بذخ
أنت أيتها العزلة: هبيني سقفاً فوق رأسي. سريراً تحت جسمي. وبينهما لمبة. لأشرع في مديح بذخك.

تعالٍ
quot;لم يحدث قط أن حدث معي شيء ذو بالquot;. يقول وأصفه فوراً بالملفّق التاريخي. ولا أكتفي بهذا، بل تصل المسألة لطبقات الشعور: كلما رأيته أصابني عدم الارتياح. إنه أمرؤ يتعالى على بشريّته. من يظنّ نفسه؟ حتى الأنبياء كانوا يصابون بالإسهال والسعال، وأحياناً يشتهون عِرق بقدونس أو عَرق طفلة.
فتنة
مشغوف بفن تجليد الكتب. تراث اليد النبيل. ابن الشمعة والصمت وظلال الحيطان.
نعيم
في شتائكَ القارس، تغبط كتبك المجلّدة.
خجل
ما إن تجلس معهم، هؤلاء الإستحواذيّون، حتى تخجل من احتقارك للعَلَقة.
دين
مع الروس، رأيتَ كيف تتحوّل الفودكا من مشروب كحولي إلى دين شعبوي.
صقيع
تتعاطف مع أصابعك، تعاطفك مع ساكني الأطراف. كلاهما يحمل صليبه وصليب غيره. كلاهما فدائي.
انتظار
تجلس وتنتظر: متى ينبثق برعم من قدم التمثال؟
أسباب
... ومن أسباب عدم وجوده أيضاً، وجود جورج بوش الابن في البيت الأبيض. وجود فلاديمير بوتين في الكرملين. وجود الأسد الابن في الغابة المحترقة.
نسيان
خلسة في الضحى .. ثم تقف. ما الذي كنت ستكتبه بعد تلك الجملة؟
الدكتاتورية
بلوى على الناس. وبالٌ على المعمار. بول عطن في غرفة الضيوف. ولا ينفع معها اللعبُ على أي كلمة.
تاريخ
وددت لو كنت شجرة، ولم تتحقق. حماراً ولم يحصل. الآن تودّ لو لا تودّ شيئاً. وتعرف أنها الأمنية الأصعب.
فجر
عساها هذه المرة تظبط. ذاهب للفراش وفي نيّتك إنهاء اللعبة.
ثقة
تهجر برشلونة بكل وعودها، وتنكبّ على الكتابة. طوعَ حواسّكَ مدينة بهذا الرونق، ولم تزل تمارس عادتك، كأنّك ستموت غداً. يا أخي! قليل من الثقة بهذا العالم.
خسران
لمن يتاجرون في القرى بالبيض. لمن يقامرون في البورصة. لمن يعلّقون آمالهم على ربٍ أو ابنٍ أو خشبة. لكنه ليس لك. أنت بالكلمة تدفّأت وتعزّيت. بالكلمة ميّزت عَرَضاً عن الجوهريّ. بها عرفت، وبها اكتفيت. في رحلةٍ كلّ رابحيها فانونَ وقبضُ ريح، خسرانُك هو مكسبك الوحيد. ليس لك. ليس لمن يغمس قلماً في ذلك الجانب ويكتب.
حيرة
تكتشف هنا أنّ الناس مجرّد ألعاب في يد الرأسمال. وكنت عشت هذه الحقيقة في إسرائيل، ومع العزل العنصري وتقادم العهد نسيتها. تكتشف أنت المنتمي إلى يسار نقديّ كان يجافي دكتاتورية البروليتاريا إبّان عنفوانها، أن القصة لم تنتهي ولن تنتهي. بل زادت فصولها سواداً وقتامة حتى بعد زوال ذلك العهد [ربما بالأخصّ بعد زواله].
تكتشف أن البشرية المعذّبة تاريخياً، لا تبدّل إلا حذاء بحذاء. لم تكن دكتاتورية البروليتاريا هي الحلّ، ولن تكون دكتاتورية رأس المال هي الحل أيضاً. واحدة منهما كانت خشنة، فيما الثانية أنعم وأذكى قليلاً. هذا هو كل الفرق.
تمشي وتنظر الناس وهم يهرولون كالروبوتات نحو وظائفهم. نحو مواعيدهم، نحو إكراهات حياتهم. ويدرون أو لا يدرون أنهم ألعاب هذه الوظائف، هذه المواعيد، هذه الإكراهات. مجرّد ألعاب أو عبيد طالت القصة أم قصرت.
تكتشف وتتألّم. ليس من أجلك [فقد استدار الأفق] بل من أجل أولادك وأحفادك وأجيالٍ تعقبهم. تكتشف وتسترخي معتذراً من جديد لكل الحيوانات والحشرات والزواحف، عن استعلاء وغباء نوعك. وها تنام وتحلم للمرة الألف بتلك النظرية الثالثة: نظرية لا دكتاتورية فيها من أي نوع. ولا دكتاتورية فيها للإنسان على أي نوع. وأنت تعلم أنه هو الآخر: مجرّد حلم. وأنت تعلم أنك ستموت وهذا العالم على ماهو عليه. وحين تصل إلى هذه النتيجة، تقوم وتجلس ثانيةً وتأرق. ومن على شرشف الأرق، لا تعرف الآن [ولا غداً، ولا بعد عمر] ماذا يتعيّن عليك أن تفعل أو تكتب.
أنت الذي أحببتهم. وحين أخذك التدقيق في تاريخهم الذي يصرّ على غابويّته، استخذى إنتماؤك إليهم. وغبّئذٍ زفرتها عجزاً وعجزاً: ليتك يا أبي لم تقذف منيّك. ليتني جئت من ظهر حجر لا بشر. وهذه المرة بدون اعتذار للأب ولا للرب.
أطفال الندى
الإمتنان العالي لنجوان درويش على إصدار هذه التحفة في أرضها وبين ناسها.
كنت قرأتها وقت صدورها عن دار الريس، فأذهلتني. ولم أكن سمعت باسم كاتبها. فأقمت ندوة وتكلّمت عنها بوصفها أرفع سردية تناولت مأساة النكبة في لغتنا. وما زلت أعتقد بصواب هذا الرأي للآن.
محمد الأسعد كاتب مؤسّس وخلاق بكل المقاييس، لكنه مظلوم حضوراً وقامة وقيمة. ذلك أنه ببساطة لا ينتمي لأي تنظيم فلسطيني، ولأنه ببساطة أيضاً: جعل الإعلام وراء ظهره.
وبإعادة إصدار هذه الرواية عن دار الفيل في القدس، بعد 24 عاماً من صدورها عربياً، وبعد ارتحالها في عدة لغات، يكون محمد استردّ بعض ما يستأهل ويستحق. ونكون نحن استعدنا أحد أنبل وأعمق مبدعينا الأحياء.