إعداد لؤي محمد: بمناسبة ذكرى ميلاد أنطون تشيخوف المائة والخمسين تستعد بريطانيا ولندن بشكل خاص للاحتفال بها من خلال برنامج مسرحي متنوع في ابرز مسارح العاصمة البريطانية مع تغطية إعلامية واسعة. ولعل السؤال يظل موضع اهتمام الكثير من النقاد والمؤلفين المسرحيين: هل هناك فعلا مبرر للاحتفال بحفيد واحد من أقنان روسيا؟
ولد انطون بافلوفيتش تشيخوف يوم 29 كانون الثاني/يناير 1860 وهو لم يكن حسبما ترى صحيفة الاندبندنت اللندنية أعظم كاتب درامي في القرنين التاسع عشر والعشرين بل كاتب قصة قصيرة عبقري إضافة إلى ما تركه من دفتر ملاحظات غني بالأفكار والانطباعات المدهشة لما كان يدور حوله ومجموعة رسائل تمتلك بحد ذاتها قيمة أدبية خالدة لما تكشف فيها من موهبة حوارية وتواصلية لدى تشيخوف مع الآخرين.
ولعل السبب وراء هذا الاحتفال الإعلامي والمسرحي الواسع في بريطانيا بذكرى ميلاد تشيخوف هو الموقع المتميز الذي كان وما زال يحتله تشيخوف في الحياة المسرحية البريطانية، فلا تمضي سنة إلا وهناك إنتاج جديد كبير لإحدى مسرحياته على الأقل في لندن أو في المدن البريطانية البارزة، وهذا يجعله بعد شكسبير الأكثر شعبية، على الرغم من طابع التحفظ الذي تتميز به بريطانيا تجاه الكتّاب من خارج ما يعرف بالمحيط الأنكلو- ساكسوني.
وضمن هذا البرنامج الاحتفالي ستقدم خلال هذا الشهر مسرحية quot;الأخوات الثلاثquot; على خشبة مسرح quot;ليريك هامرسميثquot; وهي تقدم في حلة جديدة معاصرة، ويقوم بإخراجها شون هولمز، وبالتزامن مع العرض المسرحي سيقدم مسرح هامستيد اللندني أيضا اسبوعا واحدا تعرض خلال عدة مسرحيات لتشيخوف عرضا واحدا. وستجمع الأموال من هذين العرضين لأعادة تجديد البيت الذي أقام فيه تشيخوف بمدينة يالطا بعد إصابته بالسل الرئوي عام 1899.
ما الذي يجعل مسرحيات تشيخوف ذات جاذبية آسرة؟ خصوصا مع غياب تلك النهايات السعيدة أو التوافقية بل بالعكس نحن نواجه شخصيات تعيش أزماتها وعجزها في ضواحي موسكو وريفها على حافة ثورة موشكة على الحدوث. لعل الحالة التي تعيشها تلك الشخصيات هي نفسها التي يعيشها الانسان المعاصر أمام القوى الضخمة المتحكمة في مصيره.
لقد مضت فترة طويلة على وفاة تشيخوف الذي غادر الدنيا عن عمر الرابعة والأربعين يوم 15 تموز/يوليو 1904، وكان على تراثه الفني أن يمر بعدة مراحل. ففي البدء نظر إلى مسرحياته باعتبارها سوداوية تماما، لكنه اعتبر أيضا لدى البعض كاتبا quot;كوميدياquot; إذ تمكن تشيخوف من أن يخدع المخرج المسرحي ستانيسلافسكي الذي أخرج كل أعماله من خلال وضع تعبير quot;كوميدياquot; بجانب كل نص مسرحي له حيث قدمت آنذاك في quot;مسرح فن موسكوquot;. كذلك جاءت مرحلة نظر فيها إلى تشيخوف باعتباره قديسا علمانيا (سافر خلال عام 1890 بصفته طبيبا لإجراء إحصاء طبي على 10 آلاف محكوم في مستوطنة مبنية بجزيرة ساخالين، وهي تلك الرحلة التي أدت إلى تقديم دراسة فتحت أعين الكثيرين من مسؤولين وغيرهم عن وضع السجناء هناك).
كذلك ساهم كتاب سيرة تشيخوف الذي أصدره البريطاني دونالد ريفيلد عام 1997 في تعميق حب الكثيرين له ففيه تمكن المؤلف من تقديم الكثير من رسائل تشيخوف التي ظلت طي الكتمان خلال الحقبة السوفياتية وفيها اتضح أن تشيخوف كان يرتاد الماخورات بانتظام وكان يستمتع بالتعرف إلى ما يدور في أذهان النساء اللواتي لا يريد أن تكون معهن علاقات حميمة.
قال مايكل غراندايد، الذي أخرج مسرحية quot;إيفانوفquot; والتي تعد واحدة من أروع العروض المنتجة لأعمال تشيخوف في عصرنا الحالي، إنه يود أن يرى عروضا في هذه السنة الخاصة بذكرى ميلاد الكاتب الروسي لا تتلاعب بجزئياتها مثلما هو الحال مع مسرحيات شكسبير فهي غير قابلة للتجديد لأنها سريعة العطب وجماليتها تكمن في تفاصيلها الدقيقة. إنه اختبار مهم لمسرحيات الماستر الكبير عن مدى قدرة المخرجين في التجريب عليها. فالعديد من الأعمال التي قدمت في السابق بعد إجراء تعديلات عليها لاقت فشلا ذريعا واستهجانا كبيرا من قبل النقاد المسرحيين مثلما كان الحال مع اقتباس مارتن كريبم لمسرحية quot;النورسquot; التي قدمت قبل عدة سنوات على المسرح الوطني في لندن.
ستكون 2010 سنة تشيخوف حقا في لندن، فابتداء من 18 كانون الثاني/ يناير سيبدأ المسرحي البريطاني الشهير ديفيد هير والممثلة الإنجليزية بنيلوب ويلتون على مسرح هامستد بالتحدث عن كمال القصة القصيرة لدى تشيخوف بالتحدث عن قصة quot;السيدة والكلب الصغيرquot; مع جلسة للمخرج البارز quot;ريتشارد آيرquot; واصدقاؤه من الفنانين يتحدثون فيها عن مسرحيات تشيخوف الكبرى..
2010: عام حافل بكل ما يتمناه محبو تشيخوف من مسرحيات وأفلام وقراءات وندوات نقدية مع مشاركة لفرق أوروبية في هذا المهرجان الكبير لواحد من أكثر الفنانين المقلين وأكثرهم قدرة على كسر حواجز الزمن ومخاطبة الانسان خارج حدود الاطر الثقافية والأجيال.