بغداد: اكدت الفنانة التشكيلية العراقية لمياء حسين ان الشعر لديها لوحة ثانية مثلما اللوحة لديها قصيدة اخرى، والاثنان تحاول ان تبدع فيهما لانهما يمتلكان القيمة نفسها في ذاتها، مشيرة في ذلك الى سعادتها الكبيرة بحصولها على المركز الثالث مناصفة مع شاعرة جزائرية ضمن مسابقة نازك الملائكة الابداعية، عن قصيدتها التي تحمل عنوان (حنف)، وأوضحت لمياء.. ان للوحة قدرة في الدفاع عن المرأة، موضحة ان المرأة بغريزتها تفهم معنى الرسم وتعرف التفاصيل فيه، مشيرة الى ان الفنانة التشكيلية العراقية ما زالت تصارع من اجل نيل حقوقها في الحرية لان المجتمع العراقي ذكوري تسلطي، مؤكدة ايضا ان الفن التشكيلي العراقي بدأ يستعيد عافيته وينهض من السبات الذي عاش فيه خلال السنوات الماضية.

* لاسألك اولا عن فوزك الذي كان بجائزة شعرية وانت فنانة تشكيلية كما هو معروف عنك، كيف تعبرين عن هذا؟
- كان يعجبني جدا ان اشارك في مسابقة جائزة نازك الملائكة الابداعية النسوية، وشاركت بقصيدة معبرة عن ذاتي ووجداني، فكنت من الفائزات بالجائزة الثالثة بالشعر، وبالطبع كوني معروفة كفنانة تشكيلية فقد فرحت جدا لفوزي بجائزة شعرية،وهذه الجائزة اضافت لي سعادة اخرى بحيث كنت في باديء الامر ارغب ان اشارك بالمسابقة التي تحمل اسم شاعرة كبيرة، ومن ثم اصبحت فائزة ,هذا الفوز اسعدني جدا خاصة ان الاديبات المشاركات في الجائزة كثيرات ومميزات، وفوزي اعطاني فرحا يحمل معنى ان ما اكتبه قد لفت انتباه الاخرين فأختاروا قصيدتي لتكون مميزة.
* ما الذي يمثله الشعر لك ازاء الرسم؟
- انا اكتب الشعر مع الرسم، مع اللوحة، فالشعر بالنسبة لي لوحة اخرى، لوحة كتابية بالاضافة الى اللوحة اللونية، واذن عندي لوحتان لا افصلهما عن بعض، فالكتابة بالنسبة لي ابداع اخر، واعتبرها مهمة جدا لي، فالاثنان أحاول ان أبدع فيهما لانهما يمتلكان القيمة نفسها في ذاتي.

* الى اي المدارس الفنية تنتمي اعمالك؟
- اولا اريد ان اوضح انني استخدم السكين في الرسم ونادرا ما استخدم الفرشاة، اما اسلوبي الذي تنتمي اليه اعمالي فهو التعبيري الواقعي مع بعض، اي انني امزج ما بين المدرستين الواقعية والتعبيرية، فأنا اشعر بالحرية اكثر بهذا، فأنا استطيع ان اعبّر عن كل الاشياء في داخلي وفضاءاتي،فهي بمثابة البوح الدائم.

* كيف نجد المرأة في لوحاتك؟
- كل رسوماتي تتناول المرأة على اختلاف معاناتها، ولا تخلو لوحة لي منها والدفاع عنها.
* هل يمكن ان تدافع لوحة عن المرأة فعلا، ام مجرد رسم ساكن؟
- بالتأكيد.. بامكان اللوحة ان تدافع عن المرأة، خاصة انها تطرح كل معاناتها الانسانية، وان تبدو المرأة ضمن واقعها في تقوقع او عزلة تامة، ولكن انا ارى ان المرأة قوية، فهي في اعمق حالات ضعفها قوية، فلا بد للاخرين ان يفهموا ما في اللوحة وما تعنيه، واعتقد ان الكثير من اللوحات كان لها تأثير في الاخر.

