شوقي مسلماني: quot;دارتِ الرأسُ بين البياض والجنونquot; وquot;إلى القلب الذي يسمعُني ويفهمُ معنى صمتيquot;. على هذا النحوِ يتكلّمُ الإعلاميُّ والشاعرُ عبّاس علي مراد في باكورة أعماله الشعريّة quot;وا حقيقة، إنّنا غرباءquot; حيث على نهجٍ اختطَّه شعراء قَرَنَ المكان ـ الأرض ـ الوطن بالحبيبة، فأنّث وأنشد وناجى وهفا قلبُه واشتاق كثيراً، حيث يقول: quot;أناديكِ تعاليquot; ويسمّيها يا quot;صاحبة العطر الملكيquot; ويعظّمها quot;أنت للعزّquot;. فالحبيبةُ هنا هي عيترون، بلدتُه الجنوبيّةُ اللبنانيّة التي طالما عانت من إهمال الدولة، وطالما عانت من الإعتداءات الإسرائيليّة، وطالما تصدّت، وغنّاها الفنّانُ مارسيل خليفة. والحبيبةُ هي جبلُ عامل ـ جنوبُ لبنان شريكُ فلسطين في المعاناة والأسى الطويلين. وهي العاصمة بيروت، يقول لها: quot;نحن بانتظار بريدكquot;. وهي فلسطينُ أو quot;لحنُ الريح والشجرquot; فلسطين التي يَسفُك فيها quot;رُسُلُ الموتquot; دمَ أهلها ويهجّرونهم ويستوطنونها. وهي أستراليا التي ضمّدتِ الجراح وأحسنتِ الوفادة.
والواقعُ هو أن مجموعةَ quot;quot;وا حقيقة، إنّنا غرباءquot; هي سيرةُ مشاعر شاعرٍ مهاجر من الوطن الأوّل لبنان إلى الوطن الثاني أستراليا حبّاً غضباً سخطاً حنيناً تودّداً تألّماً تعباً وتأسّفاً. وإذا المضمون يفرض الشكل فالسرد النابع من القلب يأخذ مداه، وبسلاسةِ لغةٍ تكشفُ قسوةَ العالم وما تصنعه الحروب بالأوطان بشراً شجراً حجراً وكائنات حيث quot;الجمالُ يُحال إلى رمادquot; أو تُطفأ المشاعل وتبدأ دروبُ التيه والحياة في الإغتراب الذي لا ينتهي، والوقودُ أيضاً هو صِراع الهُويّة، فمن هو الشاعر؟ هل هو لبناني أم هو أسترالي؟ هل هو عربي أم هو أنكلوسكسوني؟ أم هو الكلّ معاً؟ أليس بسببٍ من هذا الصراع يستسمح الشاعر أستراليا إذْ يُكثر من مناجاة لبنان والحنين إلى المنشأ الأوّل والتراب الأوّل؟. نعم quot;عفوكِ أسترالياquot; يقول عبّاس، وأيضاً quot;عفوكِ أيّتها الغيورةquot; وكم سنحبّ هذه الصفةَ لأستراليا عندما نكتشف أنّها ليست سوى انعكاس لحقيقةِ تملّك أستراليا من قلب الشاعر حتى تقاسمتْه مع الوطن الأمّ لبنان وربّما زادت برضى الشاعرِ عن حقّ.
عبّاس علي مراد هاجر إلى أستراليا منذ أكثر من عقدين، عمل ويعمل على صناعة ذاته، أفكاره جريئة وأحلامه نبيلة، يكره العنصريّة والطائفيّة والظلم بإطلاق، وكلّما عصف به التشاؤم اعتصم بالألم، ألا يقولُ أن الأعياد تمرّ حزينةً ولكنّها في كلّ عام لا تخطئ مواعيدها علّنا نعيد إليها ألقَها في الفرح، في المحبّة وفي الحب؟.
quot;وا حقيقة، إنّنا غرباءquot; مجموعة عباس علي مراد التي تزيّن غلافَها لوحةٌ معبِّرة للفنّان إبراهيم منصور هي للمكتبة اللبنانيّة العربيّة الأستراليّة كي تكون بحقّ أيضاً على ما يذهب الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت: quot;أجمل الأيّام تلك التي لم تأت بعدquot;.
[email protected]