كامل الشيرازي من الجزائر: يعلن الفنان الجزائري البارز quot;العمري كعوانquot; إنّ مسرح بلاده يتقوقع حاليا في الحضيض ويربط نهوضه بإحداث وثبة تنتصر للجودة وتطلعات الجماهير، ويقول صاحب 34 سنة من الخبرة في ميادين الكتابة والتمثيل والإخراج، إنّ ما يحدث للمسرح في مسقط رأسه صورة مصغرّة عما يقع للجزائر.
وفي مقابلة خاصة بـــإيلاف، يتحفظ مبدع مونودرام quot;جن وبلعطوهquot; على تسمية ما شهدته بلدان عربية بـquot;الثوراتquot;، ناعتا إياها بالانتفاضات الغير سليمة من الأيادي الأجنبية، والغير مشرحة بحسبه لأن تنتج ديمقراطيات.

bull; ماذا عن نتاجكم الجديد quot;الشعب يريد حذاءquot; ما الذي تريدون تمريره عبر هذا العمل الذي ينتظر التجسيد ركحيا ؟
- يتعلق الأمر برؤية خاصة استلهمتها من حذاء الزيدي الذي استخدمه في ضرب بوش، في الجزائر الجملة الكثيرة الاستعمال quot;تقطع السباطquot; (تمزّق الحذاء) وهي كناية يوظفها الأشخاص لتثمين حراكهم الكثير، حتى الوزراء يقولونها في محاولة لنفي سكونهم، لكن الرئيس لا يصدقهم بعدما لاحظ ميدانيا أنّ هؤلاء كذابون.
يقوم الرئيس في المسرحية، بعقد اجتماعين في الفاتح كانون الثاني/ يناير، و31 كانون الأول/ ديسمبر، يقوم في أولاهما بمنح حذاء لكل وزير، ويقيّم في الثانية مدى اهتراء تلك الأحذية من عدمها، ووسط كتلة من المشاهد الساخرة تطرح الجماهير السؤال الأعظم .. ماذا لو يرتدي الرئيس حذاء ويتضح بعد فترة أنّه لم يتمزقّ، تلك المشكلة الأهمّ.

bull; في أعمالكم quot;رجلة مائة بالمائةquot;، quot;خميسي والهواريةquot;، quot;الزائخةquot; وغيرها، أبرزتم أكثر من مرة سخطكم على الوضع الثقافي في الجزائر، كيف تقيمون الوضع الراهن للمسرح المحلي ومستواه في ظلّ تكرّس (المهرجاناتية) وركود المسارح الحكومية؟
- في ثمانينيات القرن الماضي أيام المسرح الذهبي وأسماء الراحل عز الدين مجوبي، ومواطنيه محمد بن قطاف، صونيا، سليمان بن عيسى وزياني شريف عياد، كانت مسرحياتنا تترك بصماتها ليس داخل الوطن فحسب بل خارجه، هذا ما كان يمنح وجود يؤسس لشيئ اسمه المسرح الجزائري، سيما مع الاشتغال المكثف على ثيمات لها قيمتها كالذي فعله الراحل عبد المالك بوقرموح برائعتي quot;حزام الغولةquot; وquot;رجال يا حلالفquot;.
على النقيض، الأعمال الحالية (ساندويتشات) ولا يمكن للمرء حتى أن يتذكر عناوينها، والمفارقة أنّه أيام العصر الذهبي كانت الامكانات متواضعة للغاية، ومع ذلك كانت النتاجات قيّمة ومميّزة، بينما ما يقع في الراهن أنّ الانفاق ضخم والانتاج صفري ! وإن وُجد فهو هزيل، في ظل انتهاج نمط الكم لا الكيف، أتساءل كيف لعمل مسرحي في الجزائر أن يستفيد من دعم يلامس المليار، بينما لا يتجاوز عدد عروضه العشرة.

bull; ما مسؤولية الأوصياء على الثقافة بنظركم؟
- لست مع من يحمّلون المسؤولية لوزيرة الثقافة، فالأخيرة بريئة براءة الذئب من دم يوسف، ثمّ هل دور الوزيرة أن تمثل وتخرج المسرحيات؟، مهمتها تأسيس الهياكل وتوفير الأموال، أكثر من ذلك ضاعفت عدد المسارح الجهوية ورمّمت عديد المرافق، لكن رغم هذا الزخم لم نصل إلى إنتاج عمل كبير نستطيع به منافسة الأعمال العربية والغربية، ثمّ لا بدّ من الاعتراف أنّ مستوى المسرح الجزائري حاليا في الحضيض وبعيد كل البعد عن دول الجوار فما بالكم بمستوى الدول العربية الأخرى.