* كيف يمكن لك ان تجعلي المرأة البسيطة قادرة على فهم لوحتك؟
- ليس هذا صعبا، واعتقد ان اي امرأة بامكانها ان تفهم معنى اللوحة بالغريزة، فبالفطرة التي تمتلكها المرأة يمكنها ان تعي معنى بوح اللوحة، البوح الذي بالمقابل هو يتحدث مع المرأة من خلال الدلالات الموجودة، لذلك هي تفهمها بسهولة لمجرد ان تتأمل ما فيها.
* اي الالوان..اقرب الى نفسك؟
- استخدم الالوان حسب الموضوع الذي اطرحه، ولكن الالوان التي تجذبني اليها اكثر هي الالوان الترابية، وكذلك البنفسجيات الواقعية اكثر من غير الواقعية، فالترابيات تمثل الارض والشجر وكل رمز تلاحظ فيه تداخل المرأة، اي جذور وأي رمز وأية تربة وورقة اشجار، كلها اراها تخص المرأة.
* هل ترين ان الفنانة التشكيلية العراقية نالت حقها من حرية التعبير؟
- في مجتمعنا بالطبع.. لا، لم تنل حريتها كاملة، وأن ما زالت تصارع من اجل تحقيق هذا الهدف، فأنها في حقيقة الامر.. لن تناله ابدا ومطلقا، فالمرأة ما زالت وستبقى معاناتها قائمة في كل مجالات الحياة، فمجتمعنا العراقي ذكوري تسلطي هذه نقطة اولى، وثانيا ليست لها فسحة من حرية التعبير من الممكن ان تنفس عن همومها، وليست لديها من باب تدخل منه لطرح موضوعها الازلي، فالابواب موصدة امامها بالتسلط الذكوري.

* هل هذا يعني انك واجهت صعوبات..شخصيا؟
- لست انا فقط من واجهت وتواجه الصعوبات، بل كل النساء العراقيات وقبلهن الفنانات، وهذه الصعوبات كثيرة جدا، فمجتمعنا مغلق وما زال مغلقا.
* هناك خطوط حمر لايمكن للمرأة تجاوزها، هل بقيت دون تجاوزها فعلا؟
- الكثير من اعمال التي تخص المرأة طرحت فيها الكثير من المواضيع التي يمكن اعتبارها تجاوزا للخطوط الحمر، وواجهت بسببها حوارات عنيفة مع الرجل دافعت فيها عن جرأتي وافكاري،كانت هنالك عدة اعمال في عدة معارض قد اثارت البعض الذي يرى انها اعمال ضد الرجل، بينما هي في حقيقتها ليست ضده، ولكنها تعلن بثبات ان المرأة موجودة، فأنا لم ارسم لوحة ضد الرجل، بقدر ما ارى ان من الصحيح على الرجل ان يكون مع المرأة، وان تكون المرأة مع الرجل، فالمرأة هي التي حملت الرجل الى غير ذلك من التفاصيل، ولكن احيانا نلاحظ هجومات غير منطقية ضد المرأة.

* لماذا عدد الفنانات التشكيليات قليل قياسا للفنانين؟
- اولا.. لان مجتمعنا لا يحب الفنون بصورة عامة، وثانيا.. ان المرأة دائما.. تتخوف من دخول هذه المجالات، واعتقد ان المرأة في مجتمعنا في اغلب الاحيان تكون (تابعا)، تابعة للرجل ولافكاره ايضا ولعبوديته كذلك، ومن هنا تجدها لا تستطيع ان تعبر عن رأيها الا بقبوله.
* وهل يمكن للرجل ان يسيطر على افكار المرأة في الرسم؟
- المرأة التشكيلية ذهنها يكون اكثر تفتحا، ولا يمكن ان تكون اي سلطة للرجل على اعمالها.
* كيف تجدين نتاجات الفنانات التشكيليات حاليا؟
- الان في تطور جدا، افضل بكثير من السابق وفي انفتاح فكري وثقافي واضح جدا، ولوني ايضا.
* ما زال البعض حين يشاهد لوحة مميزة لرسامة يقول لها من رسمها لك، لماذا؟
- يقال هذا الكلام.زمن المحتمل بسبب قوة طرح الموضوع او القوة اللونية، ثم ان الفكرة السائدة هي ان المرأة اعمالها تكون زخرفية اكثر او تتحدث عن الزهور ا وان مواضيعها محدودة.
* هل تأثرت بفنانة تشكيلية معينة؟
-لا.. لم اتأثر، ولكن كما تعلم ان فنانينا السابقين هم جذورنا اصلا، وهناك خزين من جميع الفنانين العراقيين والفنانات العراقيات، فهذا الخزين موجود فينا ولا علاقة له بالتأثر، انا اسلوبي خاص بي، لانني انا من اخترعته واشتغلت عليه وطورته، اسلوبي ذاتي وليس تقليديا او مقتبسا، ولكن بالطبع هناك تأثيرات من مجتمعنا وتراثنا، وكل الاشياء التي ندرسها هي موجودة في اذهاننا، اي انها مخزونة اصلا.

