حسن مواسي من يافا: في الثالث من نيسان/أبريل 2002 قامت قوات الجيش الإسرائيلي باجتياح مخيم جنين شمال الضفة الغربية ومنذ ذلك الوقت تواصل وسائل الإعلام الإسرائيلية ملاحقة عدسة المخرج والممثل الفلسطيني محمد بكري (57 عاما) من قرية البعنة شرق عكا، في المحاكم وفي الشارع الإسرائيلي.
في العام 2002 قام خمسة من الجنود الإسرائيليين، بتقديم شكوى للمحكمة الإسرائيلية ضده بتهمة القذف والتشهير بسمعتهم، مطالبين بمبلغ مليونين وسبعمائة ألف شيكل! وبعد عدّة جلسات في المحاكم، كان آخرها في المحكمة المركزية في بيتح تكفا، خسر الجنود القضية. وبإيعازٍ من المستشار القضائي للحكومة في حينه، مناحيم مزوز، لم يرضخ هؤلاء الجنود للقرار واستأنفوا للمحكمة العليا حيث ستنظر في التماسهم بتاريخ 19-1-2011.
مساء الأحد، عقد اجتماع تضامني مع الفنان بكري، بمشاركة نواب عرب في الكنيست وقيادات عربية وأدباء ومثقفين عرب، وأكدوا في الاجتماع تضامنهم مع بكري، مؤكدين أن هذه الأجواء تتزامن مع التصعيد الإسرائيلي في منسوب العنصرية يوميًا ضد المواطنين العرب، وفي زمن الفتاوى الحاخامية وفترة قوننة السلطة التشريعية للعنصرية وعملها الدؤوب على كمّْ الأفواه، وبعد الملاحقات السياسية لقادة الجماهير العربية من مختلف الطيف السياسي، تأتي محاكمة الفنان السينمائي والمسرحي الكبير محمد بكري لتؤكِّد لقطاعات واسعة من شعبي هذه البلاد، بأن إسرائيل حُبلى بالأبرتهايد.

quot;إيلافquot; أجرت هذا الحوار مع المخرج محمد بكري الذي تمحور حول ملاحقته ومساعي المؤسسة الإسرائيلية فرض سياسة كم الأفواه ضد كل صوت معارض.

إيلاف: ما هو سبب عودة فيلم جنين جنين لأروقة القضاء الإسرائيلية؟
بكري: بعد أن تم إنجاز فيلم جنين جنين في العام 2002، قررت الرقابة الإسرائيلية وبقرار من الحكومة منع عرض الفيلم، ومن دون أسباب مقنعة لمنع عرضه، أنا قمت بتقديم الالتماس إلى المحكمة العليا وبعد عامين حصلت على إجازة عرض الفيلم بقرار من المحكمة العليا. ونوهت المحكمة العليا في قرارها بأن لا احد يحتكر الحقيقة.

إيلاف: كيف بدأت قصة إنتاج الفيلم؟
بكري:quot; أثناء عملية quot;الجدار الواقيquot;، شاركت في تظاهرة شرق جنين وطالبنا بوقف الحرب، فمرّ جندي إسرائيلي وفتح النار عشوائيًا باتجاهنا، وأصيبت الفنانة فلينتينا أبو عقصة وخضعت للعلاج في المستشفى لفترة طويلة. هذا التصرّف لذلك الجندي نحو مواطنين أبرياء ومسالمين، جعلني أتساءل كيف يتصرّف هذا الجندي داخل مخيّم جنين؟

إيلاف: ما هي قصة الفيلم مع القضاء الإسرائيلي؟
بعد عملية quot;الجدار الواقيquot; الإسرائيلية قرَّرت دخول مخيم جنين، وقمت بتصوير فيلم quot;جنين جنينquot;، فقامت الدنيا ولم تقعد ومَنعت الرقابة الإسرائيلية عرض الفيلم لمدّة سنتين، بحجّة quot;أنه أحاديّْ الجانب ويربك المشاهد ويوهمه بأن الجيش الإسرائيلي ارتكب جرائم حرب بحقّ الفلسطينيينquot;!
فالتمستُ للمحكمة العليا ضد قرار الرقابة وحصلت على مصادقة بعرض الفيلم ونوّهَتْ المحكمة العليا بالنصّ الحرفي quot;لا ملكية مطلقة لأحد على الحقيقةquot;.
في العام 2004 بعد أن حصلت على إجازة من المحكمة العليا ببث وعرض الفيلم، قام خمسة جنود إسرائيليين مباشرة بتقديم شكوى قضائية ضدي، بادعاء مشاركتهم في عملية quot;الجدار الواقيquot; في جنين المخيم في نيسان/ابريل 2002، وأدعو أن الفيلم يجرح مشاعرهم وفيه قذف وتشهير بسمعتهم quot;الطيبةquot;!!!
ونوه بكري بأن هؤلاء الجنود لا يعرفهم ولن يتم ظهورهم في الفيلم لا اسما ولا صورة.