bull; أين تكمن المشكلة؟
- المشكلة الأساس في كون المسارح الجزائرية صارت عُرضة للبزنسة وسوء التسيير والمحسوبية والرشوة والرداءة، حتى الممثلين ليسوا في المستوى إلاّ من رحم ربي، وتواجدهم في مؤسسة كالمسرح القومي قائم على اعتبارات لا علاقة لها بالفن، ما يجعل الفنان الحقيقي مكبّلا على الهامش، وعندما نتحدث عن مؤسسة كالمسرح، فهي صورة مصغرة لما يحدث في الجزائر.
المطلوب وثبة مسرحية في الجزائر، وصلنا إلى مرحلة حصلت فيها قفزة نوعية (الثمانينيات)، لكن بعدها حصل الانحدار، ولا يزال التراجع قائما من مسرحية quot;الأجوادquot; إلى توليفة quot;التمرينquot;.

bull; ألا تشكّل المسارح الخاصة حلا؟
- أكيد المسارح الخاصة والتعاونيات تتموقع كبدائل ناجعة، خصوصا مع طبيعة ما تنتجه الفرق الغير حكومية، فهو أفضل بكثير مقارنة بتلك المنتجة في مسارح الدولة مع أنّ ما تتمتع به الأخيرة يمكنها من تجسيد الأحسن، ثمّ هل يُعقل أن ينتج المسرح القومي مسرحية يشاهدها نزر قليل من الأشخاص؟ كل هذا بسبب تقصير الدولة في المحاسبة والمتابعة وبمعنى أصحّ (المعاقبة).
لاحظوا معي أنّ المخرج quot;زياني شريف عيادquot; هو الوحيد الذي أحرز جوائز كبرى، لكن مجرد ذكره في الجزائر يعدّ خروجا عن السطر، في وقت يتعامى المعنيون عن محذوري الرقابة والاحتكار.

bull; رأى نقاد أنّ أعمالكم العديدة كـ quot;جن وبلعطوهquot;، quot;الرجلةquot;، quot;زواج أكاديميquot;، quot;سوق الرجالquot;، quot;وردةquot;، وغيرها، ركّزت على إظهار اغتراب اجتماعي ثقافي مستبد في الجزائر، ماذا وراء هذا المزج، هل هي دعوة إلى التثوير؟
- المثقف لما يضيق ذرعا بالأشياء، يسعى للتنفيس عن ذلك في أعماله، وإخراج شحنات غضب أفرغتها في العشرات من أعمالي، على غرار الذي عبّرت عنه في مونودرام quot;وردةquot;، أين نقلت لواعج ومعاناة الفتاة quot;وردةquot; المتخرجة من معهد الفنون الدرامية، وعرضت عليها إدارة المسرح دور المنظفة، فيما نالت إحدى المنظفات بالمسرح ذاته دور الممثلة، في إشارة إلى تهاوي القيم والهرم المقلوب.
بالنسبة إلى التثوير، من الصعب جدا أن نكون لدينا ثورة في الجزائر، حيث سبق للجزائريين قبل 24 عاما أن ثاروا ضدّ النظام، وتعرضوا إثرها إلى التكسير، حيث كانت الدولة ذكية من حيث تلبيتها مطالب بوضع أحزاب واصطناع تعددية مفخخة جرى فيها الاستعانة بالأشخاص ذاتهم، بينما الجزائريون لا يريدون أحزابا بل يتطلعون إلى quot;الكرامةquot;.
الأمر نفسه ينسحب على حرية التعبير، فالجزائري يقول ما يحب، لكن لا شيئ تغير، حيث السياسة المنتهجة جرى الاستمرار فيها وسط تنامي الفساد والجهوية، ما جعل الملل والتعب يتمكنان من الانسان الجزائري، على نحو صار يتعاطى بطريقة quot;الحمد لله، نحن أفضل من آخرينquot;.

