تعرضت وزيرة الثقافة الجزائرية لحملة تكفير ومطالب بإقالتها من منصبها، وذلك اثر إعادة طرح تصريحات سابقة أدلت بها في كتاب صدر عام 1995 انتقدت فيها بعض شعائر المسلمين، ثم تراجعت عنها.


ياسين بودهان من الجزائر: تتعرض وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي الى انتقادات كبيرة خلال الفترة الأخيرة، بسبب ما ورد في كتابها (جزائرية واقفة). ورغم تراجع الوزيرة خليدة تومي وندمها على ما ورد في الكتاب حسب بعض المصادر، الا أن أصواتاً عديدة تعالت وطالبت باقالتها. ووصل الأمر الى حد quot;تكفيرهاquot; واتهامها بـquot;الالحادquot;، ويتساءل الكثير عن اسباب هذه الحملة الشرسة، خاصة أن الكتاب صدر منذ اكثر من 14 سنة ولم يثر حينها أية انتقادات أو ردود فعل واسعة. يشير الكاتب والاعلامي المقيم بالإمارات سلام الصغير مترجم الكتاب الذي صدر باللغة الفرنسية الى أن quot;الكتاب ليس من تأليف وزيرة الثقافة الحالية خليدة تومي، التي كانت حينها تعرف باسم خليدة مسعودي حيث كانت تحمل لقب زوجها، إنما هو عبارة عن حوار مطول أجرته معها صديقتها الصحافية الفرنسية إليزابيت شلمة، عبرت فيه عن أفكارها دون مواربة ولا نفاقquot;.

الصلاة ليست فرضًا

يكشف سلام في تصريحات لـquot;إيلافquot; بعض ما تضمنه الكتاب من أفكار اثارت ردود فعل واسعة، ومن أهم تلك الأفكار موقفها من فرض الصلوات الخمس، حيث ترى مسعودي أن الصلوات غير مطلوبة على الاطلاق، وتؤكد حسب ما جـاء في الكتاب quot;اتحدى أي شخص أن يجد في القرآن آية تحدد عدد وأوقات الصلوات اليومية. (صفحة 37) تعتقد مسعودي أن quot;تمريغ الوجه في الأرض اثناء السجود شيء مذلquot;. تضيف: quot;بحثت في القرآن لأي توجيهات تمتثل: لا شيء، فقلت عندي فكرة كبيرة وجميلة عن الله، فلما اختزلها في وضعية ذل مخترعة، الله عندنا شيء آخر، ولهذا عزمت الصلاة على عكس طريقة المسلمين فكانت اليوغا، وهكذا كنت اصليquot; (صفحة 38). وتأسفت مسعودي على quot;الأموال التي تضيع هناك في الحج، والتي كان من المفروض أن تنفق على بناء قاعات سينماquot; صفحة (32).

تكفير ودعوات لاقالتها

هذه الأفكار الجريئة كانت سببًا كافيًا لتكفير خليدة مسعودي من طرف الداعية الاسلامي المصري خالد عبد الله، كما شنّ العديد من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي حملة للمطالبة بإقالة الوزيرة من منصبها، كما طالب عبد الفتاح حمداش زعيم جبهة الصحوة الحرة الاسلامية السلفية في الجزائر باقالتها، ووصف الوزيرة تومي بـأنها quot;راعية الانحلال والفجور في الجزائرquot;. وردًا على الاتهامات الموجهة ضدها اتهمت الوزيرة تومي ــ حسب ما نقلته وسائل اعلام جزائرية ــ اطراف مغربية بشن هذه الحملة. وأكدت الوزيرة أنها تنتمي الى أسرة متدينة وquot;أنها تحترم الدين الاسلامي ككل الجزائريينquot;، وعبّرت عن quot;استيائها من فتاوى التكفير الصادرة بحقها من طرف الداعية المصري خالد عبد اللهquot;. وكانت خليدة أبرز معارضة سياسية تنشط في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، ضد السلطة الجزائرية، قبل أن تنشق عام 2002 عن الحزب وتعلن دعمها للرئيس عبدالعزيز
بوتفليقة، الذي عينها وزيرة للثقافة منذ عام 2002 وحتى اليوم. ويعرف عن تومي خلال فترة نشاطها في المعارضة نضالها من أجل حقوق المرأة والمرافعة من أجل إلغاء مرجعية الشريعة في قانون الأسرة والأحوال الشخصية، وصدامها مع التيار الإسلامي وتحدّيها للجماعات المسلحة في التسعينيات.