إيلاف: فيلم جنين جنين أثار ضجة كبيرة؟ ما هي قصة الفيلم؟
بكري: فيلم جنين جنين يتناول مشاعر الإنسان الفلسطيني أثناء الاجتياح، وتضمن الفيلم شهادات أهل المخيم من الطفل الصغير إلى الشاب والرجل والشيخ الجليل إلى المرأة الحامل إلى المكان المهدم إلى الدمار الشامل.
ويروي هؤلاء على أعمارهم المختلفة وأشكالهم ما رأوا من دمار وتخريب من وجهة نظرهم هم في المخيم إبان الاجتياح الإسرائيلي، وما رأته عيونهم وما سمعته آذانهم.

إيلاف: حديثك يبين أن محمد بكري ملاحق؟
بكري: هذه ليست المرة الأولى التي يتم ملاحقتي كفنان وممثل ومخرج، فمنذ بداية عملي الفني في سنوات الثمانين من القرن الماضي، اتسم اسمي بـquot;الولد المشاكس والمجادلquot;، فعندما شاركت في فيلم quot;وراء القضبانquot; حصل جدل كبير بيني وبين مخرج الفيلم حول نهاية الفيلم، فكما تعلم نهاية الأفلام عادة ما تكون بيت القصيد في القصيدة العربية الكلاسيكية، والنهاية تترك بصماتها على المقولة العامة أو نهاية الفيلم.
ويضيف بكري: حينها استحوذ الجدل بيني وبين مخرج الفيلم على اهتمام وسائل الإعلام، واستطعت تغيير نهاية الفيلم.
وطبعا يشير بكري إلى أن هذا الأمر لم يرق للمنتجين، انه منذ متى يقوم ممثل بتغيير نهاية الفيلم، فعادة لا يقوم الممثلون بمثل هذه الأشياء، والمهم انه منذ ذلك الوقت ولي اسم مشاكس، وقد حرمت من المشاركة في العديد من الأفلام، بسبب الصورة التي رسمت لي، ووصل أوج ذلك في فيلم جنين جنين.
ويلخص بكري الموضوع بالاتي: بجملة واحدة اسرائيل تدعي الحكر على الحقيقة quot;الكوارثquot;، وتهتم باحتكار ذلك في العالم، ويطمسون أي كارثة أخرى خصوصا تلك الكوارث التي قاموا بها وتسببوا بها للآخر، وإسرائيل لا تقبل الآخر، وأنا هذا الآخر، وهذا الآخر يزعزع حقيقتهم لأنه يحمل حقيقة مناهضة لحقيقتهم.
ويضيف أنا فنان ملتزم بقضية الإنسان، أي إنسان، بغضّ النظر عن لونه أو انتمائه القومي والعرقي، والقضية برمّتها هي انتقام لكسر شوكتي ومحاولة ابتزازي وممارسة سياسة الترهيب وكمّ الأفواه فقد شاركت بعدّة أفلام تتعلق بحقوق الإنسان، منها فيلم يتحدّث عن مذبحة الأرمن عام 1914، من إخراج الإخوة تافياني. وفيلم آخر عن مذبحة اليهود التي ارتكبها النازيون إبّان الحرب العالمية الثانية. وفيلم آخر عن مذبحة الأكراد ومسرحيات عن الأبرتهايد في جنوب أفريقيا.. وقد رأيت من واجبي أن أوضّح للقاصي والداني ما يدور، على الرغم من ملاحقتي على كافة الأصعدة منذ عام 2002 من قبل دولة إسرائيل، في وسائل الإعلام ومن على منصّات الكنيستquot;.
وكان واضح منذ البداية أن القضية هي قضية ملاحقة سياسية شخصية موجهة ضدي وتندرج في إطار الحملة الإسرائيلية لكم الافواه وكسر شوكتي أنا.