يوسف يلدا ndash; سيدني: توفي الشاعر وكاتب سيناريو أفلام فلليني، ودي سيكا، وأنجلوبولوس، يوم الأربعاء الماضي، عن عمر يناهز 92 عاماً.
الشعراء الذين يتعاملون مع السينما عددهم قليل. ونادراً ما يبرز إسم هنا وهناك. وعندما يطرقون أبوابها، قد لا ينالون إعتراف الآخرين بنتاجاتهم. تونينو غويرا (1920 ndash; 2012، سانتاركانجيلو دي روماجنا)، كان شاعراً. يشاء القدر أن يترك تونينو غويرا هذا العالم في quot;يوم الشعر العالميquot;. أو في أول أيام فصل الربيع. أو مرور شهرين فقط على وفاة صديقه العزيز ثيو أنجلوبولوس، الذي كتب غويرا سيناريو آخر أفلامه quot;ذا داست أوف تايمquot;.
من خلال أشعاره، التي كان يكتبها بالرومانيولو (لغة رومانسية يتحدث بها في إميليا رومانيا في إيطاليا)، التي قال إيتالو كالفينو عنها أن الناس، في غضون 100 عام، سوف يتعلمون الرومانيولو كي يكون بمقدورهم قراءة أشعاره باللغة الأصلية، أو من خلال أعماله المسرحية، أو لوحاته، وبطبيعة الحال، السيناريوهات التي كتبها للسينما، إعتمد تونينو غويرا، في أحايين كثيرة، على أشخاص حقيقيين ممن يبحثون عن مسارهم، حيث شغلت تجارب الحرب مكاناً بارزاً في حياته، كما لو كانت هاجسه الكبير.
في لقاء أجرته معه مجلة quot;لا داما دوينديquot; التي تعنى بالشعر، قال غويرا: quot;الرجل على إستعداد لتدمير كل شئ. أنه حيوان غير مسالم، مخلوق ضخم يستعرض عضلاته من خلال تدمير كل ما يحيط بهquot;.

غويرا مع فلليني

لم يتوقف تونينو غويرا عن العمل حتى أخر رمق من حياته في قرية quot; سانتاركانجيلو دي روماجنا، القريبة من ريمينيquot;، منذ الخمسينات من القرن الماضي في أطراف روما، أو منذ عودته الى جبال quot;فالماريسياquot;، الوادي الذي ترعرع بين أحضانه.
يعد غويرا من أبرز الفنانين الكبار، في الأوساط الأدبية والسينمائية في إيطاليا، حيث أسست قصصه القاعدة التي إنطلقت منها ثورات السينما المعاصرة التي بدأت من إيطاليا، عندما كانت السينما في أوج تألقها، الأمر الذي زرع الغيرة في نفوس العديد من السينمائيين في بقية أنحاء العالم، الذين راحوا يقلدونها في ما أدخلته، في صناعة السينما، من أفكار وأساليب جديدة، بتفجير دواخل الإنسان ما بعد الحرب العالمية الثانية. وإستطاع من خلال السيناريوهات التي كان يكتبها، رواية تأريخ الواقعية الجديدة، والسينما الأوروبية الحديثة.
ولكن، ما هي الأشرطة الفلمية العالمية الأخرى التي تربط شاعرية فرانسيسكو روسي، وفيديريكو فيلليني، ومايكل أنجلو أنطونيوني، والأخوة تافياني، وثيو أنجلوبولوس ببعض؟
من المؤكد أن يكون من بين أبرز هذه الأشرطة الفلمية quot;آماركورد ndash; 1974quot; لفيديريكو فلليني، القريب من السيرة الذاتية، والذي حلّق بنا الى سني المراهقة. وكان كتب فلليني سيناريو فيلمه هذا، الذي ترشح لجائزة أوسكار أفضل سيناريو، بالإشتراك مع تونينو غويرا. كان لقاء فلليني وغويرا، في ذلك الحين، مناسباً جداً، فقد ولدا في ذات العام 1920، وفي ذات المكان quot;ريمينيquot;. ومن ثم عادا من جديد في فيلمين آخرين هما quot;إي لا نافه فا ndash; 1983quot;، وquot;جينجر إي فريد ndash; 1985quot;، أنجزهما فلليني في مراحل حياته الأخيرة، وكلا الفيلمين رسما صورة قاتمة لنهاية السينما.
ولكن قبل أول تعاون بينه وبين فلليني في فيلم quot;آماركوردquot;، كان غويرا قد إستحوذ على لقب أفضل كاتب سيناريو، حيث قوبل بالإعجاب من قبل كافة الأوساط السينمائية

