إيلاف من بغداد: quot;التركمان في العراق والتاريخrdquo; هو عنوان كتاب جديد للدكتور فاروق عبد الله عبد الرحمن ال بكر صادر في بغداد مؤخرا عن مؤسسة المختار للطباعة والترجمة والنشر. ويتناول في دراسة تاريخية ndash; سياسية ndash; فلسفية حقائق تداخل ووجود التركمان في العراق منذ فجر التاريخ ولحد الآن وكذلك quot;التعشق التركماني في العراق وافرازاته البنيوية الكاملة ndash; 1500 ق.م. الى 2010quot;. بيد ان قضايا محدة كقضية كركوك والشخصيات التركمانية المؤثرة في الدولة العراقية الحديثة واحداث التاريخ السياسي العراقي المعاصر تكاد تأخذ المساحة الاكبر في هذا المؤلف الذي يضم وثائق خاصة وجديدة ومعلومات ودراسات عن جوانب اساسية مختلفة في التاريخ السياسي العراقي المعاصر لا سيما مجالاته التي لعب تركمان العراق دورا فيها او تحملوا نتائجها او كان لهم موقف او مواقف بشأنها.
وينقسم الكتاب (490 صفحة) الى اربعة اقسام رئيسية يتناول الاول الوجود التركماني في العراق من السومريين الى العثمانيين والعصر الحديث وهو على شكل رحلة في ثنايا الحضارة العراقية والانسانية الماضية متوقفا عن التزاوج والانصهار التركو- سومري في العراق وعن الكوسائيين اي (هل الشمال) وعن مسميات كركوك في التاريخ القديم، وقصة التمازج التركو ndash; عربي من الفتح الاسلامي للعراق الى نهاية حكم الدولة العثمانية وعن الاجيان والمعتقدات العراقية القديمة ودور الاصول التركو ndash; سومرية في نشأتها وعن الدول والممالك والامارات الاسلامية التركمانية في العر اق من الفتح الاسلامي حتى نهاية الدولة العثمانية. وفي القسم الثاني هناك بحوث مفصلة عن الموروثات والمولودات السياسية والثقافية زالفكرية المترتبة عن الوجود والحكم التركماني في العراق من حكم السلاجقة الى نهاية حكم العثمانيين مركزا على خصائص العقائد التركمانية ودور تيمورلنك في التاريخ فيما تناول القسم الثالث الحركات والاحزاب التركمانية السياسية في العراق الحديث منذ نشأة الدولة العراقية الحديثة الى الاحتلال الانكلو امريكي الاطلسي الاخير بين 1921 و2003 وخاصة على الاصعدة السياسية والثقافية والحضارية قبل ان يتناول الاحداث السياسية المعاصرة من وجهة نظر تاريخية تركمانية وعلى ضوء مواقف الاحزاب التركمانية خلال الفترات المختلفة بدءا من العهد الملكي مرورا بالفترة القاسمية ثم الانظمة البعثية ولغاية ما بعد الاحتلال الامريكي للعراق في 2003. ويتضمن الكتاب معلومات ثمينة ومفصلة حول التشكيلات السياسية التركمانية خلال تلك الفترات وقياداتها ومواقفها السياسية واهم مراحل تطورها واحاطة بابرو شخصياتها القيادية.
وهكذا، تكتسب القضايا والاراء التي يطرحها الكتاب أهمية خاصة على مستوى التاريخ السياسي اذ تعبر عن وجهة نظر قومية تركمانية عراقية تعتبر التركمان العراقيين جزءا اصيلا وعريقا وحيا لا يتجزأ من امة عراقية أصيلة وعريقة وحية هي الاخرى برغم تعدد مكوناتها القومية والدينية والمذهبية والفكرية وتغير احوالها الداخلية على مر العصور. فالاحاسيس القومية التركمانية للمؤلف لا تتناقض بل تكتمل وتتعزز بالنزعة الوطنية العراقية لديه.
