بين حرارة مرتفعة وواقعية سحرية

عبد الجبار العتابي من بغداد: عرضت على خشبة المسرح الوطني ببغداد مساء الاربعاء الثالث من حزيران / يونيو 2009 مسرحية (اضغاث احلام) تأليف واخراج الفنان العراقي الكبير سامي عبد الحميد، وتمثيل: بتول عزيز وزهرة بدن ونبراس خضر وحيدر منعثر وحقي الشوك، ومن مقتضيات العرض ان صعدت مقاعد المشاهدين على سطح خشبة المسرح، على مسافة قريبة من ساحة العرض، وسط اجواء حارة جدا لكن الجمهور ظل صامدا الى النهاية، وهو ما حدا بالناقد والاعلامي صباح المندلاوي الى القول: انها الضريبة التي يدفعها المشاهد في كل مرة، والتي تجعل الواحد منا يلعن المسرح بسبب ارتفاع درجة الحرارة وغياب مولدة كهرباء تدرأالحر عن المشاهدين لكي يتمكنوا من متابعة العمل المسرحي بطريقة لائقة، والمشكلة تتكرر في الشتاء في غياب المولدة حيث نلاحظ الجو البارد جدا، فالى متى يبقى مسرحنا بدون وسيلة تبريد او تدفئة توفر له اجواء مناسبة، علما ان هناك ملايين الدنانير او الدولارات تذهب هباء، في الوقت الذي توفير مثل هذه المولدة امر ملح وضروري.

تتحدث المسرحية عن ثلاث نساء شقيقات يرتدين السواد ويعيشن تحت سطوة الاخ الذي عرفنا انه مريضا، ويعيشن في حالة انتظار دائم لازواج مفترضين، وعبرساعي البريد، ويحلمن بالتحرر والتخلص من العذابات التي هن فيها ومن الاضطهاد والقهر حيث كل شيء ممنوع عليهن، فيتطلعن الى تحقيق طموحاتهن واحلامهن وان كن يائسات، وبعد وفاة الاخ تبدأ الاخت الكبرى بالتسلط وتضع الممنوعات ذاتها، ولكن الرغبة في التحرر لديهن وحبهن للحياة يجعلهن في النهاية يفتحن النوافذ للمطر الذي ينهمر،عبر اللوحات الجميلة التي رسمها المخرج عبر اداء الممثلات خاصة وسينوغرافيا العرض، لاسيما الفنانة بتول عزيز التي لفتت الانتباه بأدائها المبهر الذي كان احساسها بالكلمات والحركات عاليا، كما ان الفنان حيدر منعثر كعادته، وعلى الرغم من قصر الدور، تسلل الى الكوميديا فرسم ظرافته على زوايا من العمل.

في محاولة منا لاستطلاع الاراء حول العمل كانت لنا وقفات مع عدد ممن شاهدوا العرض.

الفنان مناضل داود اكتفى بسطر واحد واجاب بأختصار قائلا: المسرحية.. تمثيلية تلفزيونية ناجحة تذكرنا باللغة التي استخدمت في ستينيات القرن الماضي!!.

اما الفنانة الدكتورة اقبال نعيم فقالت: استاذ سامي عبد الحميد واحد من شيوخ المسرح المجربين، يعمل بتقنية المحترفين واصالتهم ولكن بروح الهواة ومغامرتهم، وفي كل تجربة مسرحية هناك مغامرة مسرحية لهذا الرجل، فهو مجرب كبير على مستوى النص المسرحي والتمثيل والاخراج وسينوغرافيا العرض لانه يؤمن ان ليس هناك ثوابت في المسرح، وهناك دائما شيء لم تكتشفه ولم تعرفه، وعليك ان تخوض غمار المغامرة فيه لتعرف وتتأكد، ولكن يبقى دائما السؤال مفتوحا ومتوالت لاسئلة اخرى، فعرض اليوم قد يكون غدا مختلفا، وبعد شهر يختلف عما شاعدناه في اليوم الاول، هكذا سامي عبد الحميد يبحث عن المغامرة، فشكرا لهذا الشيخ لانه كان وسيبقى معلما لنا.

وقال صباح المندلاوي: من المؤكد ان تقديم اي عمل مسرحي في هذه الظروف الصعبة والشائكة يعد حدثا مهما ويعكس اصرار المسرحيين على تقديم ما هو هادف ومفيد، ومع ذلك كنت اتمنى ان يختار الاستاذ سامي عبد الحميد مسرحية من تأليف كاتب غير المخرج لكي تتفاعل الرؤى واللمسات الابداعية ما بين المؤلف والمخرج، انا ادعو الى تفرغ الكاتب المسرحي الى عمله من اجل اعمال ابداعية متطورة تبقى علامة مضيئة في سماء مسرحنا العراقي، العمل فيه تداخل ذكرني بمسرحية (بيت برنارد البا) للشاعر الاسباني لوركا الذي قدمته فرقة المسرح الحديث، كنا نتمنى ان نشاهد له بعد هذا العمر الطويل والتجربة الغنية عملا ابداعيا يترك بصماته القوية على المشاهد في حين الذي شاهدناه لن يضيف الكثير الى ما هو جديد ومبتكر في مسرحنا.

