عبدالجبار العتابي من بغداد: صدرت للكاتب العراقي محمد مزيد رواية تحمل عنوان (سرير الأستاذ) عن دار فضاءات للنشر والتوزيع ndash; عمان، وقد تضمنت 27 فصلا، في 372 صفحة من القطع المتوسط، وصمم غلافها الفنان نضال جمهور.
على الغلاف الاخير للرواية هناك كلمة للناشر قال فيها: (في quot; سرير الأستاذ quot; يلج الكاتب عوالم تعتبر عوالم ممنوعة ومحظور الاقتراب منها، حيث يعري استبداد السلطة الشمولية وتحكمها بمقدرات الافراد وكرامتهم، وكأنها تتعامل مع دمى أو مع شخصيات كرتونية لا احساس لها، فيصل فيها الرعب إلى حد السخرية الدموية، إنها رواية الواقع العربي بامتياز، بكل ما فيه من تفاصيل نكاد لا نراها، أو نحاول إلا نراها في ظل شجرة الرعب التي ساهمنا في رعايتها وسقايتها حتى استطالت أغصانها لتلتف حول أعناق أقدارنا، quot; سرير الأستاذ quot; رواية بمثابة حد الشفرة الذي تختار ولوجه طواعية لتقشر روحك من سباتها، الذي ولدت مدثرا به، لتصحو على حقيقة الرعب الذي تحيا واحتمالاته).
محمد مزيد.. يدخل عالما لم يدخله احد من قبل، هذا العالم الذي اسمه (الاتحاد العام لنساء العراق) الذي كان في زمن النظام السابق، عالم (رفيقات الحزب)، دخله وراح يكسر الابواب ويقتلع النوافذ ويبحث في الغرف، ليطل على مكنونات وخبايا هذا المبنى الكبير الذي تقوم على ادارته النسوة، ويكتشف التفاصيل التي كانت تعشعش في دهاليزه واروقته، والخيوط التي تصل بها في شبكة العلاقات التي تصل الى رأس النظام، ويشير الى حقيقة ماكان عليه هذا الاتحاد النسائي من قيامه بالدسائس والمؤامرات والخديعة وايقاع الفتيات الجميلات في فخاخ العون والمساعدة ومن ثم تقديمهن الى المسؤولين في النظام، كما يدخل الكاتب الى الغرفة السرية التي تضم بين جدرانها سرير الاستاذ ابن (القائد الضرورة) الذي استلقت عليه مئات الفتيات، وألتقطت لهن الكاميرا المخبئة تحت لوحة لقطات حميمة ساخنة بطلها الاستاذ ذاته، والذي يتلذذ بها فيما بعد وهي مصدر تهديد ورعب لهن، فكان محمد مزيد راصدا جريئا وشجاعا في توضيح صورة من صور كانت يلفها الغموض وتعد من الاسرار الخطرة، وتفوح منه روائح الجنس والخمور والابتذال والخيانة والخوف وعدم الاكتراث بالانسان.
يفتتح الكاتب روايته بمشهد مرعب صادم (عندما ربطوا فخذيها الى السرير والدولاب، ويديها الى ضلفتي النافذة، باتجاهين متعاكسين، لم تكن فائزة تتصور، ولو للحظة واحدة، ان تصبح طريحة الفراش، وهي لا تقوى على مواجهة الصدمة القاسية التي وضعت بها، في وقت باءت كل محاولاتها من النهوض بالفشل )، وعلى مسافة سطور.. يمضي الكاتب في مفتتحه ليرسم صورة مثيرة ( كان لهاثها يتصاعد، حتى كادت تفقد كل الهواء من رئيتيها، ولم لها غير اليأس والاستسلام، كان الاستاذ في الجانب المعتم من الغرفة يراقبها بتينك العينين البارقتين بالشرر، كاد يغمى عليها من فرط دهشتها، ان يقوم الاستاذ بنفسه بالاشراف على ما يجري لها في وقت كانت تعتقد انها جاءت اليه لتستنجده في مصابها، وهي في اخر لحظات شعورها بالادراك والوعي شاهدت عليان يمد يده الى وسطها، علمت فيما بعد انه قام بتمزيق ثيابها الداخلية بجرة سريعة واحدة، ولاحظت ببقايا ما تماك من الوعي انه اخذ الخرقة الممزقة ليشمها، ثم غادر الغرفة بنظرة ذات معنى، ألقاها الى استاذه وهو يوميء اليه القيام بما يجب).
