابٌ بِأَفْراحِهِ النَّبَوِيَّةِ..
آهٍ .. لَوِ اقْتَتَلَتْ خارِجَ الرُّوحِ أَفْراسُ أَهْلِ الكِتابِ،
لَوِ النَّفْسُ تَصْعَدُ قَبْلَ اهْتِراءِ الجَسَدْ
لَوِ الأَرْضُ.. صَارَتْ قُبُورْ

عَلى العُشْبِ، شَرْقَ الصَّدى، تُرْجُمانٌ
لُغاتٌ تَئِنُّ.. إِناثٌ تَـفِرُّ
جَناحانِ يَرْتَطِمانِ بِسَقْفٍ قَريبٍ
وَكانُ العَشاءُ الأَخيرُ
هُنالِكَ بينَ المَراعي وَتاجِ الأَيائِلِ
يَخْتَصِرُ السَّنَواتِ.. وَيَرْعى العُصُورْ
عَلى العُشْبِ جِئتُ لِتَأْويلِ مائي:
أَنت وَلَدُ النَّخْلَةِ الواقِفَةْ
هُنالِكَ، بَيْنَ السُّيُوفِ وَبابِ السَّماءِ
أَنا ابْنُ النَّخيلِ فَكَيْفَ أموتُ ؟
(وَما صَلَبوهُ): تَرَكْتُ الصَّليبَ وَطارَ جَناحايَ
نَحْوَ النُّبُوَّةِ.. نَحْوَ مَدارِجِ غَيْمٍ يَشِعُّ كَمالا؛
هُنالِكَ حيْثُ البهاءُ.. وَحَيْثُ الأَثيـرْ

على جَبَلٍ كُنْتُ أَبْصَرْتُهُ خالِعاً نَعْلَهُ
وَعَصاهُ رَماها بَعيداً.. كَقِشْرَةِ تُفَّاحَةٍ فَاسِدَةْ
على الجَبَلِ المُتَشامِخِ أَبْصَرَ وَجْهَ القَصيدَةِ
وَجْهَ النُّبُوَّةِ.. وَجْهَ الكَمالِ الكَثيرْ

على العُشْبِ، شَرْقَ الصَّدى، تُرْجُمانٌ
لُغاتٌ تَئِنُّ.. إِناثٌ تَفِـرُّ
جَناحانِ يَرْتَطِمانِ بِسَقْفٍ قَريبٍ
وكانَ العَشاءُ الأخيرُ
هُنالِكَ بينَ المَراعي وَتاجِ الأَيائِلِ
يَخْتَصِرُ السَّنَواتِ، وَيَرْعى العُصُورْ..