* هل سبق ل كان رسمت لوحة وندمت عليها؟
- لا اتذكر..، ولكن هناك دائما وفي كل لحظة من لحظات الرسم..يكون الموضوع في تطور، مثلما هناك تطور ذهني لدى الانسان في كل لحظة، وحتى في الكون هناك تغيير في كل ثانية، وفي كل جزء من الوقت، لذلك فمهما وصلت الى درجة في رسم اللوحة لا اعتبرها كاملة، والى حد لحظة عرضها لا اعتبرها كاملة، وفي كل لحظة انا في صراع مع الموضوع ومع اللون، وفي صراع مع اللوحة ذاتها، ادخل فيها واخرج منها، او احيانا هي داخلي او انا داخلها.
* كم يستغرق عندك من الوقت رسم اللوحة؟
- حسب الشغل على اللوحة، ولا يمكن تحديد الوقت، لان اللوحة في الاصل موجودة في ذهني ولكنها..تنضج، يعني عندما افرزها على القماش ليست مشكلة، بل ان مرحلة الخزن في الذهن هي المرحلة الاصعب التي تمثل المخاض الحقيقي، فاللوحة كلها عبارة عن مخاض الى ان تكتمل.
* كيف تجدين واقع الفن التشكيلي في العراق بشكل عام؟
- بدأ يسترجع صحته وعافيته بعد ان مر بأزمة، ازمة مؤلمة جدا، بحيث ان الوضع كان في فوضى، لكن الان تغير الحال واستعاد عافيته وان شاء الله يكون دائما في افضل حال، والدليل على هذا ان قاعات العرض كثرت والمعارض كثيرة، ودائما هناك مشاركات حتى خارج العراق، احيانا نجد معارضا على مدار الشهر.
* هل تشعرين ان الفنان التشكيلي مميز عن سواه؟
اكيد.. اكيد، فقد صارع كل الصعوبات، وهو فنان حقيقي تجاوز مرحلة صعبة وتجاوز الازمات، فكان دائما ينهض من جديد.

* اي طموحات ما زالت في داخلك وتسعين لتحقيقها؟
- كثيرة هي الطموحات التي لم تزل غير متحققة، اتمنى ان يأخذ الفن التشكيلي في العراق مداه الاكبر، بحيث اتمنى ان يكون التشكيل في كل زوايا الحياة ومجالاتها، ليس التشكيل فقط وانما الفن بصورة عامة، لان الفن واجهة البلد وهو ظاهرة جميلة جدا، فهي ترمز للحياة وللجمال.
* اي شيء ما زال يعتمل في صدرك ولم تقوليه؟
- اريد ان اقول بصوت عال : كفى للقتل، قتل وتشويه الحياة بكل مجالاتها، اتمنى ان لا تشوه الحياة بهذه الصورة البشعة.
يذكر ان الفنانة لمياء حسين من مواليد بغداد لكنها تعيش في السليمانية حاليا، بدأت رحلتها مع الرسم عام 1993 قبل أن تتخرج من معهد الفنون الجميلة ببغداد، عام 1998، وسبق لها ان اقامت معارض شخصية وشاركت في معارض مشتركة عديدة، وشاركت مؤخرا في اربعة معارض مشتركة في السليمانية واربيل ودهوك، الاولى في معرض المرأة ضد العنف، والثانية في معرض نسوي لـ 75 فنانة تشكيلية، والثالثة في معرض دائرة التشكيليين الكرد، والرابعة في معرض ضم لوحات لـ 80 فنانا وفنانة.