هذه المقدمة عبارة عن مشهد غير مكتمل، لكن فيه اشارات الى العنوان الذي حملته الرواية، وقد اراد فيه الكاتب التنبيه من خلال الاسطر القليلة الى التفاصيل التي سوف يسردها والتي لا بد انها اكثر اثارة، فقد أجاد في تمرير هذا المفتتح ليظل عالقا في ذاكرة القاريء وهو يمضي في قراءة الاحداث وسماع الحوارات وهي ترن بالمفردات والكلمات التي تسترعي الانتباه، ومشاهدة الوجوه على صفحات الرواية تتنفس على اختلاف ملامحها وتقلباتها، والكاتب يسرد بهدوء جم حكاياته ولا يستعجل البوح، يحاول قدر الامكان ان يكثف سرده ويقلل من كمية المفردات السيئة التي يتم تداولها، بل انه يحسس القاريء الى انه يضطر الى ان يذكر تلك المفردات لانها تمثل انموذجا لا يمكن تجاوزه، كما انه يجعل قارئه يتعرف على الشخوص وتفاصيل عملها، ابتداء من (كريم) الفنان التشكيلي الهارب من الجيش والمختبيء في غرفته، الى امه واخته، ومن ثم الى (فائزة) ابنة خالة كريم التي تسكن في محافظة البصرة وتأتي في زيارة الى بيت خالتها في بغداد، وفي البحث عن عمل في هذا الاتحاد، ومن ثم الرفيقة (فاتن) التي تعمل على اصطياد الفتيات، و(عليان) الذي يرتدي الملابس الزيتونية، احد افراد حماية الاستاذ والوسيط (القواد) بين فاتن والاستاذ، الى (سندس) سكرتيرة فاتن التي حرق عليان مؤخرتها بوضع المكواة عليها بأمر من الاستاذ، ومن ثم ينقلنا الى مزرعة الاستاذ من خلال اعتقال (كريم) كونه الخيط الذي يمكن ان يعيد فائزة التي هربت بعد ان استشعرت بالخوف، فينقذه الرسم فيكون مقربا لدى الاستاذ، وينقل لنا الكاتب التفاصيل والاحداث العديدة المؤلمة والمرعبة ويفضح اسرارا من داخل المكان، اسرارا تنز اوجاعا وقهرا ومآسيا، وصولا الى المفاجأة التي هيأها الاستاذ لـ (كريم) ليكون بطلها، وقد افتتح بها فصله الاخير بالقول (ينتظر كريم المفاجأة التي وعد بها في الغرفة نفسها التي يراقب الاستاذ من خلالها التلفاز الخاص حين تكون احداهن في غرفة التصوير الاخرى، اذن هناك فتاة ستصور بالكاميرا الثابتة بعد ان ارجئت فكرة الكاميرا المتحركة، فكر كريم، لا شيء مثير في الامر، ستتم هنا كالعادة عملية اغتصاب وتصور شأنها شأن كل الحالات التي مرت.. فما المفاجأة في ذلك؟ )، هذا التساؤل لابد لي ان اتركه للقاريء لكي يكتشفه من خلال قراءة الرواية التي يتحسس فيها فواجع زمن مضى.
يذكر أن رواية (سرير الاستاذ) هي الثالثة للكاتب بعد روايتيه: (مكان اسود) عام 1999 و (حكاية امرأة) عام 2001، أما المجموعات القصصية فقد صدر له، (النواش) عام 1983 و (غرفة الفراغ) عام 2000.
التعليقات