افكار صادمة وجريئة

تعليقًا على الجدل الدائر حول الموضوع، يقول الصغير سلام مترجم كتاب الوزيرة:quot;عليّ التأكيد اولاً على حرية الاعتقاد لدى أي كان سواء كان وزيرًا أو غفيرًاquot;. يضيف: quot;خليدة المناضلة يحسب لها شجاعتها ودفاعها عن أفكارها، وبينما انا اترجم لا اخفي عليكم أنني صدمت بأفكارها الجريئة والمستفزة أحياناً، لكنني اعتبرتها ضمن النسق الايديولوجي المعروف لدى جماعة التيار البربري الفرنكفوني، وهو مزيج من أفكار اليسار والأفكار التحررية الفوضوية التي ظهرت في الستينيات في أوروباquot;. ويشير سلام الى أن quot;تلك الأفكار لم تثر ضجة لأن الكتاب صدر بالفرنسية والقارئ الفرانكفوني أو الليبرالي لا يجد حرجًا في ما طرحت بين دفتي الكتاب، لكن القارئ في الجزائر الذي يعتبر الدين الاسلامي من بين المكونات الأساسية لتفكيره، صدم لما وضعت أفكار خليدة تحت الضوء بعد اكثر من14 سنةعلى صدور الكتابquot;.

أفكار الشابة ليست افكار الوزيرة

ويتابع: quot;هي في اعتقادي افكار خليدة الشابة التي لم تعد السيدة الوزيرة تؤمن بها بعد أن آمنت بدين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حين ولاها الوزارة، فأصبحت تقول إنها لا ترفض له طلبًا حتى لو كان ذلك الايمان بخزعبلات الزوايا وشطحاتهمquot;. وأوضح سلام: quot;نعم خليدة قالت في الكتاب إن الركوع والسجود سلوك عبودي بدوي، ولكن للأمانة هي نفت أن تكون كافرة، لقد قالت بالحرف الواحد أنا لست كافرة ولكن انا داييست (deiste) وهو مذهب يقر بوجود الله وينكر الوحي والعقائدquot;.

هجوم سياسي

يعتقد سلام أن quot;الهجوم على خليدة سياسي وليس دينياً ولا حتى ثقافياًquot;. ويوضح قائلاً: quot;من يهاجمها الآن يريد اضعاف الرئيس بوتفليقة، وهي احدى نقاط ضعفه الكبيرة، طبعًا مع استعمال الدين لتعبئة الأنصار، إنهم يهاجمون خليدة الوزيرة وليس المناضلة لأنها هي نفسها لم تعد تؤمن بتلك الأفكار التي تركتها خلفها عندما سكنت مبنى الوزارةquot;.

غوغائية

من جانبها، تساءلت مديرة صحيفة quot;الفجرquot; حدة حزام في تصريحها لـquot;ايلافquot; عن السر وراء الحملة التي تستهدف وزيرة الثقافة في الجزائر. تشير حزام الى أن quot;اثارة هذه الحملة تثبت أننا مجتمع غوغائي، لا يحسن اتخاذ المواقف ويسير وراء الموجة، ولا يحسن اتخاذ المواقف عن قناعة وتفكيرquot;. وتعتقد حزام أن quot;خليدة عبّرت بحرية عن موقفها من الدين الصلاة الصوم والحج، في كتابها الذي صدر خلال الأزمة الأمنية، وهي حرة في ذلك وليس لأحد أن يحاسبها عن قناعاتها أو ينصب نفسه محاميًا عن الدين، فالمعتقد أكبر من أن يترك للغوغاء تتبناه وتستعمله ضد أي شخص، وقد جاء الدين لحماية الناس وتنظيم حياتهم في ما بينهم وليس بينهم وبين الخالق، فهذه العلاقة تبقى بين الانسان وربه وليس لأحد أن يحكم على آخر بالكفر أو الردة أو أن يهدر دمهquot;. وتتساءل مديرة تحرير quot;الفجرquot;: quot;لو صدر هذا الكلام الذي قالته خليدة عن رجل، هل سيثير كل هذه الضجة؟ وهل ستنبري أقلام وتمضي سيوف للمطالبة برأسه؟quot;

ضحية لحرية الرأي

تضيف حزام: quot;لا أقول هذا الكلام دفاعًا عن خليدة، وكنت أتمنى أن يطالب القرّاء، أو المهتمون بالشأن السياسي، بمحاسبة الوزيرة على كيفية إدارة القطاع الذي تسيره منذ قرابة 11 سنةquot;. وتعتقد مديرة الفجر أن quot;هذه المسألة لا تخص خليدة وحدها، بل تخص جميع الوزراء وكل القطاعات، فهذا هو جوهر النقاش الذي يجب أن يحدث، وأن يكون تقليدًا يعمل به للتصدي إلى كل أنواع الفساد، لا أن ننتظر حتى تحدث الكوارث ثم نخرج نردد نفس النغمة كجوقة سيئة التوزيعquot;. وتشير الى أن quot;المطالبة بالإطاحة بخليدة من الوزارة من أجل قناعاتها، سيجعل منها ضحية حرية الرأي، ويحميها من المحاسبة الحقيقية، المحاسبة على التسيير، ويجنبها المسؤولية الحقيقيةquot;.