غويرا مع المخرج اليوناني ثيو انجلوبولوس

الدولية. وكل الفضل يعود الى مايكل أنجلو أنطونيوني. إذ أن جميع أفلام السينمائي الإيطالي التي أخرجها في أعوام الستينات، والتي رفعت من شأنه في عالم الفن السابع، كتب تونينو غويرا السيناريو لها، أفلام مثل quot;ذا أدفينجر- 1960quot;، وquot;ذا نايت ndash; 1961quot;، وquot;إيكليبس ndash; 1962quot;، إضافة الى quot;ريد ديزرت ndash; 1964quot;، وquot;بلو آب ndash; 1967quot;، وquot;زابرسكي بوينت ndash; 1970quot;. هذه الباقة من روائع الأفلام هي في الواقع المرحلة الأولى لغويرا ككاتب سيناريو، تحمل بين ثناياها قضايا فكرية وسياسية، و تعد شاهدة، في الوقت ذاته، على كيفية إنصهار أساليب سينمائية حديثة في تشكيلة مثالية، من الشاعرية اليائسة للإنسان المعاصر.
وفي أعوام السبعينات، على أثر إيقاف تعاونه مع فيتوريو دي سيكا quot;إي جيراصول ndash; 1970quot;، و ماريو مونيسيلي quot;كارو مايكل ndash; 1976quot;، مد غويرا جسور علاقة تعاون متينة مع فرانسيسكو روسي، الذي كتب سيناريو مجموعة من أفلامه، مثل quot;إل كاسو ماتي ndash; 1972quot;، وquot;لاكي لوسيانو ndash; 1973quot;، وquot;كادافيري إكسيلينتي ndash; 1976quot;، وquot;كرايست ستوبت آت إيبولي ndash; 1979quot;، وغيرها من الأفلام.
وبعد أن ذاع صيته كأشهر كاتب سيناريو في السينما الإيطالية والعالمية، شاء أن يعرض خدماته في هذا المجال للأخوة باولو وفيتوريو تافياني، وذلك من خلال العديد من الأعمال السينمائية، مثل quot;ذا نايت أوف سان لورينزو ndash; 1982quot;، وquot;غود مورننغ بابيلونيا ndash; 1987quot;، وquot;إل صول أنتي دي نوته ndash; 1990quot;، وغيرها. وتعاون تونينو غويرا أيضاً مع آندريه تاركوفسكي، عندما طلب منه الأخير ذلك في فيلمه الخالد quot;نوستالجيا ndash; 1983quot;. وإستمر في عمله الى جانب روسي حتى فيلمه الأخير quot;ذا تراس ndash; 1997quot;، وبضمنها إقتباسه لرواية غابرييل غارسيا ماركيزquot;قصة موت معلن ndash; 1987quot;، ومن ثم لقائه، في أوائل الثمانينات، بشريك جديد هو المخرج اليوناني ثيو أنجلوبولوس، الذي إستمر في التعاون معه على مدى ثلاثة عقود، وأنجز العديد من الأشرطة الفلمية بمعيته، مثل quot;فوج تو سيثيرا- 1984quot;، وquot;ذا بيكيبر ndash; 1986quot;، وquot;لانسكب إن ذا ميست ndash; 1988quot;، وquot;يوليسيس غيز ndash; 1995quot;، وquot;إيتيرنتي أند آ داي ndash; 1998quot;.
يقول تونينو غويرا: quot;أن الوسيلة الوحيدة للتغلب على الموت تكمن في المكوث طويلا في ذاكرة الآخرين. وأعتقد أن كل ما كتبته، وقمت به في هذه الحياة، لم يتعد ذلكquot;.
لقد كانت الأفكار التي نقلها غويرا الى الورق بمثابة قصائد عظيمة، قام كبار المخرجين بتجسيدها في أشرطة سينمائية خالدة، أدخلت المتعة الى نفوسنا.
[email protected]