ترجمة عبد الرحمن الماجدي

ولدت الشاعرة Kristiina Ehin في مدينة رابلا وسط إستونيا عام 1977. درست الفولكلور الاستوني في جامعة تارتو وحصلت على الماجستير عام 2004. نشرت عدداً من الكتب الشعرية والقصص القصيرة وقد نالت جوائز أدبية في استونيا.
كتابها quot;طبول الصمتquot; فاز جائزة جمعية الشعر الاوربية عام 2007. حقق لها هذا الفوز شهرة داخل أوربا وتداولا لكتبها المترجمة للغة الانكليزية مثل كتاب quot;إشعال الظلامquot; عام 2009، وquot;عش لايقدر بثمنquot; قصص قصيرة-عام 2009، و quot; رائحة ظلكquot; 2010.
ساهم زميلها المترجم والشاعر Ilmar Lehtpere بإشهار نتاجها الأدبي الشعري والقصصي خارج إستونيا من خلال ترجمته لمعظم كتبها الشعرية والقصصية، حيث ترجمت نصوصها الى 13 لغة.
هنا ترجمة لنصوص مختارة لها الى اللغة العربية.

وُلد طفلي و بيده هاتف نقال.
لم نكن قادرَين على التواصل بأي طريقة أخرى.
أنا إمرأة عقلانية،
لا أؤمن بنظرية خفقات القلب،
دفقة من الدم تثرثر في الألسنة.
أنا امرأة مثقفة- لا أؤمن بقراءة العقل،
أو الطالع.
ولد طفلي بالكيمياء البيلوجية
المؤكدة علمياً.

وُلد طفلي وبيده هاتف نقّال،
رنّ لي،
فأخبرته أن يخرج رأسه أولاً.
سيدرس لغةً رصينةً عبر الهاتف.
أردته أن يباشر التفكير فوراً،
لا نضيع وقتنا الثمين- أشهراً مني ومنه،
بترميش العيون ومص الابهام.
أردته أن يتحسس مبكراً جداً،
ماتحت قدميه،
المذاقَ الحلوَ نحو الطريق العملي،
ولن نضيع وقتاً ثميناً لأشهرٍ
مني ومنه لكن..

وُلد طفلي في منتصف الليلِ،
بلا حراكٍ
كان يفتقدُ شيئاً ما
شيئاً لايمكن تفسيره.

كان الهاتفُ في يديه الصغيرتين
يومضُ بضوءٍ أحمرَ مثلَ فنارٍ.
ها قد حطمناه على الصخور.

***

ذهبتَ تبحثُ عن عينيكَ
في أنهار سيبيريا العميقة.
غابات التندرا تغنّي لروحك العارية.
الغابات أسكتتْ عينيك بنعومة الطحلبِ.
بأصابعك خدشتَ
قرونَ عجولِ الرنة المولودة خلسةً.

ألهذا
تعرفُ كيف تملسُ
روحي بسهولةٍ
دون أن تغرقَ في البحر الاسطوري لعيني الحالمتين؟

أنت تشربُ دماً حارّاً
من عنقِ الاضحيةِ.
لم تتحدث لأحد شهوراً عديدة،
سوى للأشجار والطيور المغرّدة.

ألهذا
يمكنك مراقبتي باهتمامٍ في المقهى،
بالطريقة التي تودّ النظرَ بها
للغيوم الحمراء المشتعلةِ في المساء؟

كنتَ تنامُ على بعد ثلاثمائة ميلٍ
عن أقرب بلدة،
بين تلّين من الثلج،
وحيداً.
قدماك تنزفان،
ونارك مطفئة.

ألهذا
أنت داكنٌ وبعيدٌ
مثل الليل؟

***

حين نموت نذهبُ الى أرض الموتى
دون تفكير- نعلم أين نذهب.
نرى ما وراء عيوننا،
وما في روافد قلوبنا.

بعد شتاء طويلٍ طويلٍ
راحاتُ أقدامنا ملساءُ مثل جلدِ الجفن.
في الربيع، في الربيع نهبطُ بأناقةٍ على السلالم،
ثم نمضي طويلاً على الحجارة المرصوفة،
متالمين قليلاً حين المشي.

يومٌ ساخنٌ ساخنٌ،
بين براثن صباحٍ مغمورٍ بالندى وليلٍ باردٍ،
أنفاسك تبللني، وتجففني.

طيورٌ طيورٌ،
طيورٌ فوقَ الأنهارِ فوقَ المقابرِ،
طيورٌ فوقَ المنصّات والسلالمِ الحجرية،
طيورٌ فوقَ الجُزر وأعالي الأشجار وفوقَ المروجِ،
طيورٌ طيورٌ
تغردُ.