واضاف: المسرحية كمضمون تلامس هموم الناس وشريحة النساء والمواطنين وتعكس معاناتهم، مع ذلك كنت اتمنى ان اشاهد عملا مسرحيا للاستاذ سامي بشكل ابهى وافضل وخصوصا انه من القلة القليلة من الرواد ممن بقوا، وربما هذا الانطباع مرده ما شاهدته من اعمال في السبعينيات له وهي اعمال مهمة وحققت ظهورا فاعلا في الساحة المسرحية، اما الممثلون فقد حاولوا تقديم ما يمكن تقديمه، مع ذلك بقي الصوت لدى البعض في حاجة الى ايصال اقوى وافضل.

وقالت الصحفية رقاء الصالحي: المسرحية ناقشت بشكل موفق وجميل لمسألة ومشكلة معقدة من الصعب ان نجد لها حلا في جمهورية الخوف، فوضع المرأة في العراق بعد التحرر اصبح وضعا مأساويا وان مشكلة العنوسة والاحلام اصبحت حبيسة الجدران، وامرا من الصعب تحقيقه، وقد طرحته المسرحية بشكل بسيط وجميل ومعبر، كما ان اداء الممثلات كان موفقا جدا واظهرن قدرة فائقة على التعبير عن الشخصيات التي ادينها.

اما الشاعر محمد حبيب فقال: كان من المفترض ان نشاهد افضل من هذا العمل، خاصة ان للفنان سامي عبد الحميد تاريخا طويلا في هذا المجال، فالفكرة كانت بسيطة،وربما اقول بائسة، ازاء الظرف الذي نعيشه من مأساة عميقة، فيما قدمت المسرحية مأساة شفافة وشاعرية انشائيةلا جدوى فيها، اتمنى الموفقية للفنان الكبير واعتذر ان كانت ثمة اساءة في ما قلته.

اما الناقد محمد الكحلاوي فقال: هذه هي الواقعية السحرية التي يؤكدعليها دائما سامي عبد الحميد وخاصة لطلابه في الدراسات العاليا لانها تنبعث من الحياة العراقية التي يتمناها كل فرد ان يعيش في حياة الترف والجمال والسعادة والاحلام الوردية، بالاضافة الى ان هناك كان مسرح داخل مسرح ضمن حالة التجريب التي يؤكد عليها في عدة اعمال مسرحية، فكانت المسرحية ذات طابع مسرحي واقعي قريب الى النفس خصوصا بالفراغ الذي يعيشه الفرد العراقي وما يتمناه ويحلم به به ان يكون ذا مستوى حياتي مريح.


وخاتمة لقاءاتنا كانت مع المخرج المسرحي جبار محيبس الذي قال: انا ارى ان هذه المسرحية استعادة وتجميع لمجموعة مسرحيات تناولت الانتظار بدء من في انتظار غودو لبيكيت الى ترنيمة الكرسي الهزاز لعوني كرومي الى مسرحية بيت برنارد البا للوركا الى مسرحية بيت الاحزان المعدة عن نصوص للمخرجة عواطف نعيم ومسرحية جزيرة الماعز لايغو بتي، الى مسرحية ماكبث، لاسيما مشهد غسل الايدي من الدماء، الى مسرحية الخادمات لجان جينيه والى مسرحية مس جوليا للسويدي ستراندبيرغ ومسرحية الاب للكاتب نفسه ومسرحية الشقيقات الثلاث لتشيخوف ، وهي عبارة عن اجترارات نفسية وجنسية تناقش الواقع بطريقة صادقة وحميمية ولكنها لم تتوغل في جذور المشكلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المعاشة الان، بل جاءت بشكل يبدو (شعاراتي)، ونجح المخرج في تقديمه للحس الشعبي والاقتراب من هموم المواطن عبر استخدامات بسيطة لكنها عميقة تذكرنا بالواقعية السحرية ولكننا نرى لاسيما في مشهد السرير ومن خلال استخدامه للامكنة المعزولة عبر الستارة الشفافة التي تعني العزل والذاكرة والامتزاج والابعاد، ولكننا كنا نتمنى ان نرى المستوى الملحمي والصوري العجائبي الذي يمتاز به سامي عبد الحميد مثلا دخول الشخصيات، كانت تأتي من سلم واحد على يسار المشاهد، وكان من الممكن ايضا ان يدخل ساعي البريد من عدة زوايا وامكنة يعمق سحر الصورة ويعالج فقرها.

واضاف: كنا نتمنى ان يلعب سامي عبد الحميد وهو لاعبنا الاول في التجريب في قلب كل مستقراتنا وكلائشنا، ارى ان المسرحية لم تكن بالمستوى الذي كنا ننتظره من شيخ التجريب، والسبب في رأيي يعود الى الحكاية المعتادة والمتوقعة المميزة والمتكررة في اغلب عروض هذا العام التي كررفيها الشباب للاسف الحكاية نفسها، وكأن لايوجد في الحياة غير الانتظار والسرير والرغبة الجنسية وشتم الالهة وازاحة المقدسات.

واستطرد جبار: لقد سحرت الممثلات الثلاث بتول وزهرة ونبراس هذا المسرح حتى تحولت كل واحدة منهن الى قارة عجائبية من الاحساس والجاذبية والالوان، لاسيما الفنانة المتألقة والحساسة جدا بتول عزيز التي كانت اكثر بهاء وجمالا من راقصات الباليه واكثر توهجا من ناحية الاحاسيس ونعومة الحركة وفهم الصورة وزوايا الانتقال، من اغلب ممثلات المسرح العراقي، تحية لعودتها الميمونة التي اثبتت فيها جدارة الممثلة العراقية في رسم صورة الحال وخارطة الابداع، اما الممثلان حيدر منعثر وحقي الشوك فكانا متألقين كعادتهما رغم كثافة الدور.