لأني كائن شقيّ باللغة، فإني غالباً أجالدُها فتغلبني ولا أغلبها. ولأني كذلك، فقد استوقفني اسمُ العملية العسكرية التي نشاهد فصولَها تترى على أهالينا في القطاع.

اختار جهابذة العسكر الصهاينة لها اسم: quot;عامود هعنانquot;. وأنا استدعيت خبرة عشرين عاماً مع لسانهم، لأعرف معنى الكلمة، فلم أفلح!

عامود هعنان؟ ماذا تعني بحق جميع الشياطين هاتان الكلمتان المركّبتان؟ عامود الأولى، في العربية كذلك لها نفس المعنى: عامود. فماذا تعني هعنان؟ الشاهق؟ جوز الفضاء؟ الأعلى؟ والكلمتان مجتمعتان ماذا تعنيان؟ أهو مصطلح لا يخضع للقاموس؟ آه لو سلمان مصالحة أَرِق كعادته، في الرابعة من هذا الفجر البرشلوني، لاتصلت به وأعطيته خبزي. لكن صديقي نائم لا ريب، فضلاً عن أنّ رقم جوّاله ليس بحوزتي.

عامود هعنان؟ أول مرة أسمع باجتماع هاتين المفردتين.

صهاينة الكبينيت الواضحون جداً في عدوانهم الكلبي على غزة، صاروا غامضين مع اللغة! يا له من تقدم كبير في قدراتهم الإبداعية ـ حتى بعد هذا العمر. تقدّم ربما سيحوّلهم من جنرالات صغار، في الماضي والحاضر الأسوديْن، إلى متأدّبين صغار في المستقبل quot;الأبيضquot;. المهم: مَعدومُو الحسّ التاريخي ومُعدَمَوه أيضاً صاروا حاذقين في اللعب على اللغة وعلى المجاز وعلى بقية الخلطة.

ماذا أبقيتَ لأمثالنا مار بيبي؟

ماذا تركت لأمثالنا مار باراك؟

أتوقع لكما، بعزراة هشيم، مستقبلاً زاهراً في مجال الشعر السوريالي خاصةً، وفي مجال الرواية الدينية مفقودة الحبكة عامّةً. وإني لأبتهج، أيها الأدونان النخبادان، حين يذهب بي عقلي القاصر، وخيالي النشط (خصوصاً في هذا الفجر الطويل الذي بلا إِصباح) إلى تصوّر أنه بالإمكان( بعد هذه الجولة، وهذا العمر، وتلك القسوة الكئيبة، وتلكم الوحشية) أن تنهيا حياتكما بانضمامكما إلى نادي دادا أو مدرسة بريتون أو حتى إصطبل يوسف عغنون! ولا تنسيا أن تأخذا في الطريق زعيم دبلوماسيتكم وحارس بارات غيركم الأدون ليبرمان كذلك. فهذا المسعى (أعني التحوّل من جنرالات صغار إلى متأدّبين صغار يشتغلون على اللغة) أرحم ألف مرة على أهلي هناك مما تقترفونه بحقهم من حروب إبادة على دفعات.

أخيراً أختم بعبارة كان يجب أن تفتتح المقال، ولكنها تأخّرت بسبب إغلاق المعابر، وبسبب التربية معاً:

quot;ملعون دينكمquot;.

... دينكم الذي منه تستقون المصطلحات وتستلهمون التسميات.

والمعذرة من القرّاء!