***

فراشتان بيضاوان تحومان حولي
وتصطدمان.
نورسان يُحلّقان أقربَ مما مضى،
لكنهما لا يقدران، ولن يقدرا
على الوصول لبعضهما.
أغرسُ وروداً متسلّقةً في قمعٍ،
أشجارَ تفاحٍ في كوبِ شايٍ.
المدينة تسقطُ في الصمتِ فجأة.
ذهبكَ فضتي
جسدكَ خوفي
نأكلُ الليل
نشربُ النهر
بلادنا مليئة ببركٍ وحشية مطعاءة،
ومستفقعاتٍ بريئةٍ شاسعة.
سعادة مختلطة مع الخطيئة،
من جيلٍ الى جيلٍ،
لانقدر على فعل شئٍ دون
شخصٍ آخر
شخصين
ثلاثةَ.
الشباب يمضي،
وتبقى ظلالٌ زرقاء مع قدوم المساء
متسللاً تحت الشجيرات،
الشمس تبقى مبكرةً في الصباح،
لتزحفَ على حافة الجرف،
غيومٌ زرقاء لما تزل ثلجية
في السماء البيضاء،
القمر الفاحم
في الليل الهندبائي الأصفر،
وفراشتان بيضاوان،
تحومان مرفرتين وتصطدمان.

***

الصمتُ التامُّ برحَ مكان الضوضاء.
لقد محونا المستقبل من عقولنا.
لم نعدْ نعلمُ حتى من سنكون.
فجأة كان بلوزك بين يدي،
كنتَ أنت فيه،
وعيناك
تضحكان بألمٍ.
فجأة يقذفُ شابٌ سكيناً في ذراعي،
كنتُ أرغبُ أن أكون الهدفَ،
حين أردتُ تجربتها مرة أخرى،
بمئة سكينٍ
أصبتُ الاريكةَ،
كم كنت مفعمةً، وكنا نغني من السعادة.

***

أنا أمنح البدء مرتعشةً
حين تأتي عيونك الداكنة لتستند عليّ.
منذ متى وأنا أضع إكليلاً من أشعة الشمس على رأسي؟
لم أعد أتذكر أي شيءٍ.
الريحُ ترنّحُ إكليلَ المروجِ،
وأشجار الحياة،
وازهار الفاونيا.
الفراشةُ البيضاءُ تحطّ على صَدَفةٍ، مفتوحةٍ، أكثر بياضاً،
أغلقها وأخفيها في قلبي،
إنها حرّةٌ وبيضاء فيّ، حينَ تتجمع الظلال،
وعيونك الداكنة تأتي لتستند عليّ.

***

تحتَ الطريقِ
ثمة ربيعٌ.
عمقياً في أديم الأرضِ،
تثرثرُ المياه الجوفية.
تحتَ الطريقِ،
ثمّة دربُ زلاّجةٍ قديمٌ،
أخاديدُ عجلاتِ عربةٍ تجرّها الخيولُ،
أخاديدُ عربةٍ تجرّها العجولُ.
تحتَ الطريقِ،
ثمّة ميدانٌ لقطع الاشلاء والحرق
في قريةٍ قديمة،
موقدُ شعلة يوحنا المعمدان،
حَجرُ الأضحية تدحرج ملءَ الطريق.
تحتَ الطريقِ،
ثمّة طريقُ كنيسةٍ،
صوتُ مزاميرَ موكبِ زفافٍ،
ليس بعيداً جداً،
أتسمعه؟
تحتَ الطريق،
ثمّة هيكلٌ عظميٌّ لذئبٍ،
تلتمعُ في أسنانهِ
قطعةٌ غزل حمراء
لتنورةٍ مخططةٍ من قريةٍ مجاورةٍ.
تحت الطريق،
الوقت يمرُّ،
فوقَ الطريق مذياعٌ يصدحُ كي يمرّ الوقتُ،
تنجرفُ غيومٌ هوائية،
بعد لحظاتٍ،
إنه المصيرُ،
الشمسُ تهبطُ
في ليلٍ باردٍ ومظلمٍ،
المصابيحُ تقودنا للمستقبل.

***

ألتقط نفسي للحظة
1
روحُ الله تتنقلُ
على صفحة المياه،
العبارةُ سوبرستار تشقُّ عباب خليج فنلندا،
مثلَ مصفحةٍ عملاقةٍ.
ضبابٌ كثيفٌ،
عمقٌ يفوقُ الخيالَ،
بجانب هذا النورس،
نبدو موغلين في السواد،
في هذا الصباح المشرقِ،
ننامُ وسطَ الضباب.
سقطت ريشةٌ من جناحيه،
وضوحُكَ يلمح
ضبابيَ الغامضَ،
جلدٌ مقابلَ جلدٍ
حبٌّ مقابل معاناةٍ

2
أتوقُ إليكَ،
ألتقط نفسي بلحظةٍ.
هذا اليوم يخرجُ مثلَ لهبٍ كبريتي.
أحيط بكَ مثلَ ليلِ البحرِ.
أنت تيارٌ، بداخلي، هائلٌ،
تجلبُ رؤىً مجهولةً.
يحركني
قطراتُ ماءٍ لا تعدّ ولاتحصى،
وأمكنةٌ نادرةٌ كثيرة.
مازلتُ بلا حولٍ ولا قوةٍ على حمل الألفة،
بحريَ يُغرقُ كلَّ السفنِ المالوفة المحببة.
أنا خطيرة مثلكَ
أنا لست خطيرة،
حين لا أعلمُ
ماذا سيحدثُ.
إبقَ إبقَ،
الجليد لم يذبْ بعد،
لندهبَ للسباحة في بعضنا بعضاً حتى نهاية نوفمبر،
في البرد القارس،
شفاهنا تلتقي،
فوق الماء المتبخّر،
فوق مسحةٍ من الجليد.