bull; حفلت الساحة المسرحية الجزائرية ولا تزال بعديد التواقيع، ما قولكم بشأن البناء الدرامي العام للنصوص، وما الذي ينقص المنظومة المسرحية الجزائرية حتى تمتلك أعمالا وظيفية تجيد الفهم السليم لتطلعات جزائر 2012 وما يطمح إليه الجيل الجديد؟
- البناء الدرامي في أي نص وليد صاحبه، فلكل طريقته، هناك نصوص سطحية لكن لا أستطيع القول بعدمية البناء، بل هشاشته، وقد يقود إلى نتيجة مغايرة، لأنّ النص هو عنصر من عناصر المسرح، وقد تجذبك جماليات أخرى في العرض غير النص كالسينوغرافيا والأداء الجميل.
حاليا، أضحت السينوغرافيا تطغى على كثير من العروض، في حين الجماهير مهووسة بشخوص معينة كما هو حاصل مع نجوم الكرة، وحتى لو كان الممثل المعني رديئا، ما يقتضي تصحيحا عبر التأسيس لثقافة جديدة تقود إلى متابعة نوعية العمل لا الشخص، والخروج مما يُثار عن كون المخرج كما السينوغرافي كلاهما أكذوبتان.
لا بدّ من طريقة ذكية لإعادة الجماهير إلى المسارح، أقول من دون تحفظ، إنّ الكوميديا تجذب غالبية عشاق الركح في الجزائر، وذاك واضح عبر الأعداد الكثيفة التي تواكب الأعمال الكوميدية .
في الغرب الأمور حُسمت بناءا على دراسات مستفيضة لما يريده المتلقي.

bull; ماذا عن واقع الكتابة الدرامية والاصطلاحات الكثيرة المستخدمة في الجزائر من عبث وميلودراما وكوميديا سوداء، وما هو الضرب الفني الأكثر صلاحية للمرحلة القادمة؟
- للأسف المصطلحات في الجزائر كثيرة ولا يدرك كثيرون معانيها، بما فيها أولئك الذين أطلقوها، ثم إنّ الربط بين الأعمال والاصطلاحات غائب، ما حوّل الأمر برمته إلى نكتة، كحديث ممارسين عن البيو ميكانيك، الميلودراما، الكوميديا السوداء، العبث، اللامعقول، في وقت يتهموننا بإجراء أشياء لا علاقة لها بالمونودرام.
المطلوب التحول إلى اللا مألوف، وعدم الاجترار، والتأسيس لمدرسة تقوم على التجريب الدائم الذي هو قوام أب الفنون، والتجاوب مع ما يقتضيه الظرف ومتطلبات المحيط الاجتماعي العام.

bull; ألا تعتقدون أنّ هناك خزانا هائلا من هذه المراكحات لا تزال غائبة في الجزائر، على منوال الحقبة العثمانية؟
- بصراحة، تاريخ الجزائر لا نعرفه مائة بالمائة، فهل زمن الأتراك استعمار أم انتداب أم ماذا؟، سياسيا هو غير مفصول فيه ، تماما مثل الفن في الجزائر، وما قيل عن جورج الأبيض و(تأسيسه) للمسرح في الجزائر في عشرينيات القرن الماضي.

bull; من موقعكم كفنان، كيف تقاربون استمرار ثورات التغيير في العالم العربي؟
- الشعوب العربية تعيش أوضاعا سيئة، لكن الثورات المُشار إليها مُبالغ فيها كثيرا، وغالبيتها تمت وتتم بإيعاز القوى العظمى، ونحن لا نراها متأثرة ببعضها، ولو كانت كذلك لما لم تنشب ثورات في تونس والمغرب سنة 1988، أيام انفجار بركان الغضب في الجزائر.
quot;الهروب من الثعبان والسقوط في الأفعىquot;، هذا ما ينطبق على المصريين الذين تخلصوا من مبارك وصاروا تحت رحمة مجلس عسكري مهيمن.
أتحفظ على إطلاق اسم quot;ثوراتquot; على ما جرى في تونس ومصر وليبيا ويجري في سوريا واليمن، إذا نسمي تلك ثورات، فماذا نسمي الذي حصل في الجزائر قبل نصف قرن.
ما يحدث انتفاضات، وهي ليست سليمة من الأيادي الأجنبية، لأنّ القوى العظمى تسعى لتغيير بيادقها، وليس لي أمل كبير في قيام ديمقراطيات طالما أنّ الفعل الديمقراطي غير متوفر في الشخص العربي، فهل الاسلاميون يحتكمون إلى الديمقراطية، في مفهومهم هناك المبايعة ليس إلاّ.