مع أن قصيدة ما تنشأ عندما لا يعود هناك شيء يمكن القيام به، مع أن قصيدة هي آخر محاولة نحو النظام عندما لا يعود في قدرة المرء تحمّل الفوضى.
مع أن الشعراء مطلوبون جدا عندما الحرية، الفيتامين سي، التواصلات، القوانين وعلاج ارتفاع ضغط الدم هي أيضا جد مطلوبة،
مع أن تكون فنانا يعني أن تفشل وأن الفن هو الوفاء للفشل كما يقول صاموئيل بيكيت،
فإن قصيدة ما هي ليست ما تبقـّى وإنما هي إحدى أشياء الإنسان الأولى.

مع أن قصيدة ما هي آلة كلامية صغيرة كما يقول وليامز كارلوس وليمز، آلة كلامية صغيرة تطقطق في عالم الآلات الضخمة وآلاف الأطنان والوحدات الكهربائية الضخمة،
مع أن المرء لا يعيش في عالم قصيدة ما، أفضل مما هو في عوالم أخرى، مع أن عالم قصيدة لهو موحش ينشأ من الخراب ويهلك في يباب التاريخ الروحي،
مع أن الفن لا يحلّ مشاكل وإنما يستنفدها فحسب، كما تقول سوزان سونتاغ،
إلا أن قصيدة ماهي الدرع والسلاح الوحيدين:
ذلك لأنها مبدئيا وجوهريا ليست ضد الطغاة، ضد السيارات، ضد الجنون والسرطان وبوابات الموت، وإنما ضد ما هو قائم كل الوقت، كل الوقت في الداخل والخارج، كل الوقت في المقدمة، وفي المؤخرة، وفي الوسط، كل الوقت معنا وضدنا.
أنها ضد الفراغ. قصيدة تتواجد أصلا كضد للفراغ. ضد الفراغ الأولي والثانوي.
حدود الفراغ: يبدأ الفراغ حيث تنتهي حدود الإنسان. حدود الإنسان كمبدأ تنظيم ورؤيا وتصميم وتصوّر خطة ضد منظومة الأشياء الميتة. حدود الإنسان تتسع وتضيق، تنبض بطاقته.
والفراغ أكبر حيث كان الإنسان وليس حيث لم يكن. الحيز ما بين النجوم ليس بفراغ، لكن ليس هناك فراغ أسوأ من بيت مُهدّم.
أو فكرة ذهبت أدراج الرياح،
عند مراقبة النجوم، نعيش فراغا ليس لها.
لا يجيء الفراغ ككارثة أو كسيل جارف. الفراغ ينضح. ينضح من خلال سطح غير مرمم أو منضدة وسخة. الفراغ ينضح من خلالتصدّعات في الطرقات وتصدّعات في الأحلام. إن المفتاح الذي يفتح كل أبواب الفراغ اسمه لم آبه البتة.
الفراغ ليس معرفة العجز، وإنما مطلوبية العجز، السماح بطلب العجز. إنه إرادة العجز.
الفراغ هو القطرات التي نعتبرها نحن أنفسنا الطوفان الذي وفقا للقانون سيلينا.
الفراغ ليس شأن شخص واحد، أو فرد منعزل. فبسبب مظهره المخالف للقانون، يغدو الفراغ شأن الجميع، فهو يجعل نفسه ملموسا كبيئة الحياة، يُستنشَق، يلوِّث، يتناسل، ينتشر كأنه وباء.
مركز اهتمامه حيث ليس هناك قوى تنقية ذاتية لأي نظام إنساني متبادل مستقر؛ حيث ليس من اعتماد على التاريخ أو الجمال القديم أو على صورة جديدة وفعّالة للحياة. حيث الأشياء والأفكار تعتمد كليا على خلق جديد وعلى نظام مختوم من جديد وحيث ليس من كمال في الخلق الجديد ولا من استقرار في النظام.

يقينا أن قصيدةً هي لعبة فحسب
يقينا أن قصيدة ما، توجد فقط عند لحظة كتابتها ولحظة القراءة. وفي أفضل الأحوال في لعبة ظل الذاكرة.
يقينا أنه لا يمكننا أن ندخل القصيدة عينها مرتين.
يقينا أن للشاعر من الوهلة الأولى شعورا بأنه لا يوجد قصد، كما صرح هنري ميلر.
يقينا أن الفن يغدو مقبولا فقط عندما يتضاءل إلى ميكانيكية ويصبح نظامه عادة.
بيد أن القصيدة في هيامها، في التزامها اليائس بالكلمة، في النظام الأولي لولادتها وإحيائها، تبقى الضمانة الأكثر شيوعا بأننا لا نزال قادرين على القيام بشيء ما، لا نزال قادرين على القيام بشيء ضد الفراغ، بأننا لم نستسلم وإنما ها نحن نضحي بأنفسنا لشيء ما.
الضمانة الأكثر شيوعا هي أننا لسنا مكونين من وقائع فحسب، الوقائع التي، كما يقول ارنست فيشر، هي مآثر انذوت إلى أشياء.
على شرط أن قصيدة ما، محاولة الشاعر الأكثر تواضعا لتأجيل الانحلال، ألا ينظر اليها كحجر الفلاسفة، جالبةً الخلاص والإنقاذ للبشرية المشدوهة.
ذلك لأن الفن لا يحل المشاكل وإنما فقط يستنفدها
ذلك لأن الفن وفاء للفشل
ذلك أن قصيدة ما، توجد حيثلم يبق شيء آخر.
مع أنّ...

(ترجمها عن الانجليزية عبدالقادر الجنابي)