باسم النبريص: برحيل إبراهيم أصلان، تنطوي صفحة نادرة وفريدة من تاريخنا الأدبي.
هذا الفنان، كان بحق quot;رجل المهمات الصعبةquot; في مدونة النثر العربي في الثلث الأخير من القرن العشرين فما بعد.
الرجل الذي اختاره القدر، ليكون مبعوثه الخاص لتجديد تلك المدونة. ونقْلها - بالطريقة الأصلانية - من حال إلى حال: من مرحلة البلاغة إلى مرحلة البلاغ، ومن شعرية اللغة إلى شعرية الحالة والمشهد.
وقد نجح في هذه القفزة الكبرى، حتى صار شيخ طريقة، لها محبّون بين الكتّاب العرب والقرّاء العرب. كتّاب نخبويّون وقرّاء بسطاء على حد سواء. وإني لعلى يقين بأنّ هؤلاء وأولئك سيزدادون عدداً في المستقبل. ذلك أنّ أصلان كاتبُ مستقبلٍ من نوع، كالنبيذ، كلما قدم تعتّق أكثر وطاب مذاقه.
في كل فجّ عميق، من أفجاج الوطن العربي، أحلم بمفتونين به كما فتنتي (رغم مصريته الخالصة). ذلك أنه أعطى الناس أصدق وأجمل ما فيهم، فمكث ما أعطى في أعماقهم. لقد عرّى اللغة التي كانت تقف حاجزاً بينهم وبين القراءة من زخارفها وأصواتها العالية وأعطاها نكهة اللحم - النسغ الحي. نكهة لم تكن تعرفها من قبل، ولا أظنّها ستعرفها من بعد. وقبل هذا وبعده، أوجد حلولاً لكثير من مآزق اللغة العربية ومشاكل السرد الفني.

حين قرأت في القاهرة سنة 81 أعداد مجلة quot;جاليري 68quot; (وكنت اشتريتها مغبرّة من على سور الأزبكية، وما زلت للآن محتفظاً بها) توقّفت عند قصصه. لم تكن سنواتي الواحدة والعشرون تسمح آنذاك باستيعاب تقشفّها وخفوتها، لكنها أصابتني بإحساس غامض .. ضرب من السحر الحلال تستشعره وتعيشه وتحبه وأصعب شيء أن تشرحه أو تفهمه أو تحاول - كما فعلت - تقليده!

منذ ذلك التاريخ، ارتبطت بكتابات أصلان، بعرى لا تنفصم. وصرت كلما وقعت على عمل جديد له، أشتري منه عدة نسخ، وأحملها ملهوفاً، لأوزّعها على الأصدقاء. فعلت ذلك مع كل كتبه تقريباً. باستثناء quot;حجرتان وصالةquot; الذي لم يصلني بعد.

إنه معلّم كتابة، بالمعنى العتيق للكلمة. وهذا النوع من المعلّمين، نادر في العالم كله، ندرة الذهب في عروق الجبال.
لذا أعرف كم هي فادحة خسارته. كم هو فادح ألا تقرأ له جديداً بعد اليوم.

ألله يرحمك يا عم إبراهيم.