والدكتور فاروق عبد الله هو مؤسس ورئيس حزب القرار التركماني العراقي، ومولود في كركوك عام 1951 وينتمي الى اسرة تركمانية عراقية عريقة بل quot;موغلة في القدم والتاريخquot; ويحمل الدكتوراه في هندسة القوى الزراعية ويشغل حاليا منصب مستشار في هيئة مستشاري رئاسة الوزراء بعد ان عمل استاذا جامعيا لفترة 27 في مجال اختصاصه.
وينطلق المؤلف من يقينه بان العرق والدم التركماني ممتزجان بتربة العراق ومياهه معتبرا ان الوجود التركماني في بلاد الرافدين يعود الى 3500 قبل الميلاد ومستمر بحيويته لغاية يومنا الحالي. وبعبارة اخرى quot;انه رحلة 5000 سنة من الوجود والتعشق التركماني لتربة ومياه وحضارة وادي الرافدين المعروفة باللغة اللاتينية باسم (ميزوبوتاميا). ومن هنا فهو يرفض ذلك الخطأ المعرفي والفهمي السائد لدى البعض والقائل ان تركمان العراق هم بقايا العثمانيين في العراق. او مجموعة من القبائل التركية جاء بها خلفاء بني امية.
كما يرى ان تركمان العراق quot;لم يفرطوا يوما بعراقيتهم او وطنيتهم او حضارتهم ولا بلغتهم ولا باخلاقهم ولا بممسؤوليتهم تجاه كل قيمة عراقية او اخلاقية او وطنية او قيمية او دينية .. لقد كانوا بمثابة الهوية العراقية الواضحة والضمير الحقيقي لاهل الرافدينquot; ولذا فهو يطالب بمنح التركمان فرصة خدمة العراق وقيادته نحو التقدم والازدهار قائلا quot;لقد حكم العراق خلال القرن الماضي العرب السنة، وما بعد 2003 الشيعة والاكراد ونعتقد ان الاوان آن الى اعطاء التركمان وباقي الاقليات الاخرى دورهم القيادي في العراق فلعلنا نرى ما لا رأيناه من غيرهمquot;.
اما عن علاقة تركمان العراق بتركيا فهي في رأيه quot;علاقة نسب عرقي وتلاصق جغرافي ودين سماوي واحد.. شأنهم في ذلك شأن الاحزاب الشيعية مع ايران والسنىية مع السعودية ومصر والاردن متسائلا quot;لماذا يحق لغيرنا ما لا يحق لنا؟quot;
اذ يغتبر الدكتور فاروق عبد الله ان مقدسات تركمان العراق ثلاث وهي: (وحدة العراق ارضا وشعبا وتاريخا وحضارة، وعدم تمايز او افضلية اي مكون عراقي على مكون اخر لا قوميا ولا دينيا ولا مذهبيا ولا مناطقيا ولا حتى تاريخيا او عقائيا، وعدم التنازل او التضحية باي شبر من الاراي العراقية او خيراتها او ثرواتها تخت اي سبب او ذريعة كانت احتلالية ndash; تعويضية ndash; تاريخية او غيرهاquot;.
على صعيد آخر، يرى المؤلف ان العمل السياسي التركماني الراهن لا بد أن يتحرك بخطى وطنية وسياسية توافقية بعيدة عن كل التخندقات التي أضرت بالعراق وشوهت العملية السياسية معتبرا ان الانتخابات هي السبيل الامثل لضمان تداول السلطة وهي صمام الامان للحفاظ على المنجز الديمقراطي للمجتمع، والاحزاب السياسية هي جوهر العملية الديمقراطية وحجرها القوي الأمين الذي تعتمد عليه في عملية الاحتراك السياسي من خلال التنافس السلمي على ادارة البلد. وهو يطالب بمراجعة الواقع التركماني حتى لا يبتعد عن الحراك السياسي العراقي الجديد والعمل سوية وبثقة متبادلة لبناء الدولة العراقية اولا والشعب التركماني ثانيا مع عدم المساومة على حقوق التركمان العادلة وحرص كل تركماني على دعم القضية التركمانية بالذهاب الى صناديق الانتخابات دون تردد.
- آخر تحديث :
التعليقات